عدالة بيئية | الحكومة في طريقها لاعتماد الفحم في صناعة الأسمنت، رغم كل التبعات الخطيرة
صدرت تقارير متضاربة حول ما إذا كانت الحكومة قد اتخذت قرارها النهائي بشأن استخدام الفحم في مصانع الأسمنت في مصر. ولكن الواضح هو أن جميع الوزارات المعنية (بما في ذلك وزارات الصناعة والتجارة والبيئة) كانت قد شاركت في جلسة طويلة مع شركات الأسمنت التي قامت بالضغط من أجل استخدام الفحم، وذلك في غياب الخبراء والمنظمات المستقلة عن هذه المناقشات الهامة حول السياسات التي يحتمل أن تؤثر على الصحة والبيئة وحتى معيشة الشعب المصري.
[pullquote]7 مصانع فقط، من أصل 19 مصنعاً عاملاً في مصر، كانت قد امتثلت باللوائح الوطنية حول الانبعاثات الجوية في عام 2009،وليس لدى وزارة البيئة ضد المخالف سوى غرامة بسيطة[/pullquote]
وقد تم تكليف وزيرة البيئة بتجميع الأنظمة البيئية لرصد استخدام الفحم في صناعة الأسمنت، في حال تأكيد هذا القرار، وتم إعطاء الوزيرة ليلى اسكندر أسبوعين فقط لاستكمالها. ولكنْ، حتى في حال نجاحها في وضع لوائح صارمة، وقابلة للمقارنة مع الأنظمة الأوروبية مثلاً، سيكون هناك غياب للآليات التي تضمن إنفاذ هذه اللوائح. ولا يخلو هذا الأمر من الأهمية، حيث أن 7 مصانع فقط، من أصل 19 مصنعاً عاملاً في مصر، كانت قد امتثلت باللوائح الوطنية حول الانبعاثات الجوية في عام ٢٠٠٩. أمّا آلية الإنفاذ الوحيدة المتاحة في جهاز شؤون البيئة، فهي الغرامة – وهو مبلغ بسيط مقارنة بهوامش أرباح مصانع الاسمنت، التي تتراوح بين ١٦ و٧٠٪ (بناء على مستويات الإنتاجية على مدى السنوات العشر الماضية). وفقاً للخبراء، تم تقدير كلفة تحسين امتثال مصانع الاسمنت لمعايير تلوث الهواء الحالية من خلال استخدام الغاز الطبيعي بحوالي ٠.٥ مليار دولار أميركي، وذلك في عام ٢٠١٠. لذلك، فإن احتمال امتثال مصانع الاسمنت باللوائح المتعلقة بالفحم هو ضئيل، بسبب الكلفة الأعلى. ولهذه الأسباب، يبدي المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قلقه من عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات لضمان التزام مصانع الاسمنت باللوائح التي ستضعها وزارة البيئة حول الفحم. وفي غياب الإصلاحات المتعلقة باستراتيجية النفاذ أو استراتيجية حديثة، من المرجّح أن تبقى اللوائح (القديمة أو الجديدة) من دون فائدة. فالأنظمة وحدها لا تكفي كضمان ضد الآثار السلبية المتعددة لاستخدام الفحم كمصدر للطاقة في صناعات الاسمنت.
[pullquote align=”right”]مصانع الاسمنت مسؤولة عن ٦٪ تقريبا من الغبار في أنحاء المدينة، ويصل هذا الرقم إلى ٣٠٪ من الغبار في المناطق القريبة من مصانع الاسمنت، استخدام الفحم سيؤدي لتفاقم الوضع[/pullquote]
في الغالب، يعمل منتجو الاسمنت في مصر في مناطق مكتظة بالسكان، تعاني أصلاً من عدم تجاوبهم المعتاد. وتبيّن السجلات العامة للمنشآت الصناعية أن هناك 19 مصنعاً للاسمنت في مصر، موزّعة حسب المحافظات كالتالي: السويس والقاهرة والإسكندرية وبني سويف وقنا والمنيا وأسيوط تحوي معظم المصانع،. وداخل القاهرة فقط، فإن مصانع الاسمنت مسؤولة عن ٦٪ تقريباً من الغبار في أنحاء المدينة، ويصل هذا الرقم إلى ٣٠٪ من الغبار في المناطق القريبة من مصانع الاسمنت، بالرغم من استخدامها للغاز الطبيعي كمصدر للطاقة حتى الآن. ومن المتوقع أن يؤدّي استخدام الفحم كمصدر للطاقة إلى تفاقم الوضع. وبشكل خاص، فإن السويس والقاهرة والإسكندرية هي محافظات ذات عدد كبير من السكان، وبالتالي، فإن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتوقع أن يتم انتهاك الحق في السكن اللائق والبيئة الصحية لأولئك الذين يعيشون في المكان الأقرب إلى مصانع الأسمنت هذه، وخاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار السجلّ الحافل المتعلّق بالإنفاذ.
علاوة على ذلك، يلحظ المركز أن ٦ شركات اسمنت مملوكة من الخارج تسيطر على ٦٥٪ من قطاع الاسمنت في مصر. وتقوم هذه الشركات العالمية باستغلال الموارد المستفيدة من الدعم، كالكهرباء والغاز الطبيعي، وهي من أكثر الصناعات ربحية في البلاد. وبالرغم من الآثار الخطيرة لصناعة الاسمنت الملوِّثة، يتم السماح لهذه الشركات بالعمل من دون التقيّد بإجراءات الوقاية المصرية المتعلّقة بالتلوّث.
يدين المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هذا التسرّع في اتخاذ القرارات من قبل الحكومة المصرية، التي تستمر بتجاهل هواجس وزارة شؤون البيئة والخبراء المستقلين، بالإضافة إلى عدم كفاية استكشافها للآثار السلبية لاستخدام الفحم أو البحث في مصادر الطاقة البديلة. وفي هذا الإطار، فإن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يدعو الحكومة لمراجعة آلية اتخاذ القرار المتعلّقة باستعمال الفحم في صناعات الاسمنت.
وأخيراً، فإن المركز يعرب عن قلقه من أن قرار مهم كهذا، والذي لن يكون له التأثير الكبير على الطاقة والبنية التحتية في مصر فحسب، بل على المعيشة فيها واستدامة بيئتها على المدى القصير والمتوسط والبعيد، يتم النظر فيه في غياب برلمان مُنتَخب وتمثيلي. وفي هذه الحالة، يجب تأمين الحد الأدنى من المشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، ولذا، يدعو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لإطلاق مشاورات عامة وشفافة في كل من المحافظات التي ستتأثّر بالتحول إلى النفط، وذلك قبل القيام باتخاذ القرار.
ورقة موقف المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الفحم: https://ecesr.org/?p=767487
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يرفع دعوى ضد الحكومة بشأن الفحم: https://ecesr.org/?p=767753
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو عضو في “مصريون ضد الفحم”: https://www.facebook.com/NoCoal