في أول أيام تطبيق ما يسمى بقانون “تنظيم الحق في التظاهر والاجتماعات العامة” سيئ السمعة والذي أجمعت كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني على رفضه كما أدانته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وطالبت بتعديله، كشفت وزارة الداخلية عن الهدف الحقيقي من وراء إصرارها على تمريره وهو الحظر التام عمليا لحق التظاهر السلمي.
وكانت قوات الشرطة والأمن المركزي قد استخدمت القوة المفرطة لفض تظاهرتين خلال ساعات قليلة من ظهيرة اليوم، الثلاثاء 26 نوفمبر 2013، التظاهرة الأولى تجمع فيها العشرات أمام نقابة الصحفيين بقلب القاهرة لإحياء ذكرى الشهيد جابر صلاح المشهور بجيكا، والذي توفي في مثل هذا اليوم منذ عام متأثرا بإصابته بطلق ناري أثناء مشاركته في تظاهرات الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود، وذلك يوم 20 نوفمبر 2012. بينما تجمع عدة مئات من المتظاهرين بعد ذلك بساعات أمام مقر مجلس الشورى لإعلان رفضهم لمادة المحاكمات العسكرية للمدنيين في مشروع الدستور الجديد، وذلك أثناء انعقاد لجنة الخمسين المنوط بها إعداد المشروع في مقر المجلس.
وقد وجهت قوات الأمن في كل حالة تحذيرا بفض التظاهرة قبل شروعها في ذلك بخمس دقائق ولكن بعد محاصرة المتظاهرين، ثم استخدمت مدافع المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وفي أعقاب ذلك شرعت قوات الأمن في تعقب المتظاهرين رغم تفرقهم وقامت بضرب وسحل واعتقال أعداد كبيرة منهم، وتم احتجاز المعتقلين في التظاهرة الثانية داخل حديقة مجلس الشورى بالمخالفة للقانون والأعراف البرلمانية.
ونحن إذ ندين بقوة استخدام قوات الأمن العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين ينبغي أن نوضح أولا أن هذا يمثل انتهاكا جديدا من الشرطة المصرية للحق في التظاهر السلمي الذي كفلته كافة الدساتير المصرية كما تضمنه العهود والمواثيق الدولية التي وقعت مصر عليها وأصبحت من ثم ملزمة لها. ونؤكد ثانيا أن قانون قمع الحق في التظاهر السلمي كونه يخالف روح الدستور والمواثيق الدولية يعد باطلا وفي حكم المعدوم خاصة مع صدوره عن سلطة مؤقتة غير منتخبة ولا تملك أي تفويض من الشعب بانتقاص حقوقه والنيل منها. كما ينبغي الإشارة ثالثا إلى أن القانون سيئ السمعة ذاته لا يخول الشرطة حق استخدام القوة لفض أي مظاهرة لمجرد أن منظميها لم يتقدموا بإخطار السلطات بها، وهو لا يسمح باستخدام القوة المتدرجة لفض تظاهرة إلا في حال خرق المشاركون فيها الاشتراطات الواردة فيه والتي تتعلق في مجملها بسلمية التظاهر وعدم تعريض الأفراد والمنشآت للخطر، وحيث أنه لم يصدر عن المشاركين في التظاهرتين أي خروج عن هذه القواعد يعتبر استخدام القوة ضدهم مخالفا للقانون ذاته الذي اتخذته الشرطة ذريعة لفضهما.
إن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يكرر رفضه لقانون قمع الحق في التظاهر ويطالب الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور بوقف العمل به فورا وإرجاء إصدار أي قانون مماثل إلى حين انتخاب برلمان منتخب يكون له حق التشريع المدعوم بالشرعية الشعبية. كما يطالب المركز بالإفراج فورا عن كافة المعتقلين اليوم وفتح تحقيق من قبل النيابة العامة فيما ارتكبته قوات الشرطة من اعتداء بدني عنيف على المتظاهرين دون مسوغ قانوني. ويعيد المركز المصري التأكيد على أن محاولة إعادة قبضة الدولة الأمنية حارسا على مسار العمل السياسي ستبوء حتما بالفشل ولن تورث النظام الحالي إلا مصير سابقيه، وأن التذرع بالحرب على الإرهاب والحاجة إلى حفظ أمن المواطن والدولة حجة واهية سقطت فعلا في أول اختبار عملي.
لن يتحقق الاستقرار بشرعنة فوضى العنف الشرطي ضد من يستخدمون حقهم الطبيعي في الاحتجاج السلمي، ولن يستعاد الأمن المفقود بإطلاق يد الشرطة لممارسة عنفها بلا قيود في شوارع مصر. السبيل الحقيقي الوحيد لتحقيق الاستقرار واستعادة أمن المواطن والمجتمع هو بناء دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية التي خرجت الجماهير في 25 يناير للمطالبة بها.
ضع تعليقا