عدالة جنائية | حبس 24 متظاهرا والقبض على ناشط سياسي بعد إقتحام منزله في تصاعد عبثي لمشاهد القمع وإهدار العدالة

بعد سلسلة من الوقائع العبثية، أصدر قاضي التجديد قراره بحبس 24 متظاهرا 15 يوما على ذمة التحقيق في اتهامات وجهتها إليهم الشرطة على خلفية مشاركتهم في وقفة سلمية أمام مجلس الشورى ضد تضمين مادة تبيح محاكمة المدنيين عسكريا و تطالب بإسقاط القانون القمعي لتنظيم الحق في التظاهر.
كان المتظاهرون ال24 هم من اختارت الشرطة الإبقاء عليهم بعد إفراجها عن عشرات المتظاهرين الذين تم القبض عليهم بصورة عشوائية أثناء فض الوقفة السلمية بالقوة. وقد تعرض كافة المقبوض عليهم للضرب والسحل والتحرش الجنسي بالرجال والنساء على السواء. واختارت الشرطة أن تطلق سراح النساء باختطافهم إلى خارج قسم أول القاهرة الجديدة مع تكرار مشاهد التنكيل بهن بالضرب والسحل والتحرش ثم نقلهم في عربة ترحيلات تجولت في الطرق المحيطة بالقاهرة لتضليل ذويهن ومحامييهن حتي تم في النهاية إجبارهن على مغادرة العربة في منطقة غير مأهولة جنوبي القاهرة! وإضافة إلى هؤلاء أطلقت الشرطة سراح عدد من الصحفيين والمحاميين الحقوقيين الذين سبق القبض عليهم من الرجال، وقدمت المتظاهرون ال24 لنيابة قصر النيل التي انتقلت لمباشرة التحقيق معهم في قسم أول القاهرة الجديدة دون مسوغ قانوني لذلك. وباشر وكلاء النيابة التحقيق بمعاونة مجموعة من أمناء الشرطة بدلا عن سكرتيري النيابة! وبرغم آثار الضرب والتنكيل البادية على المتظاهرين أغفل وكلاء النيابة الأمر بتوقيع الكشف الطبي عليهم وقبلوا التهم التي ساقتها الشرطة ضد المتظاهرين رغم غياب أي دليل مادي عليها وتكذيب الواقع لإمكان صدورها عنهم على وجه التحديد لشيوعها بين المئات من المتظاهرين الذين شاركوا في الوقفة. وأصدرت النيابة أمرها بحبس المتظاهرين أربعة أيام على ذمة التحقيق فيما نسب إليهم.
توالت الوقائع العبثية مع صباح يوم جلسة التجديد للمتظاهرين ال24 والتي كان من المفترض عقدها في مجمع محاكم عابدين بوسط مدينة القاهرة، ولكن الشرطة امتنعت عن نقل المتهمين الذين سبق إيداعهم دون أمر النيابة في سجن استقبال طرة، إلى مقر انعقاد الجلسة، وتم إشاعة قدر كبير من الفوضى بين محاميي المتظاهرين وذويهم والمتضامنين معهم بغرض تضليلهم فأشيع أن الجلسة سيتم تأجيلها لتعذر نقل المتظاهرين، ثم أشيع أنها ستنعقد بمجمع محاكم القاهرة الجديدة، ثم استقر الأمر على انتقال قاضي التجديد، مرة أخري دون مسوغ قانوني مقبول، إلى معهد أمناء الشرطة بطرة لنظر جلسة التجديد للمتظاهرين بعد صدور أمر بذلك من وزير العدل بصورة عاجلة تم إرساله بالفاكس!
في جلسة التجديد كشف المتظاهرون عن تعرضهم للتعذيب على أيدي ضباط قسم أول القاهرة الجديدة، وأثبت محاموهم شهاداتهم حول ما تعرضوا له في محضر الجلسة، كما أعلن المتظاهرون إضرابهم عن الطعام احتجاجا على الإجراءات التعسفية التي اتخذت ضدهم، وأعلن محاموهم الانسحاب من الجلسة اعتراضا على هذه الإجراءات وتضامنا مع المتظاهرين في إضرابهم عن الطعام. وفي أعقاب ذلك تضاربت أنباء قرار قاضي التجديد بين إطلاق سراح المتظاهرين وبين استئناف النيابة عليه والإبقاء عليهم بمحبسهم حتى نظره باليوم التالي، حتى صدر قرار قاضي التجديد الفعلي بحبس المتظاهرين 15 يوما على ذمة التحقيقات وتم نقلهم إلى سجن مزرعة طرة.
هذه الوقائع تنسج مع العشرات غيرها مشهدا عبثيا لا يمكن تبريره إلا بأن السلطة لا تعبأ بالقانون أو باستقلالية النيابة العامة والقضاء ولا تعبأ حتى بالمنطق الطبيعي وهي تضرب بكل ذلك عرض الحائد في سبيل سعيها المحموم لإرهاب معارضيها من خلال التنكيل بكل من تطاله أيديها منهم. في هذا الإطار وحده يمكن فهم ما أقدمت عليه الشرطة المصرية من اقتحام منزل الناشط السياسي علاء عبد الفتاح في منطقة الهرم مساء أمس، الخميس 28 نوفمبر 2013، وتعدي قواتها عليه وعلى زوجته السيدة منال حسن بالضرب، والاستيلاء على هواتفهما وأجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بكل منهما، ثم اقتياده بملابسه المنزلية حافي القدمين، بعد رفض إبراز أمر النيابة بالقبض عليه والامتناع عن الكشف عن المكان الذي سيقودنه إليه، والذي تبين بعد ساعات من البحث أنه معسكر لقوات الأمن المركزي على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وهو ليس من أماكن الاحتجاز القانونية. ويدلل على تعمد السلطات التنكيل بعلاء والقبض عليه باستخدام العنف، أن النائب العام قد أصدر أمرا بضبطه وإحضاره على خلفية اتهامه بالتحريض على التظاهر أمام مجلس الشورى دون إخطار مسبق، وذلك على الرغم من مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين” قد أعلنت أنها الجهة المنظمة للمظاهرة والداعية إليها، وعلى الرغم على أن علاء لم يتم استدعاءه للمثول أمام النيابة ولم يحاول الهرب بل ظل مقيما في مقر سكنه المعلوم والذي تم القبض عليه فيه في النهاية، كما ظل يتردد على أماكن معلومة للكافة بما في ذلك التواجد لساعات طويلة أمام قسم أول القاهرة الجديدة حيث تم التحقيق مع المتظاهرين ال24 بنفس القضية، وتم إخطار وكلاء النيابة بوجوده بالخارج واستعداده للمثول أمامهم. ومع ذلك تجاهلت السلطات كل هذه الحقائق وأصرت وزارة الداخلية على تصوير علاء على أنه متهم هارب تكثف جهودها للبحث عنه، في الوقت الذي نشر فيه علاء بيانا أعلن فيه أنه سيقوم بتسليم نفسه إلى النيابة صباح غد “السبت” في حضور محامييه!
لا سبيل إلى الشك في أن كل ما أحاط بإصدار قانون تنظيم الحق في التظاهر القمعي سيئ السمعة، وما أعقبه من عنف مفرط تعمدت السلطة استخدامه ضد النشطاء السياسيين والمتظاهرين السلميين بالمخالفة للقانون القمعي نفسه وانتهاكا لعديد من القوانين بخلافه، كل ذلك يصب في إطار حملة تستهدف إرهاب المعارضين السياسيين لنظام 3 يوليو الذي أثبت فشله الذريع في التعامل مع قضايا الاستقرار وتحقيق الأمن وإنقاذ الاقتصاد، إضافة إلى فشله في مهمته الأساسية المعلنة كسلطة انتقالية وهي إعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان كتابة دستور يعبر عن آمال وتطلعات الشعب المصري. ومن الواضح أن هذا النظام لا هم له إلا استعادة هيبة أجهزته الأمنية المفتقدة ليس من خلال إعادة هيكلتها ورفع كفاءتها وإنما بإطلاق يدها للتنكيل بمن تطاله من معارضيه بينما تفشل يوميا في أداء مهامها الحقيقية المتمثلة في إعادة الأمن إلى الشارع المصري.
إننا إذ ندين استخدام القضاء المصري كأداة مساعدة لهراوة الأمن الغليظة تأتمر بأمر السلطة وتنزل على رغباتها، نحذر من أن استمرار هذا الوضع العبثي لجهاز العدالة المصري ينذر بتقويض أي مصداقية له ويهدد بسيادة الفوضى وإهدار هيبة القانون. كما أننا إذ ندين العنف الشرطي المفرط والخارج عن مظلة القانون نعيد التأكيد على أن الوجه القبيح للشرطة المصرية الذي رسمت ملامحه عقود من العسف والظلم والعنف من خلال التعذيب المنهجي والقتل خارج إطار القانون، بينما كان الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة 25 يناير، فإن إهمال النظم المختلفة بعد الثورة للمطلب الملح بإعادة هيكلة الشرطة وتطهيرها من ضباطها المتهمين بقتل المئات من أبناء هذا الوطن والتسبب في إعاقة الآلاف وإصابة عشرات الآلاف خلال أحداث الثورة طيلة ما يقرب من ثلاثة أعوام ومحاكمتهم بشكل عادل، لن يورث البلاد إلا مزيد من غياب الأمن والاستقرار وتردي أحوال مواطنيه.