أين العدالة الاجتماعية؟ قراءة في المسودة النهائية لدستور مصر.. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

أين العدالة الاجتماعية؟
قراءة في المسودة النهائية لدستور مصر.. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
أثارت مسودة الدستور النهائية حفيظة الكثيرين، وذلك لأسباب متنوعة. فالبعض اعترض على دستور يتم “سلقه” من أجل الانتهاء منه سريعا، وقد شاهدنا جميعا العجلة التي سيطرت على أعضاء اللجنة التأسيسية، إلى الحد الذي جعلهم لا يلجأون حتى للجنة الصياغة ويكتفون بلغة لا تليق بدستور مصر بعد الثورة. وكان اعتراض آخرون على انفراد أحزاب التيار الإسلامي بكتابة الدستور بعد انسحاب المنتمين للتيارات الأخرى اعتراضا على اللجنة التأسيسية. رأى الكثيرون في الدستور فرضا من الرئيس المنتمي لتيار الإسلام السياسي لإرادة هذا التيار منفردا، خاصة بعد ما لم يترك للمصريين الخيار إلا أن يقبلوا بهذا الدستور، وإلا استمر الإعلان الدستوري الذي يعطي الرئيس سلطات مطلقة، ويجعله المشرع والقاضي والحاكم المنفذ، منفردا بكل السلطات، والمحصنة قراراته.
بالإضافة إلى ذلك، اعترض الكثير من الخبراء الدستوريون والنشطاء والحقوقيون والأحزاب والمواطنون على مضمون الدستور، والذي لم يعترفبحقوق المواطنين التي انتظرناها جميعا بعد ثورة يناير المجيدة، والذي لم يختلف كثيرا عن دستور 1971. وهنا الأمثال عديدة،فالمادة 198 من مسودة الدستور النهائية مثلا، والخاصة بالقضاء العسكري، تنص على أنه “لا يجوز بأي حال محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، إلا في الحالات التي ينص عليها القانون وفي الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة”، وهو ما لا يغير الوضع الحالي طالما سمحت القوانين بإحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية. وهكذا فمحاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري ستستمر، وسيظل عشرات الآلاف من المدانيين محرومين من حقهم حسب القانون الدولي -النافذ قانونا في مصر- من حقهم في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي ومن حقهم في محاكمات عادلة. فما فائدة دستور جديد لو كان كل ما يقوم به هو إحالة القضايا الهامة والتي تمس حقوق وكرامة المصريين للقانون العادي؟ وأين الحماية الدستورية للمواطن؟
من أهم المواد التي لاقت اعتراض الكثيرين مواد سلطات الرئيس، فالمادة 202 مثلا تنص على أن “الرئيس يقوم بتعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية”، بالرغم من أن المادة 200 تنص على أن “تتمتع الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، المنصوص عليها في الدستور، بالشخصية الاعتبارية العامة، والحياد والاستقلال..” فأي استقلال هذا ان كان رؤساء تلك الهيئات معينين من الرئيس، وهم من كان يتوجب عليهم مراقبة الرئيس والحكومة وتقديم التقارير عنهم بحكم عملهم؟ وغيرها من المواد، كالمادة 211 والتي تنص على ما يلي “لا يجوزالطعن على النتائج النهائية للاستفتاءات أو الانتخابات الرئاسية بعد إعلانها وفي كل الأحوال يجب أن يتم إعلان النتائج خلال مدة لا تجاوز ثمانية أيام من تاريخ الاقتراع”…! والمادة 199 التي تقتضي بأن “الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية، وتؤدي واجبها في خدمة الشعب، وولائها للدستور والقانون، وتتولى حفظ النظام والأمن والآداب العامة..”، فبأي حق يكون الرئيس قائدا لجهاز الشرطة، وكيف تكون الشرطة في خدمة الشعب في هذه الحالة؟ المادة بهذا الشكل تنذر بأن مهمة الشرطة الأولى حماية الرئيس والدفاع عن نظامه.
هذه مجرد أمثلة بسيطة للمواد العديدة التي لا ترتقي لمستوى دولة القانون التي تحترم حقوق الانسان وكرامة مواطنيها.
