بيانات المركزبيانات صحفيةسياسات اقتصاديةعدالة ضريبيةمميز

عدالة ضريبية | الحكومة المصرية تخضع للمستثمرين من جديد، وتتراجع عن ضريبة أرباح البورصة

الحكومة المصرية تخضع للمستثمرين من جديد،

وتتراجع عن ضريبة أرباح البورصة

[divide]

تراجعت الحكومة أمس، الاثنين 18 من مايو 2015، عن تطبيق ضريبة أرباح البورصة، التي كانت الحكومة قد قررت تطبيقها في مايو من العام الماضي 2014، بعد تصريح المتحدث باسم مجلس الوزراء انه تقرر تأجيل العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية بالبورصة لمدة عامين، بدعوى الحرص على ما أسماه “تنافسية سوق المال والاستثمارات”.

يطرح التراجع عدة تساؤلات حول من يحدد السياسة العامة للدولة، في وقت يلزم على الحكومة فيه توسيع القاعدة الضريبية لإنعاش الخدمات العامة المتردية والموافاة بالإلتزامات الدستورية بزيادة الإنفاق على بنود مثل التعليم لـ 3% و الصحة لـ 4% من الناتج القومي، يبدو أن الحكومة تواجه معضلة في الموازنة بين تحقيق العدالة الاجتماعية والحرص على كفاءة المناخ الصحي للاستثمار في الوقت نفسه، حيث يبدو أن مصالح رجال الأعمال مازال لها الصوت الأعلى وشبه الأوحد، بتراجع عن تطبيق ضريبة أرباح البورصة، سبقها تقليل وتوحيد ضرائب الدخل على القطاعات الأكثر دخلا، لكن دون حدوث أي تردد في تطبيق ضرائب أعلى على المواطنين الأقل دخلا

[divide]

ليس التراجع والرضوخ الأول للحكومة

 ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة عن نيتها تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية، ثم تتراجع رضوخا لضغط المستثمرين. ففي عام 2011 تراجعت الحكومة عن خططها لفرض ضريبة على توزيعات الأسهم حينما كان د. سمير رضوان وزيرا للمالية ، وذلك أيضا بحجة وجوب مراعاة الظروف الدقيقة لاقتصاد البلاد والحاجة لجذب الاستثمارات الأجنبية، و تم حينها أيضا الإعلان عن ارتفاع مؤشرات الأسهم في البورصة للتدليل علي صواب القرار و التهليل له، ثم عاد مؤشر البورصة، الذي لا يعكس وضع الاقتصاد المصري ولا دلالة له حتى على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر، الى حالة الـتأرجح المعتادة، التي لا تعني جموع المصريين ولا تؤثر على مصالحهم.

حدود قرار الضريبة في 2014

ومنذ عام تقريبا أعلن السيد هانى قدرى دميان وزير المالية أن مصر إنتقلت من مرحلة التحول السياسى إلى مرحلة الإستقرار والبناء من خلال إدارة جديدة للسياسات الإقتصادية والإجتماعية. و كان هذا الاعلان هو مقدمه للإعلان عن بدء تنفيذ إصلاحات لتوسيع القاعدة الضريبية وتحقيق العدالة الضريبية من خلال فرض ضريبة على أرباح البورصة – الأمر الذي كان سيمكن الحكومة من زيادة الإنفاق علي البنود التي من شأنها رفع كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين وحماية حقوق البسطاء وتكريس العدالة الاجتماعية. ففي شهر مايو من عام 2014 تم فرض ضريبة 10% علي الأرباح الرأسمالية المحققة في البورصة المحلية و على التوزيعات النقدية و الأرباح الناتجة عن الاستثمار في الأوراق المالية في الخارج أو التصرف فيها.

نص القانون أن المستثمرين الأفراد المقيمين في مصر ستحتسب عليهم الأرباح الرأسمالية المحققة فقط في نهاية كل عام ميلادي لتطبق بعد ذلك ضريبة 10% على صافي الربح المحقق. و في حالة تحقيق خسائر لن يتم خصم أية ضرائب، و سترحل لفترة ثلاثة سنوات ، بحيث يمكن استخدام الخسائر في تقليل الضريبة الواجبة عن أرباح تتحقق في 3 سنوات تالية لسنة الخسارة. أما بالنسبة للمستثمرين غير المقيمين، سيتم إخضاعهم لنفس الضريبة البالغة 10% ولكن آلية التحصيل ستعتمد على خصم نسبة 6 %على كل عمليات البيع التي ينتج عنها ربح رأسمالي محقق ،و تحتجز من حساب العميل إلى حين تسوية الموقف النهائي في نهاية كل سنة ميلادية. أما بالنسبة لتوزيعات الأسهم، فتسري الضريبة على توزيعات الأرباح عن الأسهم والحصص التي يحصل عليها الشخص الطبيعي المقيم في مصر من شركات الأموال أو شركات الأشخاص، بما في ذلك الشركات المقامة بنظام المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، عدا التوزيعات التي تتم في صورة أسهم مجانية سواء تحققت هذه التوزيعات في مصر أو في الخارج وأيا كانت الصورة التي يتم بها التوزيع. أما بالنسبة للضريبة علي توزيعات الأرباح علي الأشخاص الاعتبارية، فتعفي من الضريبة توزيعات الأرباح التي تحصل عليها الشركة الأم أو الشركة القابضة من الشركات التابعة المقيمة وغير المقيمة بعد إضافة نسبة (10%) من قيمة هذه التوزيعات إلى الوعاء الخاضع للضريبة للشركة الأم أو القابضة مقابل التكاليف غير واجبة الخصم، وذلك بشرط ألا تقل نسبة مساهمة الشركة الأم أو القابضة عن (25%) في رأس مال الشركة التابعة أو حقوق التصويت وألا تقل مدة حيازة الشركة الأم أو القابضة لتلك النسبة عن سنتين أو أن تلتزم بالاحتفاظ بهذه النسبة لمدة سنتين من تاريخ اقتناء الأسهم أو حقوق التصويت.

