مصابو الثورة جرح لا يكف عن النزيف، وتأبى الحكومات المتوالية منذ خلع مبارك إلا أن تكون أداة تعذيب وإذلال وإهدار لحقوقهم وحياتهم معها، على عكس ما يتم إزجاؤه ليل نهار من عبارات التمجيد لشهداء الثورة ومصابيها على ألسنة المسؤولين في هذه الحكومات فإن أياديهم المرتعشة طول الوقت توقع بثبات على قرارات حرمان المصابين من حقهم في العلاج الذي يفتح أمامهم باب أمل لاستكمال حياتهم كبشر عاديين.
مصطفى عبد الدايم شاب مصري أصيب في أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر 2011 بطلق ناري بالحبل الشوكي، مما تسبب له في شلل رباعي. وعانى مصطفى كغيره ممن توقعهم أقدارهم في شباك المؤسسة العلاجية الحكومية من الإهمال الذي تسبب في أن يصاب بقرح الفراش في القدمين والساقين. وبعد مطالبات عديدة توجه بها والد مصطفى لكافة أجهزة الدولة، صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بالموافقة على علاج مصطفى بالخارج ورصد لذلك مبلغا قدره 12 ألف جنيه إسترليني، بالرغم من أن المخاطبات الرسمية لوزير الصحة والمستشار الطبي في لندن أكدت أن تكلفة العلاج لن تقل عن 20 ألف جنيه إسترليني. وفي حين أكد الأطباء المشرفون على علاج مصطفى إمكان شفائه بشكل كامل وذلك بعدما نجحوا في علاجه من قرح الفراش الناجمة عن الإهمال، استمر المسؤولون في المماطلة والامتناع عن اعتماد المبلغ اللازم لاستكمال العلاج.
وقام محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية برفع دعوى أمام القضاء الإداري ﻹلزام رئيس مجلس الوزراء باعتماد المبلغ اللازم لاستكمال علاج مصطفى. وبينما لا تزال هذه الدعوى منظورة أمام القضاء وفي ظل استمرار تعنت المسؤولين أضطر مصطفى إلى قطع علاجه في لندن، وأعيد مساء أمس اﻷحد أول ديسمبر إلى القاهرة، تاركا خلفه اﻷمل في استعادة الحركة إلى أطرافه المشلولة وفي استعادة حياته التي سرقتها منه رصاصات الغدر.
قصة مصطفى ليست اﻷولى من نوعها وهي فقط حلقة جديدة في مسلسل الإهمال المتعمد غير المبرر الذي يعاني منه مصابو الثورة الذين تناست الدولة وجودهم إلا في خطابها الإنشائي حول عرفانها بما أسدوه للوطن من تضحيات جليلة. وإذ نطالب اليوم رئيس مجلس الوزراء بسرعة إصدار قرار باعتماد المبلغ المطلوب لعودة مصطفى عبد الدايم إلى لندن لاستكمال علاجه، فإننا لا ينبغي أن نغفل أن مشكلته ليست فردية وأن خللا كبيرا في منظومة رعاية الدولة لمصابي ثورة 25 يناير لم يعد باﻹمكان الصبر على استمراره وعلى حكومة الدكتور حازم الببلاوي أن تتخذ خطوات عاجلة لعلاج هذا الخلل وضمان أن تقوم الدولة بالفعل بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه من تدين لهم هذه الحكومة ذاتها بوجود أعضائها على كراسي الحكم اليوم.
ضع تعليقا