موازنة | تحليل البيان المالي للعام 2014- 2015 – ورقة تحليلية من المركز المصري
حمل الورقة كاملة بصيغة
نشر موقع وزارة المالية الأربعاء الموافق 2 يوليو
، وهو ما جاء مع بداية العام المالي الجديد الذي يبدأ في 1 يوليو من كل عام، ويعد ذلك تأخرافينشر مشروع الموازنة العامة، الذي كان من الضروري نشره في ابريل أي مع بداية مرحلة المناقشة و الموافقة. طبقا للمعاير الدولية ،ينبغي أن تلتزم الحكومة بنشر ثمان مستندات اساسية خلال مراحل الموازنة المختلفة أثناء السنة المالية[i]. أهم هذه المستندات هو “مشروع الموازنة العامة“ وهو ما يسمى بالبيان المالي في الحالة المصرية، والذي يجب عرضه على مجلس النواب تسعون يوما قبل بدء العام المالي، طبقا للدستور المصري. من المهم ايضا ان يتم نشر واتاحة هذا المستند في مرحلة “المناقشة والموافقة” على الموازنة العامة حتى يمكن للمواطن والمجتمع المدني المشاركة في وضع خطط وبرامج تضمن حقوقهم.ومن هذا المنطلق، تشدد الشراكة الدولية للموازنات (IBP) على ضرورة شفافية مشروع الموازنة (اي البيان المالي) لأن . . .“مقترحاته تحدد كل من:
- الايرادات: ما على المواطنين دفعه في صورة ضرائب.
- الاستخدامات: كيفية توزيع موارد الحكومة بين المواطنين.
- المديونية: قدرة ما تتحمله الاجيال الحالية والمستقبلة من تكاليف الانفاق الحكومي.
تتخذ الحكومة هذة القرارات نيابة عن المواطنين فمن الضروري ان تقدم الحكومة إيضاحات كاملة لما تفرضه من ضرائب وما تحصل عليه من قروض وخطط انفاقها قبل إقرار مشروع الموازنة العامة وذلك للسماح لحوار مجتمعي ونقاش برلماني قائمين على معلومات صحيحة وبالتالي يعلم المواطنون كيف تحصل أموالهم وكيف يتم انفاقها.”[ii]
ومن ثم، فوظيفة هذا البيان هي وصف المناخ الاقتصادي وقت اعداد الموازنة، حيث توجه تلك المؤشرات الاقتصادية الأولويات التي يجب أن توضع في الاعتبار عند مرحلة اعداد الموازنة. و أيضا يشمل البيان عرضا لأهم بنود الانفاق الحكومي، بتقسيماتها المختلفة، و أهم الموارد والايرادات ومصادر التمويل التي تغطي عجز الموازنة. يهتم البيان كذلك بشرح أهم توجهات الحكومة في العام المالي الجديد، وأيضا الأهداف العامة للأمد المتوسط (حتى ٢٠١٦/٢٠١٧). يعد ذلك المنشور مستندا أساسيا يسلط الضوء على جوانب متعددة ليس فقط للسياسات والأولويات الحكومية انما يرسم صورة عامة عن المناخ الاقتصادي الذي يشكل تلك السياسات.
في التالي نحلل فقط عددا محدودا من الجوانب نعتبرها هي الأهم في البيان المالي، ولا يعني هذا مطلقا أن ذلك التحليل شاملا أو وافيا، إنما يمثل فقط نظرة عامة نحاول من خلالها تفسير ما جاء في البيان من بيانات وأرقام بالغة الدلالة. ونضع على عاتقنا أن نوسع ذلك التحليل مستقبلا ليكون أكثر شمولا لكل جوانب البيان،ولنضعه في مقارنة مع تصريحات المسؤلين في الحكومة والتي تأتي بتعهدات يومية بتحسين ظروف المواطن الاقتصادية والاهتمام بالعدالة الاجتماعية. أيضا علينا أن ننظر للبيان كمؤشر لهيكلية صنع القرار في وزارة المالية، حيث أنه بمجرد النظر لكيفية تنظيم وعرض المعلومات والجداول بتصنيفاتها المتعددة، وأيضا مدى اتاحة المعلومات وربطها بسرديات الحكومة عن الأولويات، كل هذا من شأنه أن يبرز لنا مؤشرات واضحة عن أدوات الحكومة في إدارة المال العام، بل وموقع المواطن من صنع تلك السياسات. كل تلك الزوايا تستحق تحليلات متعددة من شأنها أن تخلق خطابا جادا يقيّم وينتقد ويؤثر في منهجية الحكومة.
