ديون وتنمية | آثار سياسات إصلاح الدعم لصندوق النقد على العدالة الاجتماعية، دراسة دولية جديدة بمشاركة المركز المصري

يمكنك الاطلاع على الدراسة أدناه، أو تحميلها مباشرة بجودة
قلّما أسفر تنفيذ مشورة صندوق النقد الدولي حول إزالة الدعم نجاحاً يذكر في بلدان المنطقة العربية، ويعود وقد أدت تنفيذ هذه المشورة بشكل غالب إلى ردود فعل شعبية واضطرابات اقتصادية. فعلى سبيل المثال، في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢، نفّذت الحكومتان الأردنية والمصرية إصلاحات الدعم، الا أنهما اضطرّتا إلى إلغائها لاحقاً في كلتا الحالتين بسبب المعارضة الشعبية واندلاع أعمال الشغب. وفي سبتمبر ٢٠١٣، أدّى خفض الدعم على الوقود في السودان إلى احتجاجات عنيفة وحملة قمع لاحقة من قبل قوات الأمن، وقد تسببت المواجهات في أكثر من ٥٠ حالة وفاة. أمّا اليوم، ووسط تصاعد السخط الاجتماعي والاقتصادي وانعدام الاستقرار السياسي، فمن شبه المؤكّد أن محاولات الحكومات للتراجع عن دعم السلع الأساسية ستؤدّي إلى ردّة فعل قوية من سكان البلدان العربية.
فبعد أن عكس حراك الشعوب في المنطقة العربية عدم تقبله للواقع الاقتصادي-الاجتماعي كما السياسي المرير الذي عاشته شعوب المنطقة في ظل انتهاج الحكومات العربية لسياسات لا تلبي مطامحها، تأتي المؤسسات المالية الدولية وفي طليعتها صندوق النقد الدولي لتعيد صياغة السياسات التقشفية التقليدية في اطار الاندماج المالي كحل لاقتصادات دول هذه المنطقة، وخاصة تلك التي تعيش حالة من الانتقال السياسي. انطلاقاً من هنا، ترى منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية حاجة لإعادة النظر في السياسة الاقتصادية الدولية تجاه المنطقة. وبما أن صندوق النقد الدولي هو المصمم الرئيسي لهذه السياسات، فلا بد من إيلاء اهتمام خاص للتوصيات القادمة من المؤسسة العملاقة متعددة الأطراف.
أعدت مؤخراً شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية بالتعاون مع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفريق عمل الشرق الأوسط في مؤسسة أمريكا الجديدة دراسة حول توصيات صندوق النقد الدولي إلى الحكومات العربية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالسياسات التقشفية ونظم الدعم. ويستند التقرير على استعراض منهجي لتقارير خبراء صندوق النقد الدولي حول الدول العربية في مرحلة الانتقال – تونس والمغرب والأردن واليمن ومصر – وعلى المشاورات مع منظمات المجتمع المدني والمفكرين على صعيد اقليمي.
يسلط التقرير الضوء على أن دعوة صندوق النقد الدولي لحكومات الدول العربية بتفكيك نظم الدعم على الطاقة والاطعمة، وتحفيز شبكات الأمان الاجتماعي، والتى يقوم التقرير بتحليلها، ليذلك بشكل خاص إلى عدم كفاية التدابير للتخفيف من زيادة العبء المالي على الفقراء والطبقة الوسطى. جدها غير مجدية، بل وكثيرا ما تؤتى بنتائج عكسية لما هى مصممة إليه وهو تحقيق الحماية والعدالة الاجتماعية. وتستنتج الدراسة إن ذلك يعود لسبب أن برامج الحماية الاجتماعية غير مؤهلة حاليا في البلدان طور الانتقال وفي ظل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتغيرة في المنطقة العربية. هذا ناهيك عن غياب المحاسبة واستشراء الفساد وضعف المؤسسات. ففي غياب خطط الحماية الاجتماعية القوية أو تدابير بديلة للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار السلع الأساسية، يؤكد التقرير على أن إزالة الدعم سيزيد من تقويض الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفئات الضعيفة.
تونس
في تونس مثلاً، بالرغم من أن خفض الدعم يمكن أن يخفف من تعقيدات الميزانية في تونس، إلا أن هذه التدابير من شأنها أن تفرض عبئاً إضافياً على الفقراء، وهي المجموعة التي يُعتبر استهدافها بالغ الصعوبة وهي الأكثر حاجة للحماية الاجتماعية. في المغرب، يرى ناشطون حقوقيون أن شبكات الأمان الاجتماعي ذات الاستهداف الجيد قد تؤدّي إلى التعويض عن أثر ارتفاع أسعار السلع الأساسية على القدرة الشرائية للطبقات الأكثر فقراً في المجتمع، إلا أن آثار شبكات الأمان على الطبقات الوسطى والاستهلاك المحلي يمكن أن تبقى سلبية. فشبكات الأمان الاجتماعي لا تمثل بدائل مثالية للدعم، لأن الصعوبات الإدارية والفنّية تعيق عملية الاستهداف.
الأردن
أما في الأردن، فمحاولة الحد من العجز المالي من خلال إصلاح نظام الدعم فقط، يمكنه، في أفضل الأحوال، أن يؤدّي إلى نتائج مؤقتة قصيرة الأجل. وسيتم استنساخ المعضلات المالية ما لم يتم الجمع بين إصلاح الدعم وبين التعديل الكبير في خيارات السياسة الاقتصادية الكلية. كذلك الأمر، إن نظم الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعية لا تؤمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء عند تخفيض الدعم، ، وتحديداً هؤلاء الذين يعملون في القطاع غير الرسمي الشاسع في الأردن، والذي يفتقر إلى إمكانية الحصول على الخدمات العامة والإعانات الاجتماعية.
