عدالة بيئية | بعد 20 عاما من المفاوضات..العالم يصل أخيرا لاتفاقية عالمية للحد من تغير المناخ
بعد 21 عامًا من المفاوضات، وقعت 195 دولة أمس السبت على اتفاقية للحد من التغير المناخي، بعد أن فشلت المفاوضات في الوصول إلى اتفاقية ملزمة منذ اتفاقية كيوتو المبرمة عام 1997 والتي انسحب منها الكثير من الموقعين بسبب كونها غير ملزمة، لتأتي اتفاقية باريس ملزمة وتفتح باب المحاولات الجادة للحد من التغير المناخي.
محتوى الإتفاقية
تنص اتفاقية باريس على ضرورة الحد من الانبعاثات بما يضمن عدم ارتفاع درجة الحرارة الكوكبية لأكثر من 2 درجة مئوية وإبقائها في مستوى 1.5 درجة مئوية، ورغم كونه هدف شديد الطموح ويتخطى توقعات الكثيرين، لكنه جاء مفتقد لخط زمني دقيق. فقد نصت الاتفاقية على تخفيض الانبعاثات “في أقرب وقت ممكن”، وتنص على ضرورة الوصول إلى ذروة الانبعاثات والبدء في الانخفاض قبل منتصف القرن وتخفيض الانبعاثات إلى الحد الآمن والذي يضمن بقاء درجة الحرارة في مستوى 1.5 درجة مئوية قبل نهاية القرن.
أما عن طريقة خفض الانبعاثات، فقد استندت ا لاتفاقية إلى خفض مستويات استهلاك الوقود الأحفوري، ولم تذكر الحد من الإنتاج، مما قد يشكل إشكالية في حالة الدول المنتجة للوقود التي قد تستمر في استخراج الوقود دون التعرض لأي مسؤولية قانونية. وتشير الاتفاقية إلى ضرورة اللجوء للطاقة المتجددة والمستدامة للحد من الانبعاثات، كما تذكر ضرورة دعم هذا التوجه بعيدا عن الوقود الأحفوري ونحو الطاقة المتجددة والمستدامة، من خلال الاستثمار والتمويل كأحد الطرق التي ستمهد الطريق إلى عالم أكثر استدامة.
[quote_box_center]إنفوجرافيك مميز عن التغير المناخي وقمة باريس
إقرأ وحمل
[/quote_box_center]الاتفاقية ملزمة قانونا لأول مرة
والجدير بالذكر أن الاتفاقية ملزمة قانونيا فيما يخص الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولكنها غير ملزمة فيما يخص تمويل مشاريع التكيف مع الكوارث الناتجة عن التغير المناخي في الدول النامية، فقد توصلت الدول المفاوضة إلى تمويل يصل إلى 100 مليار دولار سنويا لصندوق التكيف ليتم توزيعها على الدول النامية حسب الحاجة، ويرى الخبراء أن هذا الرقم بعيد كل البعد عن الرقم الحقيقي الذي سيخول الدول المعرضة لتأثيرات التغير المناخي من التكيف. ويأتي هذا الرقم نتيجة مفاوضات مؤتمر التغير المناخي في كوبنهاجن في 2008، والذي لم يكن ملائما حينذاك، ولا يزال غير ملائم بطبيعة الحال اليوم، ولكن تمويل الصندوق وقف عائقا أمام إتمام الاتفاقية، مما دفع الكثير من المفاوضين على اعتماد هذا الرقم، وقبول عدم إلزام الدول المتقدمة المسؤولية تاريخيًا -أي الدول المتقدمة صاحبة النصيب الأكبر في الانبعاثات- بتمويل الصندوق للوصول إلى الاتفاقية. وبالرغم من أن الاتفاقية تخطت طموح الكثيرين، فلا تزال الكثير من الدول الساحلية والنامية معرضة للتأثيرات السلبية من حيث غرق الأراضي المنخفضة الساحلية وتعريض الأمن الغذائي للكثير من التقلبات.
الموقف المصري
ويظل موقف مصر غير واضح، فبالرغم من توقيع مصر على الاتفاقية، لا يمكن التنبؤ بإمكانية تحقيق الهدف من الاتفاقية في ظل السياسات المتبعة الآن، فطبقا لإحصاءات عام 2014، تحتل مصر المرتبة الأولى في الانبعاثات في إفريقيا والثانية في الشرق الأوسط، والمرتبة الخامسة والعشرين في العالم. أما بالنسبة لسياسات التنمية المصرية للعقود المقبلة، فهي غير مبشرة بأي انخفاض في الانبعاثات في أي وقت قريب، خاصة بعد قرار استخدام الفحم في توليفة الطاقة الذي من شأنه زيادة الانبعاثات دون أدنى شك.
مستقبل الإتفاقية
بشكل عام، تمثل اتفاقية باريس خطوة إيجابية في الطريق نحو الحد من الانبعاثات وحماية الأجيال المستقبلية من آثار التغير المناخي وضمور الموارد. وقد ذكرت الاتفاقية الكثير من الحلول الاقتصادية التي من شأنها ضمان الوصول للأهداف التي تنص عليها الاتفاقية، لكنها فشلت في وضع جدول زمني محدد مما قد يعني تهرب بعض الدول الموقعة من مسؤولياتها، كما تتجاهل الاتفاقية الكثير من الكوارث المناخية التي تسبب وسوف يتسبب بها التغير المناخي لبعض من أفقر المجتمعات في العالم. ويطالب النشطاء المناخيين حول العالم بالالتفات لاحتياجات الدول النامية الأكثر تعرضا لنتائج التغير المناخي التي يتجاهلها نص الاتفاقية، وضرورة أخذ المسؤولية التاريخية للدول المتقدمة الأكثر تلويثا عين الاعتبار. ويظل سؤال تمويل صندوق التكيف مطروحا كأحد النقاط الأساسية التي لابد أن يتعرض لها المفاوضون في المفاوضات المقبلة.