أخبار عاجلةالطريق الي cop27بيانات المركزبيانات صحفيةحقوق اجتماعيةديونسياسات اقتصاديةصحةعدالة بيئية

عن آخر تطورات “الفحم “: استمرار الصراع

أصبح من الواضح أن النخب السياسية وكبار رجال الأعمال توحدوا لدفع مصر باتجاه مسموم. ومع تشجيع وزير البيئة استخدام الفحم، تقضي الحكومة على حقوق الأجيال اللاحقة في العيش في بيئة صحية، وتعمل ضد كامل مصلحة مستقبل مصر الاقتصادي والعلمي والسياسي. وهذا بالرغم من النضال المستمر لمؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية والحركات الاجتماعية وأصحاب المصلحة في الصحة والبيئة.

القضية

اليوم، يبقى الأمل الأخير في يد القضاء المصري. فقد قام محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مطلع عام ٢٠١٤برفع دعوى قضائية لحظر استخدام الفحم. لكن القاضي حسونة توفيق قرر التنحي بعد ثلاثة جلسات، وذلك في ٧ يونيو، تحت عذر “استشعار الحرج”. وقد استنتج المركز وجود ضغوطات مورست عليه لدفع قراره باتجاه معيّن. وقد تم إحالة القضية إلى دائرة جديدة وتأجيلها إلى نوفمبر، “لإجراء تقييم واف للأدلة” التي قدّمها المركز.

بالرغم من ذلك، فإن الحكومة لم تأخد حتى الساعة قراراً يمكن الاعتراف به قانونياً، و”القرار” الذي أخذ لا يعدو كونه إعلاناً. وقد أسس المركز القضية المرفوعة من قبل المركز ضد الحكومة في القضاء الإداري على المسألة، بحجة أن اعتبار الإعلان بمثابة “قرار” هو مخالف للقانون على أساس الضرر على المواطنين المصريين. وإذا لم يكن قراراً قانونياً، فاستيراد الفحم مرفوض من الأساس، حيث لا يزال غير مشرع بموجب القوانين البيئية الحالية في مصر.

الحكومة وقطاع الأعمال

تثير مواقف الحكومات المصرية المتعاقبة بشأن القضية مزيداً من القلق في انصياعها للضغط من صناعة احتكارية مملوكة بغالبيتها من غير الصريين، وتحقق هوامش أرباح ضخمة. وبالرغم من الطعون المقدمة للمحكمة الإدارية منذ فبراير ٢٠١٤، فقد سمح [رئيس مجلس الوزراء إبرهيم محلب] لمصانع الاسمنت استيراد الفحم منذ أبريل ٢٠١٤، مع أن القوانين البيئية الحالية تمنع استخدام الفحم في مصر، وقبل أن يحصل على “اللوائح، على غرار الاتحاد الأوروبي” التي طلبها من وزير شؤون البيئة. وقد ذكرت تقارير لوسائل الإعلام أن الحكومة رفضت التعديلات الأولية على اللوائح، بحجة أنها “صارمة جداً” وطالبوا بتخفيف الإجراءات، مما يدل على غياب النية للالتزام بضمانات حقيقية.

وحيث يقوم العالم المتقدم بالتوجه بعيداً عن الفحم، واستبداله بالطاقة البديلة كالوقود المتولد من النفايات (WDF) وغيره، فقد استطاع رجال الأعمال، وقطاع الاسمنت تحديداً، تأمين الفحم كمصدر أساسي للطاقة، في خطوة مكلفة ومدمرة إلى الوراء.

اللاعبون الدوليون

في الوقت ذاته بدأ المستثمرون الحكوميون وغير الحكوميون الأجانب بالتعهد بتأمين أموال وفيرة لإدخال الفحم إلى مصر. وفي ٢٠ مارس ٢٠١٤، أعلنت السفارة الإيطالية تقديم منحة بقيمة ١.٣ مليار دولار لـ”مشاريع الطاقة والبنية التحتية” في مصر. وبالرغم من عدم النص صراحة بوجود نية لتمويل الفحم، فمن المرجح أن يتم استخدام المنحة لهذا الهدف، خاصة وأن “إيتالسيمنتي” ـ وهي شركة اسمنت إيطالية كبرى – قد ذكرت أن مصر كانت أكبر مصدر للأرباح في عام ٢٠٠٩.