نحو مزيد من التقشف
بين موازنة منصور وموازنة السيسي
كان الوزير هاني قدري دميان، وزير المالية، قد أصدر في تاريخ ٢٥ مايو بياناصحفيا يعلن فيه عن أهم ما جاء في مشروع الموازنة الذي تم تقديمه للرئيس السابق عدلي منصور من أجل الموافقة عليه. وكان الرئيس المؤقت عدلي منصور قد رفض اقرار مشروع الموازنة، استشعارا للحرج، تاركا اياه للرئيس السيسي ليقره. وعندما اعترض الرئيس السيسي على المشروع، تم اعداد البيان الأحدث الذي صدر في 2 يوليو. يمكن اعتبار البيان الأول (البيان المالي لعدلي منصور) إشارة لمشروع موازنة أولي إما تم إعادة رسمه بالكامل، أو تمت مراجعته، بعد رفض الرئيس السيسي إقرار الموازنة وإعلانه نيته لتعديلها لكي يتم السيطرة على العجز. و بالرغم من نقص المعلومات المتاحة في ذلك البيان الصحفي، إلا أنه يمكن عقد مقارنة بينه وبين ما جاء في البيان المالي الأحدث، وهو ما يمثل عقد مقارنة بين موازنة أعدت في عهد عدلي منصور، رفضها السيسي، وموازنة اعدت في عهد السيسي من أجل السيطرة على عجز الموازنة كهدف أساسي.
على سبيل المثال، يعرض البيان االصحفي عن مشروع الموازنة الأول جدولا لـ”أهم البرامج التي تمولها الموازنة العامة للدولة”، ويتضمن بنودا منها الانفاق على التعليم والصحة والدعم والتأمينات والمعاشات. وبالمقارنة بين أرقام مشروعي الموازنتين يتضح أن الانفاق على التعليم في مشروع الموازنة الأول بلغ ١٠٥ مليار جنيه، بينما تم تخفيضه إلى ٩٤ مليار جنيه في المشروع الثاني[iii]، بفارق ١١ مليار جنيه. كذلك كان الإنفاق على الصحة ٥١ مليار جنيه في المشروع الأول، بينما يبلغ ٤٢ مليار جنيه في المشروع الجديد. كانت أضخم إجراءات تقشف (أوماأسماهالوزيرترشيدا) في التعامل مع الدعم حيث تم تخفيضه من ١٩٢ مليارجنيه إلى ١٧٨ مليار جنيه، بفارق ١٤ مليار جنيه. إذا نظرنا لتوزيع تخفيضات الدعم، نجد أن أكبر نصيب كان لدعم الكهرباء حيث تم تقليصه بمقدار ٦ مليارات جنيه، يليه دعم المواد البترولية الذي تم تقليصه بمقدار ٤ مليارات جنيه، ودعم السلع التموينية الذي بلغ حجم خفضه ٢،٥ مليار جنيه.
تصل قيمة حصيلة اجراءات التقشف إلى حوالي ١٧،٦ مليار جنيه، حيث بلغ إجمالي الإنفاق العام في مشروع الموازنة الأول ٨٠٧ مليار جنيه طبقا للبيان الصحفي، بينما نجد أن الانفاق العام بلغ ٧٨٩ مليار جنيه في المشروع الجديد، أي أن معدل اجراءات التقشف بلغ ٢،١٨٪. هناك إجراءات تقشفية آخرى، مثل انخفاض الانفاق على الأجور و تعويضات العاملين بمقدار ملياري جنيه (من ٢٠٩ إلى ٢٠٧ مليار). في النهاية، تمكنت الحكومة من خفض العجز الكلي للموازنة، من ٢٨٨ مليار في مشروع الموازنة الأول (أو ١٢٪ من الناتج المحلي) إلى ٢٤٠ مليار جنيه (٩،٩٨٪ من الناتج المحلي).