تراجع الحكومة عن ضريبة أرباح البورصة

وبرغم أن قرار العمل بهذه الضريبة لم يلقي استحسان بعض المستثمرين و خاصة رئيس البورصة الحالي، الا أن الرد السائد من الحكومة حتي اللحظات الأخيرة كان أنه لا توجد نية لإلغاء الضريبة أو تعديلها خاصة و أنها فرضتها بعد دراسة و ليس من فراغ. تطور الأمر الي أن قام مجموعة من المستثمرين برفع دعوي ضد الحكومة بحجة أن التعديلات الضريبية الجديدة مبهمة و تطبيقها اللوجيستي معقد، ولكن بدلا من تحديد آليات تجميع هذه الضريبة، قررت الحكومة فجأة التراجع عنها وتأجيل العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية لمدة سنتين حفاظا على التنافسية مع الأسواق المحيطة مع استمرار العمل بالضريبة علي التوزيعات النقدية علي الأسهم.

وجاء هذا التراجع مخيبا للآمال في أداء الحكومة الحالية، التي مازالت تنتهج نفس سياسات الحزب الوطني، في المبالغة في تمييز طبقات المستثمرين ورجال الأعمال، على حساب المواطنين. حيث فشلت الحكومة، مرة بعد مرة، في فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، والتي تمثل اجراء ضروري من أجل توسيع القاعدة الضريبية، مؤكدة مثلا في البيان المالي لموازنة العام 2014-2015 أن “تعديلات قوانين الضرائب تشمل فرض ضريبة جديدة على الأرباح الرأسمالية وعلى توزيعات الأرباح” بالاضافة إلى “توقع زيادة الحصيلة خـلال العـام المـالى ٢٠١٥/٢٠١٤والأعوام التي تليه نتيجة تطبيق الإجراءات الإصلاحية فى تشريعات ضريبية الدخل، وخاصة فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية عن نـاتج التعامـل بنـسبة ١٠٪ و فرض ضريبة ١٠٪ على توزيعات الأرباح وتنخفض إلى ٥% فـى أحوال حددها القانون مع إقرار إعفاء ١٥ ألف جنيه لحماية صـغار المستثمرين.”

سياسات حكومة محلب تهدد العدالة الضريبية وعدالة توزيع الثروات

ولذلك يأتي قرار الحكومة المصرية مخيبا للآمال ومخالفا لما أعلنت الحكومة على تحقيقه من عدالة ضريبية مرجوة; حيث تعاني مصر من ضيق القاعدة الضريبية، والتي تتمثل في محدودية المعاملات والأشخاص الذين تغطيهم المظلة الضريبية، وهو ما يؤدي الى ضعف الدخل الضريبي في مصر سنويا من ناحية، ويترتب عليه لجوء الدولة المصرية للإقتراض لتغطية العجز بين المصروفات والايرادات. ومن ناحية أخرى، تلجأ الحكومة لزيادة الإيراد الضريبي، دون توسيع القاعدة الضريبية، من خلال زيادة الأعباء الضريبية على الفئات الملتزمة بسداد الضريبة، وعلى رأسهم المواطن العادي المستهلك للسلع والخدمات، الذي تضيف الحكومة من أعبائه من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة، وهي ضرائب المبيعات التي تفرض على السلع والخدمات، بنسب موحدة لسعر الضريبة، وهو ما يتسبب في زيادة الأسعار، وزيادة معدلات التضخم. فحسب تصريحات وزارة المالية، يتسبب تطبيق ضريبة القيمة المضافة في زيادة نسب التضخم بمعدلات تتراوح من 2-3%، وهي معدلات ضخمة جدا، مقارنة بمعدل التضخم السنوي المعتاد الذي سيرتفع بشدة مع تطبيق تلك الضريبة.

ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة المصرية كانت في وقت سابق من هذا العام، في مارس 2015، قد خفضت الضرائب على الأغنياء، من 30% الى سعر موحد على كل الدخول العليا هو 22.5%، وهو انخفاض غير مسبوق في ضرائب الدخل. وجاء هذا القرار لاغيا ضريبة الأغنياء التي كانت الحكومة قد فرضتها بواقع 5% على الدخل الشخصي ودخل الشركات الذي يتجاوز مليون جنيها سنويا، كما جاء مخفضا وموحدا الضريبة على الأغنياء، سواء كانت الضريبة على دخولهم الشخصية، أو على دخول الشركات، وذلك ضمن حزم تحفيز الاستثمار التي صاحبت المؤتمر الاقتصادي المنصرم في مارس 2015. وتعد هذه القرارات بتخفيض الضرائب وتوحيدها على دخول الشركات ودخول الأفراد الأكثر دخلا تراجعا عن الوعود الدتورية التي كفلت تصاعدية الضرائب وعدالتها وتعدد مصادرها، حيث نص الدستور المصري في مادة 38 “ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر. وتكون الضرائب علي دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية”، كما تؤكد القرارات الأخيرة لحكومة محلب فشل الحكومة في تحقيق التوازن بين أهداف التنمية الاقتصادية وأهداف العدالة الاجتماعية، حيث نصت الماد 38 من الدستور “يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلي تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية”، ولكن الحكومة مازالت تتجاهل العدالة الاجتماعية على حساب تشجيع المستثمرين، مبررين ذلك بأن التنمية الاقتصادية هي الهدف الأسمى لتحقيق التنمية، لكن التنمية لمن؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى