مذكرة دفاع المركز المصري المقدمة طعنا علي عدم دستورية قانون الرسوم القضائية
مذكرة بدفاع
السيد/ محمد عبد العزيز عطية متظلم
ضد
السيد/ وزير العدل وآخر بصفتيهما متظلم ضدهما
فى التظلم 240 لسنة 2009
الدائرة 11 تظلمات
مذكرة بالدفع بعدم دستورية نص المادة 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، ونصوص المواد 14 ، 16 من القانون رقم 90 لسنة 1944 والمواد 15 ، 18 من القانون رقم 91 لسنة 1944 والمادة 13 من القانون رقم 1لسنة 1948 لمخالفة هذه النصوص للمواد 8 ، 40 ، 64 ، 68 ، 69 من الدستور المصري .
في التظلم في أمر تقدير رسوم في الدعوى رقم 240 لسنة 2009
الموضـــــــــوع
قام المتظلم برفع دعوى قضائية عمالية برقم 240 لسنة 2009 عمالى كلى ضد شركة مصر ايران للغزل والنسيج اعتراضا على قيام الشركة التى يعمل بها بعدم السماح له بالدخول لمزاولة عمله واعتبر أن ذلك يمثل قرارا بفصله من العمل، وفى نفس الوقت كانت الشركة قد عرضت أمر فصل العامل على المحكمة وبدلا من ضم كلى الدعويين لبعضهما نظرت كل دعوى على حدا، وفى الدعوى التى أقامتها الشركة قضت المحكمة برفض طلبها بفصل العامل والقضاء بعودته للعمل وصرف مستحقاته، وفى الدعوى التى أقامها العامل قضت المحكمة برفض الدعوى لان الشركة أوقف العامل عن العمل فقط وعرضت أمر فصله على المحكمة وحتى لو كانت منعته من الدخول للشركة الا انها لم تعتبر ذلك فصلا للعامل وبناء على خسارة المتظلم لهذه الدعوى أصدرت محكمة السويس الابتدائية أمرين بتقدير الرسوم في الدعوى رقم 240 لسنة 2009 ضد المتظلم بمبلغ وقدره 2483 جنيه، والثاني بمبلغ وقدره 4972 جنيه ليصبح مجموع الرسوم المطالب بها المتظلم 7455 جنيه مصري، وذلك وفقاً لنصوص المواد 14 ، 16 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 ، والمواد 15 ، 18 من القانون رقم 91 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1964 والمادة 13 من القانون رقم 1 لسنة 1948 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1964 والقوانين 462 و 499 لسنة 1954 و 320 لسنة 1956 ، والسند القانوني لإلزام المتظلم بتلك الرسوم هى النصوص التالية:
أولا: نص المادة 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 التي تنص على أن ” تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون التي يرفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عن هؤلاء ، وللمحكمة في جميع الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة ولها في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها “،
ثانيا: نص المادة 14، و16 من القانون 90 لسنة 1944 حيث
-ذهبت المادة 14 إلى ” يلزم المدعى بأداء الرسوم المستحقة عند تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب كما يلزم بأداء ما يستحق عنها من رسوم أثناء نظرها وحتى تاريخ قفل باب المرافعة فيها.
وتصبح الرسوم التزاما على الطرف الذى ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى وتتم تسويتها على هذا الاساس ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم.
وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقى الرسوم الملتزم بها الغير”
-ونصت المادة 16 إلى” تقدر الرسوم بأمر يصدر من رئيس المحكمة أو القاضى حسب الأحوال بناء على طلب قلم الكتاب ويعلن هذا الامر للمطلوب منه الرسم”
ثالثا: نص المادتين 15 ، و18 من القانون 91 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1964 حيث
نصت المادة 16 على ” يلزم المدعى بأداء الرسوم المستحقة عند تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب كما يلزم بأداء ما يستحق عنها من رسوم أثناء نظرها وحتى تاريخ قفل باب المرافعة فيها.
