الطريق الي cop27تقاريرعدالة بيئية

“سكة السلامة”: قصة معاهدة “كيوتو” للتغير المناخي.. “اللعب مع الكبار” وحلم بمستقبل بلا تلوث

لم يشهد كوكب الأرض حقبة مهددة لوجوده كالحقبة الحالية، نتيجة الوتيرة المتسارعة للتغير المناخي، وبما يخل بأمن الكائنات الحية كافة.

ومنذ مؤتمر ستوكهولم عام 1972، والذي دار حول البيئة البشرية، وحضره 113 مندوبًا ورئيسا دولتين، كانت هناك العديد من الاتفاقيات البيئية الدولية، والتي كان على رأسها قمة الأرض عام 1992، وما تبعها لاحقا من أول تطبيق عملي وملزم للاتفاقية، رسميًا بفضل بروتوكول “كيوتو” الموقع في اليابان.

واعتمد بروتوكول “كيوتو” عام 1997، بينما دخل حيِّز التنفيذ في عام 2005، واعتبارا من عام 2008، صادق 183 طرفا على الاتفاقية، ولكن لم تصدِّق الولايات المتحدة الأمريكية على البروتوكول اطلاقًا.

وفرض البروتوكول على37 بلدًا من البلدان المتقدمة تخفيض الانبعاثات بمعدل عام يبلغ نسبة 5% مقارنة بعام 1990، وتخفيض الانبعاثات بمعدل 8% للاتحاد الأوروبي، في الفترة الممتدة من عام 2008 إلى عام 2012، أما سائر البلدان، فلم تلتزم بمعدلات محدّدة بل أُشركت في عملية مكافحة تغيُّر المناخ عبر آليات تحفيزية.

تم تمديد البروتوكول في مؤتمر الدوحة في عام 2012، لفترة التزام ثانية تفرض هدفاً يتمثل في تقليص الانبعاثات العامَّة لغازات الدفيئة في البلدان المتقدمة بمعدل 18%على الأقل بين عامي 2013 و2020 مقارنة بمعدلات الانبعاثات في عام 1990.

كما جرى التوصل إلى تسوية نهائية بتحفيز من الاتحاد الأوروبي، الذي رغب في ربط تمديد التزامه ببروتوكول كيوتو باعتماد خريطة طريق لإبرام اتفاق عالمي.

والتزمت فرنسا والاتحاد الأوروبي بناءً عليه بالمشاركة في فترة الالتزام الثانية لبروتكول كيوتو اعتباراً يناير 2013.

التغير المناخي وخطره على مصر

صادقت مصر على البروتوكول عام 2005، كما شاركت في فترة الالتزام الثانية عبر قرار جمهوري عام 2019.

المعاهدة نصت على التزامات قانونية للحد من انبعاث 4 من الغازات الدفيئة ألا وهي، ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروس، فضلا عن سداسي فلوريد الكبريت، ومجموعتين من الغازات منها هيدروفلوروكربون، والهيدروكربونات المشبعة بالفلور، والتي تنتجها الدول الصناعية الكبرى.

وحدد جهاز شئون البيئة، التابع لوزارة البيئة، في تقريره حول حالة البيئة، 9 مخاطر أساسية للتغيرات المناخية تتعرض لها مصر، هي:

– زيادة أو انخفاض درجة الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، حيث سجل البنك الدولي في 2017، أن عام 2016، هو أشد الأعوام حرارة منذ بداية تسجيل درجات الحرارة، نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

– ارتفاع منسوب مستوى البحر وتأثيراته على المناطق الساحلية، حيث أنه من المتوقع زيادة مستوى سطح البحر 100 سنتيمتر حتى عام 2100، والذي سيؤدى إلى دخول المياه المالحة على الجوفية وتلوثها، وتملح التربة وتدهور جودة المحاصيل وفقدان الإنتاجية.

-زيادة معدلات الأحداث المناخية المتطرفة، مثل “العواصف الترابية، موجات الحرارة والسيول، وتناقص هطول الأمطار”.

– زيادة معدلات التصحر، وتدهور الإنتاج الزراعي وتأثر الأمن الغذائي.

– زيادة معدلات شح المياه، حيث تم رصد حساسية منابع النيل لتأثيرات التغيرات المناخية.

– سيؤثر تغير المناخ على نمط الأمطار فى حوض النيل، ومعدلات البخر بالمجاري المائية، وخاصة بالأراضي الرطبة.

