مشروع قانون “خصخصة الصحة”.. استثمار لحياة المصريين أم بحياتهم؟
وافق مجلس النواب، أمس الاثنين 20 مايو 2024، من حيث المبدأ على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بشأن إسناد إنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية المملوكة الدولة للمستثمرين المصريين والأجانب، مستثنيا مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة، وعمليات الدم وتجميع البلازما.
هذا المشروع الذي من شأنه استمرار إحياء سياسات الخصخصة المستترة للقطاع الصحي، وانسحاب للدولة من أحد أهم قطاعاتها الاستراتيجية، ما قد يؤدي إلى تحول خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين إلى نشاط تجاري بحت، وما يتضمنه ذلك من عدم مراعاة المصلحة العامة وحق المواطنين في الصحة الذي أقره الدستور والتشريعات المحلية والدولية.
كما يسمح مشروع القانون بخروج عدد من المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين الصحي الشامل، وعدم إخضاعها لأسعار الخدمة المرتبطة بالمنظومة، مع الاكتفاء بإلزام المستثمرين فقط بتخصيص نسبة من إجمالي الخدمات للمنتفعين بقانون التأمين الصحي الشامل، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى التقليل من فعالية المنظومة ذاتها، كما يهدد إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، خاصة للفئات الأكثر احتياجا في المجتمع.
ويكتنف الغموض مصير العاملين في هذه المنشآت، حيث لم يلزم مشروع القانون المستثمر سوى باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% كحد أدنى قابل للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، وما يصاحب ذلك من تساؤلات مشروعة بشأن الطواقم الطبية والعاملين بهذه المنشآت، فضلا عن ضمانات الجودة والنزاهة في تقديم الخدمات الصحية، وقواعد التسعير وغيرها.
يأتي ذلك بعد أقل من 3 أشهر على صدور القرار رقم 75 لسنة 2024 بشأن اللائحة التنظيمية للمنشآت الصحية والمستشفيات الحكومية العامة التابعة لوحدات الإدارة المحلية، الذي رفع أسعار تحصيل الخدمة المجانية من المواطنين، ومن بينها قيمة كشف وعلاج من المترددين على العيادات الخارجية الصباحية، ومقابل زيارة المرضى في أوقات الزيارة، وقلص الحد الأدنى لنسب العلاج المجاني إلى 25% من عدد الأسرة والأقسام الداخلية، ورفع أسعار الخدمات التي تقدمها المنشآت الصحية والمستشفيات الحكومية العامة التابعة لوحدات الإدارة المحلية.
والمركز المصري إذ يبدي تحفظه البالغ على مشروع القانون وقلقه البالغ من استمرار تقنين مثل هذه السياسات وما تتضمنه من المغامرة بصحة المصريين، يطالب السيد رئيس الجمهورية بعدم التصديق على مشروع القانون حال إقراره بشكل نهائي من مجلس النواب، وإعادة النظر فيه ضمن حوار مجتمعي بمشاركة جميع الأطراف المعنية والمجتمع المدني.
ويذكر المركز المصري بحكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الصادر في سبتمبر من عام 2008 برفض إحدى محاولات خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي وتأكيده أن الخدمات الصحية مقوم من مقومات الحياة يجب أن يكون الوصول إليه طليقا من التحكم، وهو ما لا يتأتى إلا بأداء الدولة لهذه الخدمة مباشرة عن طريق الوزارات والمصالح أو عن طريق هيئاتها بأموالها العامة، ولا يجوز لها العدول عن ذلك إلى أدائها عن طريق مرافقها الاقتصادية التي تهدف إلى الربح، وأن الحق في الصحة ليس محلا للاستثمار أو المساومة والاحتكار.