قراءة في اهم عناصر البيان المالي للسنة المالية 2014/2015 مقارنة بالمتوقع للحساب الختامي لسنة 2013/2014
فيما يلي نعقد مقارنة بين مشروع موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ والمتوقع للحساب الختامي للعام السابق 2013/2014، كما أتى في البيان المالي. فقد سجل البيان المالي مصروفات عامة لـ٢٠١٤/٢٠١٥ تصل لـ٧٨٩ مليار جنيه، بزيادة تبلغ ٥٢،٤ مليار جنيه عن المصروفات الفعلية المتوقعة لعام ٢٠١٣/٢٠١٤ (تغير بنسبة ٧،١١٪)، بينما بلغت المصروفات ٣٢،٩٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ٣٦،٢٪ في ٢٠١٣/٢٠١٤. أيضا سجلت إيرادات تبلغ ٥٤٨ مليار بزيادة ٤٢ مليار عن الإيرادات المتوقعة لـ٢٠١٣/٢٠١٤ (تغير بنسبة ٨،٢٩٪)، و نسبة الإيرادات من الناتج المحلي الإجمالي ٢٢،٨٪ (قارن بـ٢٤،٩٪ في ٢٠١٣/٢٠١٤).
التقسيم الوظيفي
أول مقارنة تقوم على التصنيف الوظيفي للانفاق، أي تقسيم الانفاق الحكومي بين الـ١٠ قطاعات الوظيفية. ويستحوذ قطاع الخدمات العامة على أكبر حصة من المخصصات، حيث تبلغ نسبة الانفاق الحكومي التي خصصت للخدمات العامة في مشروع الموازنة الجديد ٣٤،٢٪. ولا تختلف تلك النسبة عن الأعوام السابقة، حيث يتوقع لها أن تكون قد وصلت فعليا إلى ٣٤،٧٪ في العام المالي ٢٠١٣/٢٠١٤. يتضمن هذا القطاع الأجهزة التنفيذية والتشريعية (مثل مجلس الشعب، رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء)، أجهزة الشئون المالية و الشئون المالية العامة (مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، ديوان عام وزارة المالية، مصلحة الضرائب العامة)، و أجهزة الشئون الخارجية (مثل ديوان عام وزارة الخارجية).
يأتي بعد ذلك قطاع الحماية الإجتماعية الذي تبلغ حصته ٢٧،٥٪ من الانفاق الحكومي. و يليها التعليم (١٢٪)، بينما أصغر قطاعين هما الإسكان والمرافق المجتمعية (٢،٧٨٪) و حماية البيئة (٠.٢١٪). من الجدير بالذكر ان تلك أول مرة نرى فيها بندا يسمى “أنشطة وظيفية متنوعة”، وعندما لاحظنا غياب قطاع “الدفاع والأمن القومي” الذي دائما كنا نراه في التقسيم الوظيفي (بل وتوصي به المعايير الدولية لرسم الموازنة العامة)، قمنا بمقارنة بيانات السنوات الماضية، ووجدنا انه تم إعادة تسمية بند الدفاع والأمن القومي إلى ذلك اللقب الجديد “أنشطة وظيفية متنوعة”، في حين لم تزد حصته كنسبة من الانفاق الحكومي عن الاعوام الماضية بمقدار ملحوظ (من ٤.١٧٪ إلى ٤،٩٨٪).
باستعراض معدل التغيير في بنود الانفاق حسب التصنيف الوظيفي في مشروع موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ مقارنة بالموازنة المعدلة لـ٢٠١٣/٢٠١٤، كان أكبر معدل تغيير في بند “أنشطة وظيفية متنوعة” بزيادة ٢٦،٩٪، يليها بند الصحة الذي زاد ٢٦،٥٪، ويأتي كذلك النظام العام و شئون السلامة العامة بزيادة تبلغ ٢٠،١٪. جدير بالذكر أن قطاع الإسكان و المرافق المجتمعية شهد انخفاضا حادا يبلغ ٤٥٪.
التقسيم الاقتصادي للمصروفات
أكبر بند اقتصادي من حيث المصروفات هو الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية الذي بلغ نصيبه ٢٩،٦٪ (وكان يبلغ ٣١،٧٪ في ٢٠١٣/٢٠١٤)، يليه بند الأجور وتعويضات العاملين حيث بلغ ٢٦،٣٪ (مقارنة بـ٢٤،٥٪ في ٢٠١٣/٢٠١٤). وتبقى فوائد الديون الخارجية والمحلية عبءا كبيرا على الإنفاق الحكومي حيث تستحوذ على ٢٥،٢٪ من المصروفات.
يمكن قياس التغيرات في الإنفاق على البنود الاقتصادية بين مشروع الموازنة و توقعات الانفاق الفعلي في ٢٠١٣/٢٠١٤ (أي توقعات الحساب الختامي)، حيث شهدت “المصروفات الآخرى” أكبر زيادة وبلغت ٢٧،٨٪ (من ٣٨ مليار إلى ٤٩ مليار). ويوضح البيان المالي طبيعة هذا البند بالقول أن “أهم مصروفات هذا الباب تقديرات الدفاع واﻷمن القومي”[iv]. وبالنظر للموازنة المعتمدة للعام المالي ٢٠١٣/٢٠١٤، نجد أن تلك المصروفات الآخرى قد بلغت ٣٨ مليار جنيه، و تضمنت ٣٠،٧ مليار يذهب لبند يشار إليه بـ”ق. م”، وعند البحث في التقسيم الاقتصادي لقطاع الدفاع والأمن القومي، نجد نفس الـ٣٠،٧ مليار تحت “مصروفات الآخرى” عند البند الإداري “ديوان عام وزارة الدفاع”. مما يعني أن معظم المصروفات الآخرى من نصيب وزارة الدفاع ولا يمكننا أن نعلم كيف يتم استخدام تلك المخصصات.
يأتي بعد ذلك زيادة ١٨،٢٥٪ في شراء السلع والخدمات (بفرق ٥ مليارات)، وزيادة الأجور وتعويضات العاملين بنسبة ١٤،٦٪ بفرق ٢٦ مليار). و تتضمن تلك الزيادات ١٠،٦ مليار جنيه قيمة التعديلات الخاصة بالترقيات والعلاوات، و ٧،٩ مليار جنيه قيمة المرحلة الأولى من تطبيق الحد الأدنى للأجور، و تدابير آخرى متعلقة بأعضاء المهن الطبية والمعلمين[v].
يلاحظ أن بند شراء الأصول غير المالية/الاستثمارات قد شهد انخفاضا بنسبة 14.31% في مشروع الموازنة للسنة المالية 2014/2015 مقارنة بالحساب الختامي المتوقع لسنة 2013/2014. يدرج البيان المالي لسنة 2014/2015 تحت هذا البند الاستثمارات الخاصة بالحكومة وتنقسم إلى، الجهاز الاداري والادارة المحلية والهيئات الخدمية إضافة إلى تعويضات فروق الأسعار للمقاولين والاحتياطات. ويكشف تحليل اﻷرقام والنسب المدرجة بهذا الجدول خطأً في النسب التي يتضمنها كما توضح الرسوم البيانية التالية:
يوجد فارق ضئيل بين النسب الحقيقية (رسم بياني رقم 2) مقارنة بالنسب المتاحة في البيان المالي (رسم بياني رقم 1) وهو فارق ليست له قيمة احصائية ولكنه يوضح الصورة الحقيقية لتقسيم الانفاق على الأجهزة الحكومية ويكشف المركزية المتمثلة في تحكم الجهاز الإداري (دواوين الوزارات) في أكثر من نصف الاستثمارات الحكومية، في حين يتاح للمحليات التحكم في أقل من 10% من هذا اﻹجمالي.
ولأول مرة تتيح وزارة المالية توزيع الانفاق على هذا البند (أو أي بند اقتصادي) على مستوى البرامج ويعتبر هذا التقسيم للانفاق تحسنا من حيث إتاحة المعلومات والشفافية لدى وزارة المالية.
يوضح البيان المالي[vi]تقسيم الاستثمارات على برامج القطاعات وياتي قطاع الاسكان في المقدمة بنسبة استثمارات قدرها 28.8% ويشمل قطاع اﻹسكان عدة برامج يأتي في مقدمتها برنامج “الصرف الصحي” باستثمارات بنسبة 27.7% من استثمارات القطاع. يأتي قطاع التعليم في المرتبة الثانية بنسبة 15.19%. في حين تأتي في المركز الثالث استثمارات تم تجميعها تحت بند “أخرى” بنسبة 12.87%، ولا توجد أي بيانات تفصيلية عن طبيعة البرامج المدرجة تحت هذا البند الكبير.
حالت مشكلتان دون قدرتنا على تقديم تحليل أكثر تفصيلا لهذا البند وهما:
1) لايوجد هذا المستوى من التفصيل في المستندات المنشورة للموازنة في السنوات المالية السابقة ونتمنى ان نرى هذا التفصيل وقت نشر مستندات الموازنة المعتمدة للسنة الحالية والسنوات المستقبلة وايضا في الحسابات الختامية ليوجد فرصة حقيقية في المراقبة على برامج الحكومة التي لها تأثير على حياة المواطنين.
2) وجدنا مشكلة حسابية في هذا الجدول كما يظهر في الجداول المرفقة. ( اضغط هنا للإطلاع على الجداول التفصيلية)
التقسيم الإقتصادي للإيرادات
بلغت الإيرادات العامة للموازنة ٥٨٤،٦ مليار جنيه، بزيادة قدرها ٤٢ مليار جنيه عن الإيرادات المتوقعة للعام المالي ٢٠١٣/٢٠١٤ (زيادة ٨،٢٩٪)، وهي زيادة ضئيلة جدا مقارنة بالأعوام السابقة، ذلك لأن ٢٠١٣/٢٠١٤ كانت سنة مالية استثنائية جدا نظرا لما تم تلقيه من منح و مساعدات ضخمة من دول الخليج وغيرها من الدول والجهات (وصلت لـ١١٧ مليار جنيه[vii])، مما أدى لصعوبة في زيادة الإيرادات في العام المالي الجديد ومواجهة العجز المتوقع.
ولكن من الملفت أن الحكومة لم تنجح في ربط سياسات الاصلاح الضريبي بزيادة واضحة في الايرادات الضريبية. فقد بلغت الإيرادات الضريبية في مشروع الموازنة الجديد ٣٦٤ مليار جنيه، بزيادة ٥،٥ مليار فقط عن الموازنة المعدلة لعام ٢٠١٣/٢٠١٤، أي بزيادة نسبتها ١،٥٥٪ فقط، و تعترف وزارة المالية ان تلك النسبة منخفضة جدا إذا قورنت بالمعدلات العالمية لزيادة الإيرادات الضريبية من عام لآخر[viii]. و لكن حساباتنا لزيادة الإيرادات الضريبية تختلف عن حسابات الوزارة، حيث أن البيان يقارن الايرادات في مشروع موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥ بالإيرادات الضريبية المتوقع أن تكون قد حُصلت في ٢٠١٣/٢٠١٤، مما يجعل الزيادة تبدو وكأنها أكبر بكثير نظرا للنمط المستمر حتى آلان في الفروقات الضخمة جدا بين تقديرات الموازنة لمتحصلات الضرائب والأرقام الفعلية لتلك المتحصلات و التي تدل على أنه هناك ترهلا حقيقيا في آليات جمع الضرائب لم يتم إصلاحه حتى الآن[ix].
من الجدير بالذكر أن الحكومة كانت تخطط لزيادة في الإيرادات الضريبية تقدر بـ١٠ مليار جنيه في مشروعموازنتهاالأول من خلال التعديلات في النظام الضريبي، و لكن تم تقليص تلك الزيادة لما هي عليه الآن. نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي ١٥،٢٪، و هي أيضا نسبة ضئيلة إذا قورنت بالمعدلات العالمية التي تتراوح بين ٢٣٪ و ٢٧٪[x]، كما أنها نسبة ارتفعت بنسبة ضئيلة فقط عن المتوقع لسنة 2013/2014.
يتحدث البيان المالي عن التعديلات والإصلاحات في قانون الضرائب، مثل التعديل الأخير على ضرائب الدخل الذي يفرض ضريبة إضافية مؤقتة لثلاثة أعوام قدرها ٥٪ على الدخول أعلى من مليون جنيه (والذي سيحدث زيادة تقرب لـ١٠ مليار جنيه)، أو إصلاح الضريبة العقارية الذي يتيح تمويلا يقدر بـ٣،٥ مليار جنيه يستخدم لتطوير العشوئيات، أو الإنتقال إلى نظام الضريبة على القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات. و لكن ليس من الواضح كيف ستنعكس تلك السياسات على تقديرات الحصيلة الضريبية في العام المالي الجديد. فمثلا، طبقا للبيان، التحول من ضريبة المبيعات إلى ضريبة القيمة المضافة سيزيد من متحصلات الضرائب، و لكن إذا نظرنا للأرقام و قارنا بين تقديرات مشروع الموازنة الجديد وربط الموازنة المعدلة لـ٢٠١٣/٢٠١٤، نجد أن هناك انخفاض يصل لـ٨ مليار (من ١٢٦،٥ مليار لـ١١٨ مليار) في ضرائب المبيعات، بينما إذا قورن التقدير بالحساب الختامي المتوقع لنفس البند، هناك زيادة تبلغ ٢٦،٥ مليار. ويعد غموضا متعلقا بالسياسات الجديدة التي ستتبناها الحكومة لتحصيل الضرائب، لأنه لا يوجد أساس لحساب تأثير أي قرار أو تعديل، و هناك تناقضات نابعة من تعدد طرق حساب الزيادات في الإيرادات الضريبية.
في المجمل، بالمقارنة بالموازنة المعدلة لـ٢٠١٣/٢٠١٤، سيصل صافي زيادة الإيرادات الضريبية لـ٥،٥ مليار جنيه نتيجة زيادة الضرائب العامة (التي تتضمن ضريبة دخول الأشخاص و ضريبة الأرباح و الدمغة) تبلغ ١١،٩ مليارا، بينما هناك نقص في ضرائب المبيعات يبلغ ٨ مليار جنيه، كذلك نقص ضئيل في الضرائب والرسوم الجمركية. على جانب آخر، إذا أستخدم المتوقع من الحساب الختامي لعام ٢٠١٣/٢٠١٤، هناك زيادة ضخمة تصل لـ٧٦،٨ مليار جنيه، وذلك نظرا لخلل منظومة جمع الضرائب الذي يقلل من المتحصلات الفعلية و يجعل من المقارنة بين مشروع الموازنة (وهو ما يمثل طموحات الحكومة) والمتوقع من الحساب الختامي (وهو ما يمثل الواقع الذي آل اليه الأمر بنهاية العام المالي) منهجا إشكاليا ينتج تقديرات مبالغ فيها.
غموض حول التعامل مع الدعم
ربما يوجد قرارات يمكن الإشادة بها في مشروع الموازنة، مثل التوسع الكبير في معاش الضمان الإجتماعي الذي زاد بنسبة ١١٤٪ من ٥ مليار في عام ٢٠١٣/٢٠١٤ إلى ١٠،٧ مليار في العام الجديد، مع توسيع قاعدة المستفدين إلى ٣ مليون أسرة، عن طريق تقديم الدعم النقدي المباشر. لكن إذا نظرنا لنظام الدعم بشكل عام، نجد أن هناك إصرار من جهة الحكومة على التضييق على الانفاق على الدعم بدون الإشارة الجادة لاصلاح منظومة توزيع الدعم، حيث تكرر الحكومة أن الدعم لا يصل لمستحقيه، ونكرر نحن أن الحل لا يكمن في الغاء الدعم ولكن في تطوير شبكات الوصول للمستحقين واعادة تعريفهم. إذا نظرنا للأرقام، نجد أن جملة الدعم ستنخفض بنسبة ٧،٠٣٪ عن الحسابات الختامية المتوقعة لعام ٢٠١٣/٢٠١٤. مبدأيا، هناك انخفاض في دعم السلع التموينية، يصل لـ٨،٩٪ مقارنة بالإنفاق الفعلي المتوقع لـ٢٠١٣/٢٠١٤. كذلك دعم المواد البترولية الذي انخفض من ١٣٠ مليار في ٢٠١٣/٢٠١٤ إلى ١٠٠ مليار (أي نسبة انخفاض تبلغ ٢٣٪). إجمالا، تم تقليص الدعم السلعي من ١٨٠ مليار إلى ١٦٣ مليار (تناقص يبلغ ٩،٢٤٪). جدير بالذكر أن معظم الدعم يكون في شكل دعم سلعي، وكان نصيبه ٩١٪ من إجمالي الدعم.
ولكن نلاحظ أيضا أن ثم زيادة غير مفهومة مطلقا في دعم الكهرباء، حيث تم مضاعفته من ١٣ مليار إلى ٢٧ مليار، ولم يتطرق البيان مطلقا لسبب تلك الزيادة المفاجئة. إلا أن دعم الكهرباء يتضمن ٥ مليار جنيه كدعم للغاز الطبيعي المستورد من أجل الحد من انقطاع الكهرباء[xi]، بالاضافة الى غياب الغاز الطبيعي من بنود دعم المواد البترولية وهو ما يزيد الأمر غموضا، حيث كان نصيبه ٨،١٥٪ في مشروع موازنة ٢٠١٣/٢٠١٤، و لكن لا نجد للغاز الطبيعي أي اعتبار في توزيع الدعم، مع علم الحكومة أن أسعاره العالمية ستزيد بنسبة ٢٢٪ هذا العام[xii]. من الجدير بالذكر أيضا أن توزيع دعم المواد البترولية بين بنوده لم يتغير مقارنه بالأعوام الماضية، حيث يستمر السولار في الاستحواذ على ٤٤٪ من دعم المواد البترولية، يليه البنزين بنسبة ٢٠٪.
إذا تم النظر إلى التصريحات الموجودة في البيان المالي المتعلقة بالدعم (وليس الأرقام)، فهناك قسم مخصص لخطة الحكومة في ترشيد الطاقة، تبدأ بالمرحلة الأولى وهي الإصلاح السعري التدريجي (الذي بدأ بالفعل)، ثم الإنتقال لمرحلة “رفع كفاءة استخدام الطاقة”، الذي لا يمكن اعتباره إلا تناقضا واضحا، حيث تنوي الحكومة دعم الصناعات التي تتبنى الطاقة النظيفة (ذلك الدعم الذي سيتم توفيره عن طريق رفع دعم السولار في تلك الصناعات)، في حين أنه أيضا تعتزم الحكومة دعم استخدام الفحم بدلا من المازوت كمصدرا للطاقة. إذا عن أي طاقة نظيفة نتحدث؟ أيضا هناك حديث عن توصيل الغاز الطبيعي للمنازل، وتطبيق نظام الكروت الذكية من أجل تحسين نظام توزيع دعم الطاقة، و إصلاحات هيكلية في نظام البترول ومكافحة تهريب منتجاته. و لكن تظل تلك الخطط غير واضحة ويحيطها التعتيم، ولا نجد أي إطار زمني للتنفيذ أو أي تقدير لكلفة تلك الإجراءات (بالطبع ما عدا “الإصلاح السعري” الذي بدأنا نشعر بتداعياته بالفعل)[xiii].
الخاتمة
بالرغم من التأخر في نشر البيان المالي الذي يفرغه من وظيفته الأصلية، وهي إرشاد مرحلة المناقشة والموافقة التي تعتمد بالأساس على الحوار المجتمعي، نجد في بيان هذا العام تقدما ملفتا في جودة البيانات وصورة عرضها. فمثلا، هناك اهتمام بعرض الموازنة في صورة ما يمكن اعتباره هيكلا لموازنة برامج، كما هو واضح من جداول الإستثمار والدعم والانفاق في البرامج الاجتماعية. ذلك يعد دليلا على أن وزارة المالية لديها بالفعل نموذجا جاهزا لموازنة برامج يمكن من خلالها أن نعلم بشكل مفصل كيف يتم توظيف وادارة المال العام، وما هي الجهة الإدارية المسئولة عن كل برنامج، وما هي مدخلات كل برنامج وما هي نتائجه المتوقعة. بالطبع نحن ما زلنا بعيدين عن تلك الرؤية، ولكن يجب الإسراع في تغيير المنظومة الكاملة للموازنة العامة.
كنا نتمنى أن يتم نشر مشروع الموازنة الأول (الذي تم تقديمه للرئيس عدلي منصور)، ليس فقط من أجل التزامات الشفافية، ولكن من أجل إثراء النقاش الدائر الآن، مثلا حول أفضل طريقة للسيطرة على عجز الموازنة والديون الطائلة. كان يمكن للحكومة أن تشرك المجتمع المدني في تقييم السيناريوهات المتعددة المطروحة وأثر كل منهم على القطاعات الإجتماعية المختلفة (حسب الطبقة، والنوع، والنشاط، والموقع الجغرافي، إلخ). ذلك بدلا من فرض الموازنة وكأنها سيناريو واحد لا يمكن الفرار منه أو حتى النقاش حول مضمونه. فالقرارات التي أدرجت في الموازنة لها تداعيات قوية وواسعة الصدى (مثل رد فعل الشارع لقرارات رفع الدعم)، وكان هناك فرصة لأدارة تلك العواقب والنتائج بشكل أفضل إذا تم إتاحة المجال لحوار مجتمعي يشارك في وضع الموازنة. ولكن بالطبع تم اهدار تلك الفرصة.