– تدهور الصحة العامة، حيث تؤثر التغيرات المناخية بشكل مباشر على الصحة عند حدوث عواصف أو فيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، وبشكل غير مباشر من خلال التغيرات الحيوية لمدى انتشار الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، كما أن مصر معرضة بسبب ارتفاع درجة حرارتها الزائد عن معدلاتها الطبيعية، بانتشار أمراض النواقل الحشرية مثل: الملاريا، الغدد الليمفاوية، وحمى الضنك، حمى الوادي المتصدع.

-تدهور السياحة البيئية، حيث من المتوقع أن يؤدى ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تآكل السواحل المصرية، وقد تتأثر الشعب المرجانية، وتؤدى الضغوط البيئية إلى زيادة ابيضاضها، كما تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على ألوان وعمر الآثار والمنشآت التاريخية .

التزامات تفرضها “كيوتو”

يتضمن اتفاق كيوتو مجموعتين من الالتزامات المحددة تحقيقاً للمبادئ العامة التي أقرتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تتضمن المجموعة الأولى منها الالتزامات التي تتكفل بها جميع الأطراف المتعاقدة، في حين تختص المجموعة الثانية بمجموعة الالتزامات التي تتحملها الدول المتقدمة حيال الدول النامية.

أما الالتزامات والتي تتكون منها المجموعة الأولى فإنه يمكن القول أن البروتوكول يلزم الدول الموقعة عليها بقائمة محددة من الالتزامات لا يتم التفرقة فيها بين الدول المتقدمة والدول النامية فيها، فهي التزامات مشتركة تتكفل بتنفيذها كافة الأطراف المتعاقدة، والتي منها بطبيعة الحال مصر.

وتلزم المعاهدة بالتالي:

  • قيام 38 دولة متقدمة بتخفيض انبعاثات الغازات المسببة لتأثير الدفيئة بنسب تختلف من دولة لأخرى، على أن يجرى هذا التخفيض خلال فترة زمنيه محددة تبدأ في عام 2008 وتستمر حتى عام 2012.
  • الحفاظ على مستودعات الغازات الدفيئة كالغابات، والعمل على زيادتها من أجل امتصاص انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة التغير المناخي.
  • إقامة نظم ومناهج بحث لتقدير انبعاثات الغازات الدفيئة، وكذلك دراسة الآثار السلبية الناجمة عنها، والتبعات الاقتصادية والاجتماعية لمختلف سياسات مواجهة المشكلة.
  • التعاون الفعال في مجالات تطوير التعليم وبرامج التدريب والتوعية العامة في مجال التغير المناخي بما يهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
  • العمل على إنتاج وتطوير تقنيات صديقة للبيئة من خلال التركيز على الأنواع الأقل استهلاكا في الوقود، وبالتالي أقل من حيث احتراق الوقود وانبعاثات الغازات الضارة.

أما الالتزامات التي تحتويها المجموعة الثانية، فهي الالتزامات التي تتعهد بها الدول المتقدمة وحدها، وتلتزم بها في مواجهه الدول النامية لمساعدة هذه الأخيرة على الالتزام بالأحكام الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية من ناحية، وتشجيع الدول النامية على التعاون الفعال في إطار المنظومة الدولية لحماية البيئة من ناحية أخرى.

أما هذه الالتزامات المحددة والتي تخص دول المجموعة الثانية فيمكن تحديدها في التالي:

  • تتعهد الدول المتقدمة بتمويل وتسهيل أنشطة نقل التكنولوجيا منها إلى الدول النامية والأقل نموا، خاصه تلك التقنيات صديقة البيئة في مجالات الطاقة والنقل والمواصلات وغيرها.
  • تتعهد الدول المتقدمة بدعم جهود الدول النامية والأقل نموا في مجالات مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي والتأقلم معها.
  • التعاون المشترك مع الدول النامية والأقل نموا في آليه التنمية النظيفة، والتي تعد إحدى أهم الآليات التي حددها اتفاق كيوتو، وتنص هذه الآلية على التزام واضح من جانب الدول المتقدمة بالقيام بمشروعات في الدول النامية بغرض مساعدتها على الوفاء بمتطلبات التنمية المستدامة، والمساهمة في نفس الوقت بتحقيق الهدف الرئيسى لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الخاصة بتغير المناخ ومساعدة الدول المتقدمة في الالتزام بتخفيض الانبعاثات إلى الحد المقرر لها.

وهي الآلية التي تفيد كلاً من الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء، وتتمثل الفائدة التي تعود على اقتصاديات الدول النامية في وجود الاستثمارات القادمة من الدول المتقدمة على أراضيها، في حين تتمكن الدول المتقدمة من استخدام الانبعاثات الناتجة من أنشطة هذه المشروعات للإسهام في تحقيق جزء من التزاماتها الخاصة بتحديد وتخفيض كمي للانبعاثات.

ومن هنا فإن الدول النامية والأقل نمواً تنظر بعين الرضى والارتياح إلى اتفاق كيوتو نظرا لقلة الالتزامات التي ألقاها على عاتقها في مجال حماية البيئة، ومكافحة التلوث المناخي، وصيانة الغلاف الجوي للكرة الأرضية.

وعلى العكس من ذلك ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الاتفاق ظالم لها، وغير محقق لمصالحها، واستندت الولايات المتحدة في ذلك حين تدشين الاتفاقية إلى وجود دول وإن كانت نامية في الوقت الحالي، إلا أنها ليست كذلك في المستقبل القريب، خاصه الصين، والهند، حيث ستتحول هذه الدول الأخيرة لتصبح من بين الدول المسئولة عن ظاهرة انبعاثات الغازات الدفيئة.

واستناداً إلى وجهة النظر الأمريكية لحالة عدم التوازن في الالتزامات التي يتضمنها اتفاق كيوتو، دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى معارضة تصديق الولايات المتحدة على الاتفاق.

الإدارة الأمريكية رأت آنذاك أن التزام الولايات المتحدة بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبه 7% أقل من المستوى الذي كانت عليه 1990 خلال الفترة 2008-2012 لن يتم إلا بتكلفة عالية جدا، كما أن دولا أخرى مثل كندا انسحبت من المعاهدة عام 2011، لصالح نفس وجهة النظر.

وفي وقت سابق أطلق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حملة “سكة السلامة – الطريق إلى COP27″، تزامنا مع مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، المقرر انعقاده في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، في الفترة من السادس حتى الثامن عشر من نوفمبر المقبل.

وتركز الحملة – المستمرة على مدار 100 يوم – على عدد من المحاور التي تستهدف المساهمة في مواجهة التأثيرات السلبية الناتجة عن التغير المناخي، وتأثيراتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة في مصر، التي تعد من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن هذه التأثيرات، والدعوة لاتخاذ آليات وإجراءات حاسمة للحد منها.

ويشمل المحور الأول للحملة التوعية بآثار التغيرات المناخية، وانعكاساتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في عدد من القطاعات من بينها: الصحة، والصناعة، والزراعة، والنقل، والأنشطة البحرية، وغيرها، فضلا عن تأثيراتها على العاملين في هذه القطاعات.

ويتطرق المحور الثاني إلى إجراءات التقاضي في القضايا المتعلقة بالحقوق البيئية، في ظل التزامات الحكومة بتعهداتها بشأن المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها في هذا الإطار.

ويتناول المحور الثالث للحملة مدى التزام الحكومة بشأن تقليل الانبعاثات الكربونية، الذي يعد المحور الرئيسي لمؤتمر الأطراف، كما يتضمن المحور الرابع إعادة التعريف بالتزامات مصر تجاه قضايا البيئة والتغير المناخي من خلال الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، والإطار التشريعي الداخلي المتعلق بهذا الشأن.

ويستضيف المركز، من خلال الحملة، عددا من المختصين والخبراء في القضايا المتعلقة بحماية البيئة والتغيرات المناخية، كما يعقد ندوات وحلقات نقاشية في هذا الإطار، وينظم دورة تدريبية مجانية لعدد من المحامين الشباب على التقاضي من أجل الحقوق البيئية.

ويطلق المركز المصري حملة “سكة السلامة – الطريق إلى COP27″، انطلاقا من إيمانه بضرورة التحرك العاجل لمواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ، وأولوية قضايا حماية البيئة في هذه الفترة الحرجة، على أن ينتهي بمجموعة من التوصيات والمقترحات المقدمة من المختصين، لتقديمها للأطراف المعنية والمشاركة في مؤتمر المناخ. #سكة_السلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى