عدالة اجتماعية | المحكمة الإدارية العليا: الإضراب حق دستوري لجميع العمال والموظفين

أودعت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا أسباب حكمها في الطعن 19485 لسنة 59 ق ع، والذي أكدت فيه أن الإضراب السلمي حق دستوري لكل الموظفين والعمال.
يذكر أن إحدى الموظفات بمحكمة استئناف الإسماعيلية صدر بحقها قرار رئيس المحكمة برقم 30 لسنة 2012 والذى تضمن مجازاتها بالخصم ثلاثة أيام من راتبها واحتساب أيام 28 و29 فبراير والأول من مارس 2012 انقطاعا عن العمل بلا أجر بزعم إضرابها عن العمل خلال تلك الأيام، فقامت بالطعن على هذا القرار أمام المحكمة التأديبية بالإسماعيلية والتي أصدرت حكمها رقم 25 لسنة 18 ق بإلغاء الجزاء وصرف كامل أجرها لأن الإضراب السلمى حق وليس جريمة تستوجب العقاب، فقام وزير العدل ورئيس محكمة استئناف الإسماعيلية بالطعن على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا والتي قضت برفض طعنهما وأيدت حكم المحكمة التأديبية بالإسماعيلية.
ويشير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن حيثيات الحكم تكشف عن أحدث المبادئ التي أقرتها المحكمة الإدارية العليا بشأن حق العمال والموظفين في الإضراب عن العمل، وأكد المركز أن أهمية هذا الحكم لا تعود فقط للمبدأ الذى أرسته المحكمة وإنما تعود أيضا إلى أنه صدر من الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا والتي سبق لها خلال هذا العام إصدار حكما في الطعن 24587 لسنة 61 ق ع بمعاقبة بعض الموظفين بعقوبة الإحالة للمعاش لكون الإضراب عن العمل يؤدى إلى تعطيل المرافق العامة، وبزعم أن ذلك يخالف أحكام الشريعة الاسلامية ومقاصدها، بما يفيد أن حيثيات الحكم الجديد تتضمن عدولا ضمنيا من المحكمة عما قضت به سابقا في ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول:
أن المحكمة في حكمها السابق كانت ترى أن حق الإضراب تقرر للعمال بموجب العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذى صدقت عليه مصر، وأن تنفيذ هذا العهد مقيدا بتحفظ مصر بعدم مخالفة أحكام الشريعة الاسلامية، وهو التحفظ الذى استندت إليه المحكمة في حكمها السابق وتجاهلت نصوص الدستور المصري، فضلا عن أن المحكمة كانت ترى أن “إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية”، أما في الحكم الحالي فقد عدلت المحكمة ضمنيا عن هذه الرؤية، ليؤكد مضمون مبدأها الجديد على أن الإضراب أضحى حقا دستوريا للعمال والموظفين الحكوميين وليس جريمة أو منحه، وأن الإضراب يستمد وجوده وقوته ليس فقط من الاتفاقية الدولية ولكن من النص عليه أيضا بدستوري 2012 و2014، حيث نصت المحكمة صراحة في حيثيات حكمها الجديد على (أنه بموجب دستوري 2012 و2014 لم يعد الإضراب منحة بل صار من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التي يعملون بها، أي سواء بالقطاع الحكومي أو العام أو الخاص).
المحور الثاني:
أن الحكم السابق كان يرى أن حق الإضراب “رهين بوضع القوانين المنظمة له بما لا يخالف الشريعة الاسلامية، وأن هذه القوانين لم تصدر حتى هذه اللحظة بل أصدر المجلس العسكري المرسوم بقانون 34 لسنة 2011، والذى يقطع بأن المشرع المصري تبنى موقفا متشددا إزاء إضراب الموظفين”، أما في الحكم الحالي فقد عدلت المحكمة عن هذه الرؤية وأكدت على أن تقاعس المشرع عن وضع قواعد تنظيم ممارسة الموظفين للإضراب لا يمنعهم من ممارسته لأنه سار حقا وليس جريمة تستوجب العقاب، ونصت صراحة في حيثيات حكمها الجديد قائلة (بمعنى أنه أضحى معترفا به كحق مشروع من حيث المبدأ ومنح المشرع واجب تنظيمه، وسواء نشط المشرع أو لم ينشط لينظم هذا الحق على النحو الذى يستحقه شعب عظيم قام بثورتين -ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونية 2013- فإن استعمال العمال لهذا الحق جلبا لحقوقهم دون إضرار بالمرافق العامة إنما هو استعمال مشروع لحق ثابت دستوريا ولا يستوجب عقابا).
المحور الثالث:
الحكم السابق كان يرى أن الإضراب عن العمل يؤدى إلى تعطيل المرافق العامة ومن ثم تعطيل مصالح المواطنين، وهو ما يعنى أن الموظف له منفعة حال مطالبته بحقوقه عن طريق الإضراب لكن هذه المنفعة يترتب عليها مفسدة وهى حرمان المواطنين من قضاء مصالحهم بسبب تعطل المرفق لإضراب الموظف عن العمل، وبالتالي يجب أن نُعمل القاعدة الفقهية بشأن “درء المفاسد مقدم على جلب المنافع” وبزعم أن “أحكام الشريعة الاسلامية لا تجيز توقف عمال المرافق عن تقديم الخدمة التي تقدمها إلى الجمهور”، أما في الحكم الحالي فقد عدلت المحكمة ضمنيا عن هذه الرؤية حيث يذهب مضمون مبدأها الجديد إلى أن أي إضراب عن العمل يعنى امتناع الموظفين عن القيام بمهام عملهم، وبالتالي سوف يترتب على ذلك حتما إيقاف العمل بالمرفق، لأنه من غير المنطقي القول بأن الإضراب حق دستوري وعند ممارسة الموظفين له نقول لهم أن هذا الامتناع مجرما ونقوم بمعاقبتهم، ونصت صراحة فى حكمها الجديد على (إذ أنه متى قرر الشارع حقا اقتضى ذلك حتما إباحة الوسيلة إلى استعماله، إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقا ثم يعاقب على الأفعال التي يستعمل بها، فيكون معنى ذلك تجريد الحق من كل قيمة وعصفا به كلية وتحريما ومصادرة كاملة للحق ذاته).
وقال خالد علي المستشار القانوني للمركز المصري أنه بموجب هذا الحكم الجديد فإن مجلس الدولة المصري يفرق بين أعمال تخريب المنشآت أو إجبار العمال والموظفين على عدم مزاولة العمل والتي تصاحب بعض الإضرابات، وبين الإضراب السلمي، فالجزاءات التأديبية أو الجنائية تقرر على أفعال التخريب أو منع العمل جبرا، أما الإضراب في حد ذاته فلا عقاب عليه متى مارسه العمال أو الموظفين بإراداتهم الحرة لأنه ليس جريمة بل أضحى حقا دستوريا لكل العمال والموظفين بموجب الاتفاقيات الدولية والدستور المصري، وبموجب المبادئ الأخيرة التي استقرت عليها أحكام المحكمة الإدارية العليا