أجلت محكمة القضاء الإداري اليوم الطعن المقدم من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لحظر استخدام الفحم في توليد الطاقة بشكل عام وفي صناعه الفحم نفسه على وجه الخصوص، بالإضافة إلى المطالبة بإعدام الدفعات التي تم استيرادها حتى الآن، لجلسة.7 يوينو للإطلاع على المستندات المقدمة من المركز.
كانت منظمات حقوقية قد نددت بمخاطر استخدام الفحم لتوليد الطاقة في الصناعة، من خلال بيانات وخطابات أرسلت لمجلس الوزراء وعدد من الجهات الدولية لوقف تنفيذ هذا القرار الذي سيجلب مع تطبيقه كوارث لا حصر لها، وذلك بعد صدور قرار مجلس الوزراء في جلستة المنعقدة في 3 أبريل 2014 بإدراج الفحم ضمن منظومة الطاقة في مصر.
ويمثل توجه شركات الأسمنت العاملة في مصر إلى استخدام الفحم كمصدر للطاقة، عدوانا صارخا على صحة وحياة المصريين، والذي بدأ تمريره تحت رعاية حكومية منذ عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وتصاعد بصورة ملحوظة في ظل الحكومة الحالية التي ألقت بثقلها كاملا، باستثناء وزارة البيئة، خلف حملة إعلامية تستهدف الترويج للفحم كمصدر بديل للطاقة في ظل تناقص إمدادات الغاز الطبيعي، ومشتقات البترول نتيجة للسياسات السابقة التي أهدرت طوال سنوات موارد مصر من هذه المصادر.
في ظل هذا الوضع تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى الجهات التنفيذية المسؤولة بالدولة من خلال مخاطبات رسمية، مطالبا إياها بإصدار قرار بمنع استيراد الفحم بهدف استخدامه في توليد الطاقة سواء لمصانع اﻷسمنت أو غيرها، وهو القرار الذي تتحمل هذه الجهات مسؤولية إصداره في إطار مسؤوليتها القانونية عن حماية صحة وأرواح المواطنين وسلامة البيئة. وحيث أن هذه الجهات لم تستجب لهذه المطالبة فقد التجأ المركز المصري إلى القضاء اﻹداري بوصفه حائط الدفاع اﻷخير لمواجهة هذا العدوان على حياة المصريين. وقد قام محامو المركز بتحريك دعوى قضائية أمام القضاء الإداري اختصموا فيها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ، ووزير التجارة والصناعة وعددا من الوزراء المعنيين الأخرين [1]
حيثيات القضية
وقد أوضح محامو المركز المصري في دعواهم ملابسات الاتجاه المدعوم من قبل الحكومة نحو استخدام الفحم من قبل شركات إنتاج اﻷسمنت في مصر، وأوضحوا الآثار البيئية المترتبة على ذلك وما ينجم عنها من أضرار على صحة المواطنين، معددين اﻷمراض المختلفة التي أثبتت التجارب السابقة للدول المستخدمة للفحم كونها نشأت وتفاقمت عن ذلك الاستخدام. كما أشار محامو المركز إلى وقائع تلوث بيئي نجمت فعليا عن عمليات تفريغ ونقل الفحم في موانئ مصرية. وفندوا الادعاءات بضرورة اللجوء إلى استخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة وادعاءات إمكانية السيطرة على آثار ذلك على البيئة.
واستند محامو المركز المصري في طعنهم على القرار السلبي لمن اختصمتهم الدعوى القضائية، إلى مخالفة هذا القرار للدستور المصري [2]وقانون البيئة ،[3]إضافة لمخالفته للمواثيق والعهود الدولية التي صدقت عليها مصر وأصبحت ملزمة لها، وهي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية اﻷمم المتحدة اﻹطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو الملحق بالاتفاقية السابقة، واتفاقية فيينا لحماية طبقة اﻷوزون. كما استند محامو المركز في الطعن على القرار السلبي بما شابه من عيوب “السبب”، وفساد الغاية، والانحراف في استخدام السلطة.
وقد التمس محامو المركز المصري من المحكمة، أولا قبول الطعن، وثانيا وقف تنفيذ القرار السلبي بشكل مستعجل وما يترتب عن ذلك من الوقف الفوري لاستيراد الفحم ﻷغراض استخدامه كمصدر للطاقة، وثالثا الحكم بإلغاء القرار المطعون عليه، وما يترتب عليه من آثار أهمها أي قرارات حكومية تسمح باستيراد الفحم أو أي تصاريح تصدرها الحكومة بهذا الشأن.
المركز يقدم مستندات عن حلول بديلة
وقدم المركز في ورقة موقفأصدرها حلولا بديل لاستخدام الفحم في توليد الطاقة قائلا: أن هناك بالفعل حاجة ماسة لإعادة النظر في استراتيجية الطاقة في مصر، فالدعم الرجعي للطاقة يلتهم الجزء الأكبر من الميزانية السنوية العامة للدولة، ويأتي لخدمة الشركات والمستثمرين إلى حد كبير، بدلا من استهداف من هم في أشد الحاجة للدعم. وفي هذا الصدد، لا مفر من خفض الإعانات للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة كالأسمنت والزجاج وغيرها من الصناعات، وهو لن يقتصر على التخفيض الكبير في الفاتورة السنوية لدعم الطاقة فحسب، بل سيسهم في الحد من الإفراط في استهلاك الطاقة في هذه القطاعات. وقد أظهرت الدراسات، حتى المحافظة منها، أن هذه الصناعات عالية الربحية لن تتأثر من رفع الدعم عن الطاقة هذا.
كذلك، يمكن إعادة النظر في مسألة تصدير الغاز الطبيعي والقيام بإصلاحات في هذا المجال. فمصر تقوم بتصدير ثلث الغاز الطبيعي إلى تركيا والأردن وإسبانيا بأقل من الأسعار العالمية، في حين أن وزارة الكهرباء والطاقة مدينة بـ٦ مليارات دولار أمريكي لشركات استيراد الغاز بأسعار أعلى بكثير من سعر الاستيراد. لذلك، يدعو المركز المصري الحكومة المصرية لأن تقوم بمراجعة اتفاقيات الغاز الطبيعي التي أبرمتها مع الدول المستوردة وتعديل نظام الأسعار، حيث يقدّر خبراء أن ترتفع الإيرادات إلى ١٥ مليار دولار في السنة، في حال القيام بهذه المراجعات.
وهناك أيضا مصادر بديلة للطاقة يمكن للحكومة استكشافها. فالدولة تستمر في إغفال المصادر البديلة للطاقة، وبالإضافة إلى إمكانية استخدام النفايات، يمكن استخدام المصادر المتجددة للطاقة. ومن ثم يدعو المركز المصري الحكومة إلى إجراء دراسة أساسية لاستخدام النفايات باعتبارها شكلا من أشكال الطاقة. فمصر تخرج أطنانا من القمامة، تصل إلى ٩.٥ ملايين طن في القاهرة فقط سنويا، يمكن استخدامها كمصدر للطاقة في بلدان أخرى. وفي حين أن مصر تواجه مشكلة في إدارة النفايات، يمكن للنفايات أن تكون حلا استراتيجيا يستحق الاهتمام لمعالجة مشكلة الطاقة وإدارة النفايات، على حد سواء.
وأخيرا إن الكلفة المالية في استخدام بدائل الفحم لن تختلف كثيرا، ولكن تكمن الكلفة الحقيقية للفحم في تدمير الصحة والبيئة، وليس سكان الأحياء حيث توجد مصانع الأسمنت فقط، بل في الضرر الكبير على المياه والهواء والصحة في البلد ككل، الذي سيستمر لأجيال.
ملف صحفي كامل عن قضية الفحم: كل ما تحتاج لمعرفته
هوامش
- [1] الدعوى رقم : رقم 31731 لسنة 68 ق وختصموا فيها رئيس الجمهورية، وورئيس الوزراء، ووزير التجارة والصناعة، ووزير البترول، ووزير الكهرباء، ووزير الدولة لشئون البيئة، ورئيس جهاز شئون البيئة، كل منهم بصفته، وذلك طعنا على قرارهم السلبي بالامتناع عن إصدار قرار بمنع استيراد واستخدام الفحم كمصدر للوقود.
- [2] ا مواده أرقام 18، و45، و46، و78، و79، و93، و99،
- [3] قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994،
ضع تعليقا