اليمن
في اليمن، الذي هو من البلدان الأفقر عربياً، الوضع السياسي المتقلب عاجز عن تحمّل المزيد من الصدمات الاقتصادية نتيجة لخفض الدعم على المدى القريب. هذا وقد أكد ناشطون يمنيون أن العجز المالي في اليمن هو نتيجة للفساد في القطاع العام إلى حد كبير، وخاصة القطاعات التي تولّد الإيرادات للحكومة. ففي ظل تفاقم الفساد في اليمن، التحويلات النقدية للفقراء التي تهدف الى تخفيف الضغط قد تؤدّي إلى ملء جيوب المسؤولين الفاسدين أو النخب المحلية.
مصر
على الصعيد المصرى، قالت ماهينور البدراوى الباحثة بالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية : يسعى صندوق النقد الى تفتيت نظم الدعم فى مصر منذ عام 2007-2008 ، وذلك من خلال توصيات المشاورات الدورية مع الحكومة المصرية، الأمر الذى رفضت حكومة مبارك تنفيذه فى 2009 و2010 لما لذلك من تداعيات إجتماعية وسياسية خطيرة، طبقا لتقارير المادة الرابعة للصندوق. ومع ذلك، وبعد إندلاع الثورة، سارع الصندوق بالدفع بنفس التوصيات لحكومة عصام شرف الانتقالية، والتى بدأت بتنفيذها حكومة الاخوان فى 2012 ليعانى قطاع الزاعة اكبر نسبة من تخفيض الدعم تصل الى 75%. ومن المثير للقلق هو أن قامت حكومة الاخوان فى أشهرها الأخيرة. , من خلال وزارة التعاون الدولى بإبرام اتفاقية مع صندوق التحول للشرق الاوسط وشمال أفريقيا فى أبريل 2013 بالتعاون مع البنك الدولى لإعادة هيكلة قطاع الطاقة والدعم المصرى، دون أدنى حدود الشفافية أو العلانية فى هذا الملف المصيرى. اما بخصوص فاعلية المشروع المقترح، قالت البدراوى “فضلا عن غياب الشفافية، تعد خطة الصندوق لتفتيت الدعم فى مصر غير مجدية حيث تقوم فى الأساس على بناء شبكة معلومات لتوصيل الدعم الموجهه لمستحقيه من خلال تجميع قواعد البيانات القائمة من هيئات المرور والتكافل الاجتماعى وغيرها، والتى هي فى الأصل قديمة جدا ومتهالكة ولا تؤدي الغرض منها، وهو ما دعى إلى التفكير فى تطوير نظم الدعم فى بداية الأمر. بالإضافة، ففكرة الدعم الموجه للفئات الاكثر ضعفا تمثل خطرا على الفئات المتوسطة والتى نجحت فى البقاء فوق خط الفقر لما تتمتع به من تغطية للسلع الأساسية تحت نظام الدعم الشامل المطبق حاليا. ففى حال تفكيك نظام الدعم عن الغذاء، من المتوقع زيادة نسبة الفقر فى مصر من 25 إلى 35%، طبقا للإحصائيات الأخيرة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. وهذا بغض النظر عن الأضرار التى سيعانيها القطاع غير الرسمى والغير مدرج بقواعد البيانات الحالية، والذى يمثل حول 40% من الاقتصاد المصرى. ولهذا، يوصى المركز المصرى بالكف عن التطبيق الشامل والسربع لتفكيك نظم الدعم فى مصر من دون العمل على تطوير وبناء القدرات الاحصائية والبحثية للإجهزة البيروقراطية للدولة حتى تتمكن من رصد القطاع غير الرسمى والطبقات الوسطى والضعيفة حتى يتسنى لها بناء برنامج تطوير للدعم يعمل كنظام حماية إجتماعية فعال وحقيقى وأن يخضع للإختبارات الكافية فى المقام الاول حتى لا يأت بنتائج عكسية.
المنطقة العربية
على صعيد المنطقة العربية، يقول حسن شري، الباحث في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية: ينبغي على صندوق النقد الدولي أن يكيّف توصياته مع الظروف الخاصة بكل بلد، مع مراعاة الواقع الانتقالي للمنطقة العربية التي أظهرت بحراكها التاريخي مراد شعوبها بالحرية والعيش اللائق. هذا بدوره يتطلب أن يعدّل صندوق النقد في رؤيته حيال المنطقة، وبالتالي أن يساعد في وضع خطة إصلاح شاملة تحافظ على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والطبقة الوسطى، وتنقل البلاد من دول ذات طابع ريعي الى بلاد منتجة وقادرة.
في هذا الاطار، يوجه التقرير عدة توصيات لصندوق النقد الدولي، بما فيها:
- تعديل النصاىْح السياسية للحكومات العربية بعيدا عن ضبط أوضاع المالية العامة على المدى القريب نحو تعزيز القطاعات الاقتصادية المنتجة وبرامج الحماية الاجتماعية
- حث الحكومات الوطنية للتشاور مع منظمات المجتمع المدني – بما في ذلك النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية، والسلطات البلدية حول برامج الإصلاح الاقتصادي وخطط التنمية الوطنية، وخاصة فيما يتعلق بتطوير برامج الحماية الاجتماعية
- العمل مع الحكومات الوطنية لتطوير بدائل لإصلاح الدعم على المدى القصير، مثل تخفيف عبء الديون، وتطبيق نظم الضرائب التصاعدية
-
يمكنك الاطلاع على الدراسة أدناه، أو تحميلها مباشرة بجودة