ومنذ اجتماعه بوزير الصناعة والاستثمار والتجارة منير فخري عبد النور في ديسمبر ٢٠١٣، بدأ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) بالحديث عن نيته في تمويل قروض لتحوّل صناعة الاسمنت من الغاز إلى الفحم. وقد استمر البنك بهذا بالرغم من المراسلات بينه وبين المركز المصري  ، إضافة لجهود العشرات من الجمعيات البيئية، والحركات الاجتماعية، والنقابات المهنية، وتقديمهم الأدلة حول ضرورة العدول عن هذا التحول.

لكن مصلحة “المستثمر الأجنبي” في تمويل الفحم تدعو إلى التساؤل والقلق حول دور مؤسسات تمويل التنمية الدولية والأوروبية في المرحلة الانتقالية في مصر. ويبدو أن هذه المؤسسات تستمر بالتشجيع على “العمل كالمعتاد” من خلال استثماراتها، وتقوم بالترويج لإرث مبارك الفاسد، وتعمل ضد تحقيق نضال الشعب من أجل العدالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بعد ثورة يناير ٢٠١١.

الصناعة

وقد أطلق الضوء الأخضر الذي أعطاه محلب لقطاع الاسمنت سباقاً لاستيراد واستخدام الفحم في غياب اللوائح الموعودة. ففي يونيو ٢٠١٤، جرى تسليم شحنات من الفحم إلى شركة “لافارج العين السخنة” وإلى مصنعين للاسمنت تملكهما إيتالسيمنتي. وقد قام جهاز شؤون البيئة بمصادرة الشحنات، ولكنه لم تتخذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الانتهاكات. وقد أدى غياب إنفاذ القانون إلى إعطاء صناعة الاسمنت إحساساً بالأمان، حيث وصل ٧٦٠٠٠ طن من الفحم المتوجه لمصانع الاسمنت إلى ميناء الاسكندرية هذا الشهر. إضافة إلى ذلك، قامت هيئة النقل البحري التابعة لوزارة النقل بتوزيع ٦٠٠٠٠ طن من الفحم لمصانع اسمنت على نهر النيل في الأشهر الأربعة الماضية.

علاوة على ذلك، تقوم المصانع بالتصريح علناً عن “اختبارات الفحم” وتشير المصادر داخل صناعة الاسمنت أن معامل لافارج والأسمنت العربية بدأت باستخدام الفحم في الاسبوعين الماضيين. غياب الشفافية في تطبيق سياسات الحكومة يجعله من الصعب على المجتمع المدني أن يكون بمثابة آلية للرقابة على تلك القرارات المدمرة للغاية للحقوق الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمصريين.

سيادة القانون: الصراع المستمر

أخيراً، فإن موقف الحكومة الجديدة يتجاهل كل القلق العام والمنازعات القانونية الجارية. وقد تم إعادة تكليف خالد فهمي كوزير للبيئة، وفي غضون أسبوع واحد من عودته إلى السلطة، أعلن فهمي أن إدخال “الفحم النظيف” إلى مصر هو على رأس أولوياته. وفي وقت يمثل فيه جهاز شؤون البيئة العقبة الأساسية أمام تشريع الفحم في مصر، فإن تعيين فهمي يمهد الطريق لتوافق سياسي على الفحم.

يدعو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مجلس الوزراء والسلطة التنفيذية لوضع حد لهذه الانتهاكات ومنع تقويض سيادة القانون، وذلك بغية احترام حقوق الأجيال القادمة في بيئة مستدامة وتحقيق أحلام وتطلعات الشعب، خاصة الفقراء والمهمشين، الذين يعانون بالفعل من أسوأ آثار التلوث غير المنظم للقطاع الربحي في مصر. فالتلوث جراء الفحم سيزيد من أعبائهم ويضغط على قدرتهم على البقاء على قيد الحياة، بالإضافة إلى الأعباء على الخدمات العامة كالنظام الصحي.

وهذا ما لن يرضى به المصريون والمصريات من الأجيال الحالية أو اللاحقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى