عدالة بيئية | المركز المصري يرفع دعوى لوقف استخدام الفحم في صناعة الأسمنت

تحديث :
بعد قرار مجلس الوزراء باعتماد استخدام الفحم في منظومة توليد الطاقة والصناعات، قام المركز المصري بتعديل طلبات العريضة القضائية
العريضة مرفقة أدنى البيان
11 فبراير 2014
يمثل توجه شركات الأسمنت العاملة في مصر إلى استخدام الفحم كمصدر للطاقة، عدوانا صارخا على صحة وحياة المصريين. بدأ تمريره تحت رعاية حكومية منذ عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وتصاعد بصورة ملحوظة في ظل الحكومة الحالية التي ألقت بثقلها كاملا، باستثناء وزارة البيئة، خلف حملة إعلامية تستهدف الترويج للفحم كمصدر بديل للطاقة في ظل تناقص إمدادات الغاز الطبيعي، ومشتقات البترول نتيجة للسياسات السابقة التي أهدرت طوال سنوات موارد مصر من هذه المصادر. وقد توجت الحكومة المصرية دعمها هذا بتنظيم وزارتي البترول والكهرباء بالتعاون مع اتحاد الصناعات (الكيان الأهم الممثل لمصالح رجال اﻷعمال في مصر)، لندوة بعنوان “الفحم .. عهد جديد للصناعة والكهرباء في مصر”.
وتبارى المشاركون في هذه الندوة في الترويج ﻷهمية اللجوء إلى الفحم كمصدر بديل للطاقة بحجة عدم وجود بدائل أخرى للمصادر المستخدمة حاليا، مع التقليل المتعمد من شأن اﻵثار البيئية والصحية المترتبة على استخدام الفحم باﻹشارة إلى توافر تكنولوجيا حديثة تحد من هذه اﻵثار.
ومن المثير للاهتمام أن كشف كذب هذه الادعاءات قد صدر عن أحد أعضاء الحكومة نفسها متمثلا في وزيرة البيئة قبل غيرها. وبصفة أساسية أكدت الوزيرة في تصريحاتها ما دلت عليه دراسات وأبحاث قدمتها مراكز حقوقية وبحثية مختلفة أجمعت أولا على كذب الادعاء بعدم وجود بدائل أخرى لمصادر الطاقة المتضائلة بخلاف الفحم، فمن بين هذه المصادر المستخدمة فعليا لتزويد مصانع الأسمنت خارج مصر بل وداخلها أيضا، اﻹطارات المطاطية المستعملة، وقش اﻷرز، والقمامة. وهي تنتج انبعاثات ملوثة للبيئة بمعدل أدنى كثيرا من الفحم بخلاف أن استخدامها في حد ذاته يقلل من اﻷثر البيئي الضار الذي يمثله التخلص منها بوسائل أخرى. ثانيا، أكدت تصريحات الوزيرة كما أوضحت الدراسات المختلفة كذب الادعاء بتوافر تكنولوجيا حديثة كفيلة بتحجيم الآثار الضارة للفحم. فبينما لن تكون مثل هذه التكنولوجيا متاحة قبل 15 عاما تالية، فإنها إضافة إلى ذلك ومع افتراض استخدامها فعليا في مصر ستؤدي نتيجة ارتفاع تكلفتها إلى مضاعفة تكلفة إنتاج اﻷسمنت مرتين ونصف. ومن خلال تاريخ مصانع اﻷسمنت في عدم الالتزام بالاشتراطات البيئية المختلفة فإن تصور التزامها باستخدام مثل هذه التكنولوجيا المكلفة (حتى عندما تصبح متاحة) يدخل في باب (العشم)، خاصة مع واقع التواطؤ الواضح للجهات التنفيذية مع رجال اﻷعمال بصفة عامة ومع مصنعي اﻷسمنت (وكلهم تقريبا من اﻷجانب) بصفة خاصة.
في ظل هذا الوضع تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى الجهات التنفيذية المسؤولة بالدولة من خلال مخاطبات رسمية، مطالبا إياها بإصدار قرار بمنع استيراد الفحم بهدف استخدامه في توليد الطاقة سواء لمصانع اﻷسمنت أو غيرها، وهو القرار الذي تتحمل هذه الجهات مسؤولية إصداره في إطار مسؤوليتها القانونية عن حماية صحة وأرواح المواطنين وسلامة البيئة. وحيث أن هذه الجهات لم تستجب لهذه المطالبة فقد التجأ المركز المصري إلى القضاء اﻹداري بوصفه حائط الدفاع اﻷخير لمواجهة هذا العدوان على حياة المصريين. وقد قام محامو المركز بتحريك دعوى قضائية رقم 31731 لسنة 68 ق أمام القضاء الإداري اختصموا فيها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير التجارة والصناعة، ووزير البترول، ووزير الكهرباء، ووزير الدولة لشئون البيئة، ورئيس جهاز شئون البيئة، كل منهم بصفته، وذلك طعنا على قرارهم السلبي بالامتناع عن إصدار قرار بمنع استيراد واستخدام الفحم كمصدر للوقود.
وقد أوضح محامو المركز المصري في دعواهم ملابسات الاتجاه المدعوم من قبل الحكومة نحو استخدام الفحم من قبل شركات إنتاج اﻷسمنت في مصر، وأوضحوا الآثار البيئية المترتبة على ذلك وما ينجم عنها من أضرار على صحة المواطنين، معددين اﻷمراض المختلفة التي أثبتت التجارب السابقة للدول المستخدمة للفحم كونها نشأت وتفاقمت عن ذلك الاستخدام. كما أشار محامو المركز إلى وقائع تلوث بيئي نجمت فعليا عن عمليات تفريغ ونقل الفحم في موانئ مصرية. وفندوا الادعاءات بضرورة اللجوء إلى استخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة وادعاءات إمكانية السيطرة على آثار ذلك على البيئة.
واستند محامو المركز المصري في طعنهم على القرار السلبي لمن اختصمتهم الدعوى القضائية، إلى مخالفة هذا القرار للدستور المصري المستفتى على تعديله مؤخرا في مواده أرقام 18، و45، و46، و78، و79، و93، و99، وكذلك مخالفته لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، إضافة لمخالفته للمواثيق والعهود الدولية التي صدقت عليها مصر وأصبحت ملزمة لها، وهي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية اﻷمم المتحدة اﻹطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو الملحق بالاتفاقية السابقة، اتفاقية فيينا لحماية طبقة اﻷوزون. كما استند محامو المركز في الطعن على القرار السلبي بما شابه من عيوب “السبب”، و فساد الغاية، والانحراف في استخدام السلطة.
وقد التمس محامو المركز المصري من المحكمة، أولا قبول الطعن، وثانيا وقف تنفيذ القرار السلبي بشكل مستعجل وما يترتب عن ذلك من الوقف الفوري لاستيراد الفحم ﻷغراض استخدامه كمصدر للطاقة، وثالثا الحكم بإلغاء القرار المطعون عليه، وما يترتب عليه من آثار أهمها أي قرارات حكومية تسمح باستيراد الفحم أو أي تصاريح تصدرها الحكومة بهذا الشأن.
وفي حين يضع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ثقته الكاملة في القضاء اﻹداري المصري الذي لا طالما كان سندا لحقوق المصريين في مواجهة ما طالها من انتهاكات متتالية طوال سنوات، فإنه في الوقت ذاته يكرر التنبيه إلى ضرورة تعديل سياسات الدولة التي لا زالت تنحاز بشكل واضح إلى مصالح رجال اﻷعمال وتتواطأ معهم في سبيل تحقيق هذه المصالح، ليس فقط على حساب مصالح الغالبية العظمى من المواطنين بل على حساب أرواحهم وسلامتهم ومستقبل اﻷجيال التالية منهم، مما يرقى إلى حد الجريمة المتواصلة دون انقطاع منذ عهد الرئيس اﻷسبق المخلوع، والذي كان أحد أهداف ثورة 25 يناير التي أطاحت به هو وقف عدوان سياسات حكوماته المتعاقبة على المصريين الذين تسببت في إفقارهم وإهدار حقوقهم وعلى رأسها حقهم في الحياة.