3 نوفمبر 2013
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم كله إلى حيث تعقد أولى جلسات محاكمة محمد مرسي الرئيس المصري المعزول بأمر شعبه، والذي يواجه اتهامات بالتحريض على قتل المتظاهرين ضده أمام قصر الاتحادية في ديسمبر من عام 2012، صدرت اليوم توصية هيئة مفوضي مجلس الدولة بالإيجاب فيما يخص دعويين رفعهما محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أمام القضاء الإداري، يطالبون فيهما باعتبار اثنين من ضحايا المعزول وداخليته من شهداء ثورة 25 يناير.
وكان محامو المركز المصري قد قاموا برفع الدعوى رقم 36383 لسنة 67 قضائية، والدعوى رقم 50621 لسنة 67 قضائية، مختصمين فيهما كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وأمين عام المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين كل بصفته، ومطالبين بإلغاء القرار السلبي بعدم اعتبار كل من “محمد حسين قرني” الشهير بكريستي، و”جابر صلاح جابر” الشهير بجيكا من شهداء ثورة 25 يناير، وذلك بالنيابة عن والدي كل من الشهيدين.
وقد ارتقى الشهيد جابر صلاح جابر الشهير بجيكا بعد إصابته بعدة طلقات نارية أودت بحياته أثناء مشاركته في تظاهرات إحياء الذكرى الأولى لأحداث شارع محمد محمود، وذلك في 20 نوفمبر 2012، وقد استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة والرصاص الحي لتفريق هذه التظاهرات بناء على أوامر وزير الداخلية حينها “أحمد جمال الدين” في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. بينما ارتقى الشهيد محمد حسين قرني الشهير بكريستي بعد إصابته بطلقتين ناريتين في الرأس والصدر، بعد تصدي قوات الأمن لتظاهرة شارك فيها في محيط قصر الاتحادية في الأول من فبراير 2013، مستخدمة الرصاص الحي وذلك بناء على أوامر وزير الداخلية الحالي “محمد إبراهيم” والذي كان ثاني وزراء داخلية الرئيس المعزول.
وفي حين يحاكم الرئيس المعزول بموجب اتهامات من بينها التحريض على قتل المتظاهرين في واحدة فقط من وقائع الاعتداء عليهم التي وقعت في عهده، تأتي توصية هيئة مفوضي الدولة باعتبار جيكا وكريستي من شهداء ثورة 25 يناير ليس فقط لترد لهما ما يستحقانه من اعتبار معنوي وما تستحقه أسرتاهما من تعويض معنوي ومادي عن فقدان ابنيهما، ولكن لتكشف أيضا عن عوار التعامل القانوني مع قضايا من دفعوا دماءهم الزكية ثمنا لفرض إرادة الشعب في مواجهة استبداد أول رئيس مدني منتخب، الذي خرج عن مبادئ الثورة التي حملته إلى كرسي الرئاسة. ففي هذا التعامل القانوني الملتبس باعتبارات السياسية تم بخلاف الواقع والمنطق تجاهل أي دور للداخلية ووزيريها وضباطها في عهد الرئيس المعزول في مواجهة معارضيه والمتظاهرين السلميين ضده باستخدام القوة المميتة. وبينما يحاكم محمد مرسي اليوم فمازال وزير داخليته المسؤول عن سقوط عشرات الضحايا في وقائع إحياء الذكرى الثانية للثورة وغيرها يشغل منصبه كوزير للداخلية ويمارس من خلاله دوره في الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين والمعتصمين مضيفا إلى سجل ضحاياه المئات، أغلبهم هذه المرة من أنصار الرئيس المعزول نفسه الذي عينه! ولا يزال وزير داخلية المعزول الأول بعيدا عن أي اتهامات جنائية بخصوص مسؤوليته عن ضحايا الوقائع التي شهدتها فترة توليه للوزارة. أما من مارسوا القتل بأيديهم من الضباط والأفراد فلم يرد لأي منهم أي ذكر في تحقيقات النيابة العامة، سواء كان ذلك في عهد النائب العام المعين بإرادة منفردة للرئيس المعزول أو النائب العام الحالي!
استرداد جيكا وكريستي لحقهما الطبيعي في أن ينضم اسماهما بصفة رسمية إلى قوائم شهداء ثورة 25 يناير، هو خطوة أولى في طريق استرداد حقوقهما وحقوق سائر شهداء هذه الثورة وحق هذا الوطن في القصاص العادل من قتلتهم الذين مازال أغلبهم طلقاء بل مازالوا يمارسون دورهم في قتل المزيد من الضحايا وقمع المزيد من الأبرياء. وتبقى لتوصية هيئة مفوضي مجلس الدولة دلالات عدة، أولها أن ثورة 25 يناير لم تنتهي كما أراد لها البعض، لا بتنحي الرئيس الأسبق المخلوع في 11 فبراير 2011، ولا بتولي أول رئيس مدني في 1 يوليو 2012، ولا حتى بعزله بعد عام واحد في يوليو 2013، فالثورة مستمرة مادامت الدماء تبذل في سبيلها والشهداء يرتقون دفاعا عنها. وثاني هذه الدلالات أن سبل النضال من أجل استعادة حقوق الشهداء متعددة، ومهما كانت المآخذ الصحيحة على مسار تعامل القضاء المصري مع قضايا شهداء الثورة فلا يزال هذا القضاء أحد السبل الهامة التي لا غنى عنها لاستخلاص الحقوق، فلا بديل عن إقرار سيادة القانون كركن لا غنى عنه لدولة الحقوق والحريات التي نتطلع جميعا إليها، والتي تتلخص فيها أهداف ثورة 25 يناير وأحلام شهدائها وتطلعات الشعب صاحبها الوحيد.
ضع تعليقا