وتصبح الرسوم التزاما على الطرف الذى ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى وتتم تسويتها على هذا الاساس ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم.
وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقى الرسوم الملتزم بها الغير”
-ونصت المادة 18 على” تقدر الرسوم بأمر يصدر من رئيس المحكمة أو القاضى حسب الأحوال بناء على طلب قلم الكتاب ويعلن هذا الامر للمطلوب منه الرسم”
رابعا: نص المادة 13 من القانون 1 لسنة 1948 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1964 والتى نصت على ” تقدر الرسوم بأمر يصدر من رئيس الجلسة بناء على طلب قلم الكتاب ويعلن هذا الأمر إلى المطلوب منه الرسم”
الدفــــــــــــــــــــاع
مدخل لابد منه
اقر الدستور الحقوق والحريات التي يتمتع المواطنون سواء كانت حقوق مدنية وسياسية او حقوق اقتصادية واجتماعية ،ومن بين هذه الحقوق التى كفل الدستور التمتع بها للمواطنين الحق فى التقاضى او ( الترضية القضائية ) وذلك بموجب نص المادة 68 من الدستور التى تنص على أن ” التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقرير جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا“
ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء
وقد ترك الدستور تنظيم ممارسة حق التقاضى للقانون بنصه على الزام الدولة بكفالته وهو ما يضع الحق فى التقاضى بوصفه حق دستورى فى دائرة الحقوق والحريات القابلة للتنظيم التشريعي [1] .
ويرى الفقه الدستوري انه طالما كانت مهمة القانون هو تنظيم ممارسة الحقوق والحريات فانه لا يجوز له تقييدها او السماح للسلطة التنفيذية بتقييدها والا أصبح القانون غير دستوري .
اى أن هذه الطائفة من الحقوق والحريات التي تسمى بالحقوق القابلة للتنظيم التشريعي يجوز للقانون القيام بتنظيمها شريطة ألا يؤدى التدخل التشريعي إلى أيا من الأمور الآتية
1- الانتقاص من الحق أو الحرية ويستمد هذا القيد من المفهوم الديمقراطي للحقوق والحريات، فطالما سمح الدستور بحق ما ما فلا يجوز التمتع به منقوص ولابد من التمتع به كاملاً
2- إهدار الحق أو الحرية إهدارا تاما بمصادرة الحق أو الحرية . فالدستور حتى ولو أجاز للمشرع تنظيم هذه الطائفة من الحقوق إلا انه أيضا اقرها من حيث المبدأ ولا مفر عند التدخل لتنظيمها أن يؤكد التشريع هذا الإقرار الدستوري ومن ثم لا يستطيع نفيه أو مصادرته .
3- فرض قيود عليها على نحو يجعل استخدام الحق أو الحرية شاقا على الأفراد [2].
وبالتالي تكون هذه الشروط الثلاثة شروط بديهية ومعايير يجب مراعاتها عند وضع نصوص تنظم المصروفات والرسوم القضائية التى يدفعها خاسر الدعوى والا تعتبر مخالفة للدستور مما يستوجب الحكم بعدم دستوريتها
والحكمة من ترك الدستور للقانون مهمة تنظيم الحقوق والحريات الدستورية هي ضمان عدم تعارض ممارسة أيا من الأفراد لهذه الحقوق أو تلك الحريات مع ممارسة غيره من الأفراد لها أما إذا تدخل القانون تحت ستار التنظيم وصادر الحق تماما فانه بذلك يعد قد انتهك الدستور [3] .ليس فقط على مستوى المخالفة الحرفية لظاهر النص ولكن على مستوى التوجه العام المنوط بالقانون إتباعه وهو أن يكون القانون أساسا ضمانا لحرية الفرد ومشروعية السلطة إعمالا لوثيقة إعلان الدستور التي تنص في إحدى فقراتها على ان سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب ، لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت .وحق الافراد فى التقاضى حق اصيل ، اذ بدونه يستحيل عليهم ان يأمنوا على حقوقهم الاخرى او يردوا الاعتداء عليها ، ونظام الحكم لا يمكن ان يعتبر ديمقراطيا الا اذا كفل للافراد حق الالتجاء للقضاء وباعد بينهم وبين كافة معوقات ممارسة هذا الحق ، لا سيما بعد تزايد احتياج المواطنين للجوء للقضاء بعد ان قللت الدولة من تدخلها وقامت ببيع اغلب المصانع والقطاعات المملوكة لها للمستثمرين الافراد او تحويلها لقطاع الاعمال العام ، وهو ما كان مصحوبا بمساس بحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية – العمال منهم تحديداً – ومغالاة وشطط من قبل اصحاب الاعمال فى العسف بكافة الضمانات القانونية المقررة لصالحهم ، مما يجعل القضايا العمالية من اكثر القضايا تداولاً امام ساحات المحاكم المصرية ، ولا جدال فى ان كفالة حق العمال – والمواطنين عموماً – فى التقاضى يبعث فى نفوسهم الرضا والطمأنينة والايمان بالعدل ، وان حرمانهم من هذا الحق او وضع عوائق سابقة او لاحقة على ممارسته يبعث فى نفوسهم الشعور بالظلم والاحساس بالقهر ، لذلك ليس من المبالغة ان يقول البعض ان استطاعة كل مواطن ان يجد قاضيا هى الحرية الاولى بين كل الحريات لانها ضمان سائر الحريات [4] ، وهو ما يتنافى مع النصوص المدفوع بعدم دستوريتها ، حيث انها تفتح الباب امام القضاة لتقدير رسوم باهظة على من يخسر الدعوى ، سوف تكلفه اضعاف اضعاف الحق الذى يطالب به ، وهو ما يعتبر بمثابة جزاء ضمنى لاحق لمجرد ان احد الافراد قرر اللجوء للقضاء لاستعادة حقه الذى انتهك على يد صاحب العمل ، وهو ما يتنافى مع كافة المبادىء الدستورية التى تكفل الحق فى التقاضى . ولما كان ما انتهت إليه أوامر تقدير الرسوم الصادرة ضد المتظلم وفقاً للنصوص القانونية سالفة الذكر من شأنها تقييد حق التقاضي، وتشييد أسوار من الرهبة فى نفوس المواطنين تحول دون لجوئهم للقضاء خوفاً من السقوط في شباك أوامر تقدير الرسوم الباهظة، فهذه الرسوم تعد شكلا من أشكال العقوبة اللاحقة على ممارسة الحق فى التقاضى، وهو ما يتنافى مع كافة المبادىء الدستورية التي تكفل الحق في التقاضي سواء المنصوص عليها في الدستور المصري أو تلك التي أرستها المحكمة الدستورية العليا، فان المتظلم يدفع بعدم دستورية نص المادة 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، ونصوص المواد 14 ، 16 من القانون رقم 90 لسنة 1944 والمواد 15 ، 18 من القانون رقم 91 لسنة 1944 والمادة 13 من القانون رقم 1لسنة 1948 لمخالفة هذه النصوص للمواد 8 ، 40 ، 64 ، 68 ، 69 من الدستور المصري ، وذلك تأسيساً على الدفاع الآتى :
اولاً :- جواز تنظيم حق التقاضى وعدم جواز تقييده باجراءات سابقة او لاحقة.
ضمن الدستور بنص المادة 68 منه حق كل مواطن فى اللجوء للقضاء انتصافا مما قد يقع عليه من عدوان ، وهو ما يدل على ان حق التقاضى فى الاصل من الحقوق المقررة للناس جميعاً ، لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال النفاذ اليها او ممارستها ، وانما تتكافأ مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد الاخلال بالحقوق التى يدعونها ، ولتامين مصالحهم التى ترتبط بها ، بما مؤداه ان ارهاق المتقاضين برسوم ومصروفات قضائية باهظة لاحقة على الحكم فى الدعاوى يعد عملاً مخالفاً للدستور ، الذى لم يجز الا تنظيم هذا الحق ، وجعل المواطنين سواء فى الارتكان اليه ، وبالتالى فان بقاء تلك النصوص المدفوع بعدم دستوريتها تكرس بقاء العدوان على حق التقاضى
ثانيا:- مضمون حق التقاضى ومداه .
يرتبط النفاذ الى القضاء من اجل الترضية القضائية بانتهاء الخصومة من حيث كون كليهما عنصرا الحق فى التقاضى ، ويشكلان مضمونه ومداه ، وهو ما يعنى ان حق التقاضى يفترض بداهة تمكين كل متقاض من النفاذ الى القضاء نفاذاً ميسراً غير محملا باعباء مالية ، ولا تحول دونه عوائق اجرائية ، وان الطريق اليه معبداً لا يحتوى عقبات من شأنها ان تحول بين الافراد وبين اللجوء للقضاء سواء فى مرحلة ما قبل بدء الخصومة ، ام فى مرحلة ما بعد انتهاء الخصومة ، ومدى حق التقاضى ، هو الا يترتب على لجوء احد الاشخاص للقضاء ، اثقاله بمبالغ مالية باهظة تحت مسمى مصروفات ورسوم قضائية ، والا عدت تلك الرسوم والمصروفات بمثابة جزاء لاحق على انتهاء الخصومة ، يرزح تحت نير ه خاسر الدعوى ، ليس لشىء الا لانه خسر دعواه ، على الرغم من ان خسرانه لها ليس بسبب ان المحكمة اكتشفت اسائته استعمال حقه فى التقاضى ، وانما صدر الحكم برفض الدعوى عن طريق الخطأ فى تطبيق القانون من قبل المحكمة ، ذلك ان الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية ، بل تقام على اساس فى الواقع العملى ، يسانده احتياج المتقاضى للترضية القضائية لرد حقه المنتهك من قبل احد الافراد الاخر فى المجتمع ، وبالتالى فالزام من يخسر الدعوى بمصروفات ورسوم باهظة ،من شأنه ان ينأى بالافراد عن اللجوء للقضاء من اجل استرداد حقوقهم المسلوبة ، وسيسود قانون ان القوة هى التى تنشىء الحق وتحميه ، وليس القانون هو الذى ينشأ الحق ويحميه .
ثالثاً: مخالفة نصوص المواد 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، ونصوص المواد 14 ، 16 من القانون رقم 90 لسنة 1944 والمواد 15 ، 18 من القانون رقم 91 لسنة 1944 والمادة 13 من القانون رقم 1لسنة 1948 لمخالفة هذه النصوص للمادة 8 من الدستور المصري .
” تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين” تنص المادة 8 من الدستور المصري على أن ”
ومن أهم الفرص التي تلتزم الدولة بتوفيرها بشكل متكافىء هي فرصة اللجوء للقضاء من اجل الانتصاف للحقوق والحريات والترضية القضائية ، والحق في التقاضي من الحقوق التي ينبغي عدم التفرقة في مجال ممارستها من قبل المواطنين ، وإذا كان مؤدى مبدأ تكافؤ الفرص معاملة المتحدة مراكزهم القانونية والمتزاحمين على ممارسة احد الحقوق الدستورية معاملة واحدة ، فان إعطاء سلطة تقديرية للمحاكم في مجال تقدير الرسوم والمصروفات القضائية خاصة ما نصت عليه المادة 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 – بان الأصل هو إعفاء الدعاوى المتعلقة بمنازعات العمل من الرسوم والمصروفات و الاستثناء انه في حالة رفض الدعوى تحكم المحكمة على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها – إذ يتضمن هذا النص تناقض بين العلة من الإعفاء وهى أن العامل ما يلجأ للقضاء إلا للحصول على ذحق مالي له لدى صاحب العمل ، فضلا عن كونه في مركز مالي واقتصادي بطبيعة الحال اضعف من الأخير ، وبالتالي جاء إعفاء العامل من الرسوم أمراً منطقياً منسجماً مع المبادىء الدستورية المتعلقة بكفالة الحق في التقاضي – وبين الفقرة الأخيرة التي فتحت الباب أمام المحكمة لإلزام خاسر الدعوى بالمصروفات كلها أو بعضها ، والنتيجة كما نرى في وقائع الدعوى الموضوعية المتفرع عنها التظلم الماثل أمام عدلكم ، تم إلزام المتظلم بأكثر من سبعة الآلاف جنيه رسوم ، وذلك لمجرد انه حاول استرداد حقه بعدما تم فصله تعسفياً من قبل صاحب العمل فتكون النتيجة أن تم رفض دعواه ، وإلزامه بهذا المبلغ الباهظ ، وفى ذات الوقت قد لا تلزم المحكمة في دعوى أخرى خاسر الدعوى بأية مصروفات ، إذ الأمر يخضع لسلطتها التقديرية ، وهو ما يتنافى مع مبدأ تكافوء الفرص بين المواطنين . وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على مبدأ تكافؤ الفرص حين قضت بأن
” مبدأ تكافؤ الفرص الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقا لنص المادة 8 من الدستور يتصل في مضمونه – علي ما جري عليه قضاء هذه المحكمة – بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها فلا يثور إعماله إلا عند التزاحم عليها كما أن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – في مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين علي بعض وهي أولوية تتحدد وفقا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام بما مؤداه ان إعمال هذا المبدأ في نطاق تطبيق النص الطعين يكون منتفيا إذ لا صلة له بفرص يجري التزاحم عليها “ .
الطعن رقم 159 – 4/8/2001 القضية 9 لسنة 21 – رقم الجزء 1 رقم الصفحة 1034
رابعاً:- مخالفة النصوص المدفوع بعدم دستوريتها لنص المادة 68 من الدستور .
تنص المادة 68 من الدستور على أن ” التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقرير جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا“
ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء
ومؤدى هذا النص أن اللجوء إلى القضاء حق ، وبالتالي فهل يعقل أن يترتب على ممارسة الحق جزاء بمثل هذه القسوة ، والسبب أن هناك بعض النصوص القانونية تمكن السلطة القضائية من إلزام بعض المتقاضين من خاسري الدعاوى من سداد المصروفات والرسوم ، ليس ذلك فقط بل أنها تقدر هذه الرسوم وفقاً لما تراه دون أن تكون هناك قواعد محددة لهذا التقدير ، وهو ما يعتبر إعاقة لممارسة الحق في التقاضي الذي لم يقيد الدستور ممارسته بشروط معينة ، ولم يحيل تنظيمه إلى القانون بل أطلقه من كافة القيود إلا ما تعلق بإساءة استخدام هذا الحق ، وبناء عليه فان وضع قواعد قانونية من شانها إرهاق من يريد ممارسة حق التقاضي برسوم ومصروفات باهظة ، وهو ما يخالف نص المادة 68 من الدستور وفى هذا المعنى أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن
” الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقا لنص المادة الثامنة و الستين من الدستور، يقتضيها أن توفر لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – نفاذا ميسرا إلى محاكمها بالإضافة إلى الحماية الواجبة للحقوق المقررة بتشريعاتها، و بمراعاة الضمانات الأساسية اللازمة لإدارة العدالة إدارة فعالة وفقا لمستوياتها فى الدول المتحضرة . متى كان ذلك، و كان الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية يلازمها بالضرورة – و من أجل اقتضائها – طلب الحماية التى يكفلها الدستور أو المشرع لها ، باعتبار أن مجرد النفاذ إلى القضاء فى ذاته لا يعتبر كافيا لضمانها ، و إنما يتعين أن يقترن هذا النفاذ دوما بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، و بوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة ، كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلا منصفا يقوم على حيدة المحكمة و استقلالها، و يضمن عدم استخدام التنظيم القضائى كأداة للتمييز ضد فئة بذاتها أو للتحامل عليها، و كانت هذه التسوية هى التى يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، فان هذه الترضية – و بافتراض مشروعيتها و اتساقها مع أحكام الدستور – تندمج فى الحق فى التقاضى، و تعتبر من متمماته لارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة . و آية ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، و لكن غايتها طلب منفعة يقرها القانون و تتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها و حكم القانون بشأنها ، و ذلك هو ما أكدته هذه المحكمة بما جرى عليه قضاؤها من ان الدستور أفصح بنص المادة الثامنة و الستين منه عن ضمان حق التقاضى كمبدأ دستورى أصيل مرددا بذلك ما قررته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة هذا الحق لكل فرد – وطنيا كان أم أجنبيا – باعتباره الوسيلة التى تكفل حماية الحقوق التى يتمتع بها قانونا، و رد العدوان عليها.
[الطعن رقم 57 – لسنــة 4 – تاريخ الجلسة 06 02 1993 – مكتب فني 5 – رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 150]
وقد استقرت المحكمة الدستورية العليا أيضا على أن
” الدستور بما نص عليه فى المادة 68 ، من ضمان حق كل مواطن فى اللجوء إلى الطبيعى انتصافا مما قد يقع من عدوان، قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته، من الحقوق المقررة للناس جميعا، لا يتمايزون فيها بينهم فى مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التى يدعونها، ولتأمين مصالحهم التنى ترتبط بها بما مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضى على فئه من بينهم أو الحرمان منه فى أحوال بذاتها، او إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، وإنما يعد عملا مخالفا للدستور، الذى يجز إلا تنظيم هذا الحق وجعل المواطنين سواء فى الارتكاز إليه، بمامؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التى يدعيها.
[الطعن رقم 39 – لسنــة 15 – تاريخ الجلسة 04 02 1995 – مكتب فني 6 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 511]
خامساًً :- مخالفة النصوص المدفوع بعدم دستوريتها لنص المادة 64 من الدستور .
تنص المادة 64 من الدستور على أن ” سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة“
وقد أكدت المحكمة الدستورية على مبدأ سيادة القانون حين قضت بأن ” أفرد الدستور بابه الرابع للقواعد التى صاغها فى مجال سيادة القانون، و هى قواعد تتكامل فيما بينها و يندرج تحتها نص المادة المادة الثامنة و الستين التى كفل بها حق التقاضى للناس كافة، دالا بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها فى الخضوع للقانون، مؤكدا بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التى جعلها أساسا للحكم فى الدولة على ما تنص عليه المادتان الرابعة الستون و الخامسة و الستون. و إذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء و حصانته ضمانين أساسين لحماية الحقوق و الحريات، فقد أضحى لازما- و حق التقاضى هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح فى الدستور كى لا تكون الحقوق و الحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها
[الطعن رقم 57 – لسنــة 4 – تاريخ الجلسة 06 02 1993 – مكتب فني 5 – رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 150].
ومبدأ سيادة القانون مؤداه أن تكون الترضية القضائية هي الأساس في تحقيق العدالة في المجتمع ، وهو ما يتحقق به الأمن القانوني ، ولضمان ممارسته من قبل الأفراد ينبغي إزالة كل العوائق التي تضعف سيادة هذا المبدأ ليس فقط في مرحلة ما قبل اللجوء للقضاء ، ولكن يتحقق إهدار مبدأ سيادة القانون أيضا بوضع قواعد له معنى الجزاء مثل الرسوم والمصروفات التي تفرض على خاسر الدعوى خاصة إذا كان من شأن هذه القواعد إعمال القسوة وركوب متن الشطط ، وهو ما سوف ينأى بمبدأ سيادة القانون عن مؤداه ، إذ لن يلجأ كل من يدعى حق إلى القضاء ، إذا كان لجوءه إلى القضاء من الممكن أن يكلفه مبالغ مالية لا قبل له بسدادها إذا ما خسر دعواه ، وهو ما يؤدى تراكمه إلى إشاعة الفوضى في المجتمع وسيادة مبدأ القوة . وهو ما يتنافى مع نص المادة 64 من الدستور .
سادساً:- مخالفة النصوص المدفوع بعدم دستوريتها لنص المادة 40 من الدستور .
تنص المادة 40 من الدستور على أن ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة “
والمساواة كمبدأ دستوري يقتضى إعمالها المساواة بين المواطنين في مجال التمتع بالحقوق والحريات وكذلك بالواجبات ، فإذا كان واجباً على من قدرت له المحكمة أن يدفع كل مصروفات ورسوم الدعوى أو بعضها ، فان ذلك ينبغي أن يقترن بالمساواة بين المواطنين في أداء هذا الالتزام ، وهو ما يعنى ضرورة نزع السلطة التقديرية للمحكمة ، ووضع قاعدة واحدة للإعفاء أو عدم الإعفاء ، أما إعفاء البعض وعدم إعفاء البعض الآخر فانه ينطوي على إخلالا بمبدأ المساواة المنصوص عليه بموجب المادة 40 من الدستور .
سابعاً :- مخالفة النصوص المدفوع بعدم دستوريتها لنص المادة 69 من الدستور .
تنص المادة 69 من الدستور على أن ”
حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول
ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم
ومن غير القادرين مالياً شريحة العمال ، لذلك جاء نص المادة 6 من قانون العمل في فقرته الأولى معفياً لهم من رسوم الدعاوى العمالية ، ولكن التف النص فى فقرته الاخيرة على هذا الاعفاء واعطى للمحكمة سلطة الزام من يخسر الدوعوى بكل المصروفات او بعضها ، وهو ما يفتح الباب امام ارهاق المتقاضين برسوم باهظة كما هو الحال فى الدوى الماثلة ، ويخالف نص المادة 69 من الدستور وقد اكدت ايضاً المحكمة الدستورية العليا على ذلك حين قضت بأن
” مؤدى حق التقاضي المنصوص عليه فى الدستور وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن مجرد النفاذ الى القضاء لا يعتبر كافياً لصون الحقوق التى تستمد وجودها من النصوص القانونية بل يتعين دوماً أن يقترن هذا النفاذ بإزالة العوائق التى تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها وبوجه خاص ما يتخذ منها صورة الأشكال الاجرائية المعقدة كى توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ويعكس بمضمونه التسوية التى يعمد الخصم الى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها .
[الطعن رقم 34 – لسنــة 16 – تاريخ الجلسة 15 06 1996 – مكتب فني 7 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 763]
بناء عليه
اولا: ندفع بعدم دستورية نص المادة 6 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، ونصوص المواد 14 ، 16 من القانون رقم 90 لسنة 1944 والمواد 15 ، 18 من القانون رقم 91 لسنة 1944 والمادة 13 من القانون رقم 1لسنة 1948 لمخالفة هذه النصوص للمواد 8 ، 40 ، 64 ، 68 ، 69 من الدستور المصري.
ثانياً : نلتمس التصريح للمتظلم باتخاذ اجراءات الطعن امام المحكمة الدستورية العليا فى النصوص المدفوع بعدم دستوريتها ، او احالة الدعوى بحالتها الى المحكمة الدستورية العليا للبت فى مدى دستورية تلك النصوص من عدمه .
وكلاء الطاعن
أحمد عزت
مايكل روؤف
أحمد محمد حسام
محامون
[1] – الأستاذ الدكتور عاطف البنا – مراتب الحرية في حدود سلطات الضبط الادارى 1980 ص 85 : ص 94
[2] الأستاذ الدكتور وجدي ثابت غبريال – حماية الحرية في مواجهة التشريع 1990 ص 41 – ص 44
[3] الأستاذ الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي – الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين – 1985 ص 225 ، 226
[4] – د/ محمد عصفور – ضمانات الحرية ، مجلة المحاماة ، مارس 1968 ، ص 65