إجراءات التقشف واضحة بشدة في مشروع الموازنة الجديد. ومع العلم أنه بالطبع هناك حاجة لحل أزمة عجز الموازنة والحد من الحاة للاقتراض، لكن قبل التسليم لذلك النهج الإقتصادي التقليدي لمعالجة الأزمة المالية للدولة، الذي يؤدي إلى زيادة العبء على المواطنين في معيشتهم، يجب البحث عن وسائل آخرى لتحفيز الإقتصاد عبر الإنفاق الحكومي (والذي بدأت بالفعل المؤسسات المالية الكبرى أن توصي به). من الضروري أن نجد خطة لمواجهة الأزمة المالية والإقتصادية تعي جيدا الأثر الإجتماعي والإقتصادي والسياسي لتلك الإجراءات على جميع قطاعات المواطنين، بداية من التضخم ورفع تكلفة المعيشة وصعوبة الوصول للإحتياجات اليومية، إلى زيادة وتيرة الإحتجاجات يوما بعد يوم. لا يجب أن يتحمل المواطنون الأكثر احتياجا أعباء تلك السياسات، مع عدم المساس بالضرائب المفروضة على القادرين. وإذا كانت الحكومة صادقة في نيتها لإعادة هيكلة نظام الدعم بحيث تضمن وصوله لمستحقيه بدلا من اهداره (وهي واحدة من الحجج التي تم تكرارها عند اعلان القرارات الأخيرة الخاصة بالدعم)، هل للحكومة خطة واضحة لكيفية إصلاح منظومة وشبكات توزيع الدعم والمواد التموينية، بمدخلات و أهداف يمكن القياس عليها؟ أليس ذلك هدف يستحق نفس الاهتمام والحسم الذي تم تكريسهما لتخفيض الدعم وعجز الموازنة؟
أخيرا، يجب التأكيد على أنه قد حان وقت نشر الموازنة التي من المفترض أن تكون قد أقرت، خاصة أن تأخر النشر يعطي انطباعا بارتباك ما داخل الحكومة.. ومن هنا، يدعو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الحكومة لنشر الموازنة العامة في أقرب فرصة لكي يكون إقرارها رسميا وقانونيا وفعالا، ولكي يمكننا مراقبة تنفيذ السياسات وتقييمها، كما ندعوا الحكومة لفتح قنوات لمشاركة المواطنين في اتخاذ القرار، خاصة من خلال اتاحة أوسع للمعلومات وقدر أكبر من الشفافية.
[i] يمكن التعرف على مراحل الموازنة المصرية والمستندات التي يتم نشرها من خلالانفوجرافأ.ب. الموازنةالعامة
[ii]GuideToTransparencyinGovernmentBudgetReports: WhyareBudgetReportsImportant, andWhatShouldTheyInclude?, صفحةرقم 6
[iii] ولكن يلاحظ أن في صفحة ٥١ من البيان المالي لعام ٢٠١٤/٢٠١٥، يوجد رسم بياني يتضمن حجم لإنفاق على التعليم يطابق ذلك الموجود في التصريح الصحفي لمشروع موازنة الأول (١٠٥ مليار جنيه). لم يتكرر ذلك الرقم في البيان المالي في أي موضع آخر، ولا يتسق مع الرقم الموجود في الجداول (٩٤ مليار جنيه). لا يفسر البيان ذلك التناقض.
[iv] البيان المالي لمشروع موازنة ٢٠١٤/٢٠١٥، صفحة ١٠٤
[v] أنظر المرجع السابق، صفحة ٦٧-٦٨
[vi] أنظر المرجع السابق، جدول رقم ١٧، صفحة ١٠٨ – ١١٠
[vii] أنظر المرجع السابق، صفحة ٣٨
[viii] أنظر المرجع السابق، صفحة ٣٩
[ix] أنظر المرجع السابق، صفحة ٤٠، و ٥٣-٥٥
[x] أنظر المرجع السابق، صفحة ٥٣
[xi] أنظر المرجع السابق، صفحة ٤٢
[xii] أنظر المرجع السابق، صفحة ٢٤
[xiii] أنظر المرجع السابق، ٥٠-٥٣