وبالرغم من أن قصور الدستور في ما يخص الحقوق السياسية والمدنية يستحق الانتباه، إلا أن قصور الدستور في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا يجب السكوت عنه. فالمسودة النهائية للدستور مازالت تتعامل مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كمشاكل هامشية وغير مؤثرة في ديموقراطية الدولة أو مدى احترام الدولة لحقوق الانسان. ولذا، نرى العديد من المشاكل في المسودة النهائية من حيث الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي تجعل مسودة الدستور الجديد شديدة التشابه بدستور عام 1971 وهو الذي فشل في تضمين الحقوق الأساسية للمصريين من المأكل والملبس والسكن والرعاية الصحية والتعليم ذي الجودة وغيرها، كما فشل في حماية مجموعات بعينها كالفلاحين والعمال والصيادين والأطفال وذوي الإعاقة وغيرهم. فبالرغم من أن مسودة الدستور النهائية قد تبدو من الوهلة الأولىأنها تضمن مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتضمن العدالة الاجتماعية وحقوق العمال، إلا أن أي قراءة تحليلية لتلك المسودة ستكشف كم القصور في المواد، بل أن بعض المواد تخرق حقوق اقتصادية واجتماعية بعينها. فمثلا، المادة 63 “ولا يجوز فرض أي عمل عمل جبرا إلا بمقتضى قانون”، تجعلنا نتوقف قليلا! ماذا لو جاء الغد بقانون جديد يسمح بالعمل الجبري، هل سيكون الدستور عائقا؟ الحقيقة هي أنه الدستور بهذه الصيغة يسمح بالعمل الجبري في حال تقنين هذا العمل، وذلك بالرغم أن المادة في الأصل تبدو رافضة ومانعة للعمل الجبريز فما فائدة الدستور إذن إذا فشل في حماية أبسط حقوق المواطن. مثال آخر من حقوق الأطفال، وهي التي لم ينجح الدستور في حمايتها من جديد، بل اشترك في امتهان حقوق الطفل حينما سمح بعمل الأطفال. فبالرغم من أن المادة 70 “ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم” قد تبدو من الوهلة الأولى أنها “تحظر” عمل الأطفال، إلا أن المادة تقنن عمل الأطفال وتشترط فقط إذا كان الطفل أصغر من مرحلة الالزام التعليمي أن يكون العمل مناسب (أي الأعمال تناسب الأطفال في مثل هذا العمر؟) وألا يمنع استمراره في الدراسة. وبالرغم من أن الواقع المصري يفرض علينا الاعتراف بأن الكثير من الأطفال يعملون، وعادة يعيلون أسرهم من أعمار صغيرة جدا، إلا أن هذا أكبر انتهاك لحقوقهم كأطفال أن يفرض عليهم العمل في هذا العمر، وهو أكبر دليل على أن الدولة فشلت في توفير العمل والضمان والتأمين الاجتماعي والمعاشات التي تؤمن لكل أسرة في مصر مستوى معيشي مناسب، لا يحتاج معه الأطفال للجوء للعمل وإهانة كرامتهم وإهدار حقوقهم في التعليم والرعاية. لذا، فمن المفزع أن يكون تعامل اللجنة الدستورية مع واقع الأطفال المؤلم هو تقنين عملهم والموافقة عليه قانونا، بل كان يجب أن تتعهد الدولة بكفالة الأطفال وتوفير احتياجات الأسر الفقيرة حفاظا على الأبناء من التشرد والعمل والأمية وما ينتج عنه من آثار سلبية على أي طفل.
حملة العمال والفلاحون يكتبون الدستور:
لا يدرك أحد أهمية الحقوق بقدر أولئك الذين تم تجريدهم من حقوقهم الأساسية من قبل. وهذا الفكر كان الهدف وراء قيام حملة “العمال والفلاحون يكتبون الدستور.” في الثلاثين من ديسمبر 2011، حيث قام المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوة ممثلين عن عشرات النقابات وإتحادات العمال والفلاحين وعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بغرض إعداد وثيقة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من منظور أصحاب هذه الحقوق، لتحمي حقوق كل مواطن مصري. بعد مرور ما يقرب من عام منذ بداية العمل على هذة الوثيقة، تم اكمالها نهائيا في نوفمبر 2012.
جدول حقوقك الاقتصادية والاجتماعية.. ببساطة
بند الحق في الضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي
حق حرية تكوين النقابات والمفاوضة الجماعية وحق الإضراب
الحق في العيش في مستوي معيشي كاف