أخرىالمكتبة القانونيةخصخصة و قضايا فسادسياسات اقتصاديةمكتبة | أحكام

حكم وقف تصدير الغاز لاسرائيل

حكم وقف تصدير الغاز لاسرائيل

ترافع فى القضية السفير ابراهيم يسرى

بسم الله الرحمن الرحيم

باسم الشعب

مجلس الدولة

محكمة القضاء الادارى

الدائرة الاولى

بالجلسة المنعقدة علنا يوم الثلاثاء الموافق 18/11/2008

برئاسة السيد الاستاذ المستشار الدكتور / محمد احمد عطية نائب رئيس مجلس
الدولة

و رئيس محكمة
القضاء الادارى
و عضوية السيد الاستاذ المستشار/ منير محمد غطاس نائب رئيس مجلس
الدولة
و عضوية السيد الاستاذ المستشار / فوزى على حسن شلبى نائب رئيس مجلس
الدولة

و بحضور السيد الاستاذ المستشار / محمود اسماعيل مفوض الدولة

و سكرتارية السيد / سامى عبد الله خليفة امين السر

اصدرت الحكم الاتى

فى الدعوى رقم 33418 لسنة 62ق

المقامة من:

ابراهيم يسرى سيد حسين عبد الرحمن

والخصوم المتدخلين الى جانبه وهم:

1- محمد فكرى عبد الكريم 2- ابراهيم مصطفى زهران

3- امين يسرى احمد يسرى 4- فخرى احمد عثمان

5- مهاب مقبل مصطفى 6- فتح الله محمد الضاحى

7- عزة محمد طاهر مطر 8- رباب حامد حسين

9- مى سعد زغلول محمد 10- ايمن احمد عبد الغفار

11- محمد فكرى عبد الرحمن

12- عمر عبد العزيز بصفته رئيس مجلس ادارة جمعية انصار حقوق الانسان بالاسكندرية

ضــــــد:

1- رئيس مجلس الوزراء ” بصفته “

2- وزير البتول والثروة المعدنية ” بصفته “

3- وزير المالية ” بصفته “

الوقائع

و تتحصل فى ان المدعى اقام دعواه الماثلة بصحيفة اودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 22/4/2008 طالبا فى ختامها الحكم:

اولا: فى الشق المستعجل بوقف تنفيذ قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 و الاتفاقات التى ترتبت عليه .

ثانيا: و فى الموضوع: بالغاء القرار المطعون فيه وكل ما ترتب عليه اويسند اليه من قرارات و اثار قانونية.

ثالثا: الغاء قرار وزير البترول برفع سعر البنزين و السولار حيث يمكن تعويضه من الدعم الذى منح لاسرائيل زالزام المدعى عليهم المصروفات و اتعاب المحاماة .

و ذكر المدعى شرحا لدعواه انه اتصل بعلمه ما سمى بمذكرة تفاهم وقعت على المستوى الوزارى بين مصر و اسرائيل و تعهدت فيها مصر بتوريد الغاز الطبيعى لاسرائيل بسعر مخفض للغاية لا يتجاوز دولارا و ربع الدولار فى حين ان قيمته السوقية حاليا (وقت رفع الدعوى) تزيد على تسعة دولارات.

و اشار الى ان هذه المذكرة لا ترقى الى مصاف المعاهدات الدولية و انه يلحقها البطلان المطلق وفقا لاحكام المادة 151/2 من الدستور و بالتالى فانها لا تصلح اساسا يستند اليه تعهد مصرى يهدر الثروة البترولية المصرية بسعر بخس.

و اضاف المدعى انه علم فى تاريخه بأن المدعى عليه الثانى – بصفته – اصدر القرار الوزارى رقم 100 لسنة 2004 و الذى اعتبر سريا فلم ينشر بالجريدة الرسمية و قد اشار فى ديباجته الى قرار لمجلس الوزراء فى اجتماعه بتاريخ 18 سبتمبر 2000 و الذى يمنح وزارة البترول ممثلة فى الهيئة العامة للبترول الحق فى التفاوض و التعاقد مع شركة غاز شرق البحر الابيض المتوسط من اجل بيع (7) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى لاسرائيل على مدار خمسة عشر عاما قابلة للتجديد ، و انه تم توجيه خطاب الى رئيس مجلس ادارة شركة غاز شرق المتوسط اشير فيه الى انه تم ابلاغ الجانب الاسرائيلى بأن مجلس الوزراء فى اجتماعه بتاريخ 18 سبتمبر 2000 قرر تحديد سعر البيع من الهيئة المصرية العامة للبترول فى ميناء العريش بسعر 75 سنتا و بسعر اقصى دولار و ربع الدولار .

و استطرد المدعى قائلا انه بناءا على هذا القرار قام رئيس مجلس ادارة شركة ايجبك و هى شركة مساهمة مصرية و الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وهى شركة قطاع عام بتوقيع اتفاق لتوريد كميات من الغاز الطبيعى ونقله و بيعه الى اسرائيل عبر شركة غاز شرق البحر الابيض المتوسط.

و ينعى المدعى على القرار صدوره باطلا ومنعدما لمخالفته للدستور و القانون ، و ان الدعم الكبير الذى يؤمنه توريد الغاز لاسرائيل بأسعار رمزية لا تصل الى عشر السعر العالمى و السائد قد انعكس سلبا على مصلحته و غيره من المواطنين المصريين ، و قد تجسد ذلك فى تقليص الدعم لمحدودى الدخل بزيادة اسعار البنزين و السولار ومنتجات بتروكيميائية عديدة.

و اشار المدعى الى انه تظلم الى المدعى عليه الثانى بصفته من القرار رقم 100 لسنة 2004 طالبا الغائه و الغاء قراره برفع اسعار البنزين والسولار ، و خلص المدعى الى طلب الحكم له بطلباته سالفة الذكر فى صدر الوقائع.

و قد نظر الشق العاجل من الدعوى امام المحكمة بجلسة 13/5/2008 و ما تلاها من جلسات حيث اودع المدعى ثمان حوافظ مستندات وثلاث مذكرات بدفاعه حدد فى الاخيرة منها طلباته الختامية فى الدعوى بطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 100 لسنة 2004 و ما يترتب عليه من اثار ، و فى الموضوع بالغاء القرار والزام المدعى عليهم المصروفات.

و قد ردت جهة الادارة على الدعوى فقدمت حافظة مستندات من بين ما طويت عليه صورة من القرار المطعون فيه كما قدمت مذكرة دفاع طلبت فى ختامها الحكم:

اصليا: بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى و القضاء عموما ولائيا بنظر الدعوى.

و احتياطيا:

1- بعدم قبول الدعوى شكلا لانتفاء القرار الادارى.

2- بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد المقرر قانونا.

3- بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة اومصلحة و الزام المدعى المصروفات فى اى من الحالات السابقة.

و اثناء نظر الشق العاجل من الدعوى حضر بأشخاصهم و بوكلاء عنهم كل من:

1- محمد فكرى عبد الكريم 2- ابراهيم مصطفى زهران

3- امين يسرى احمد يسرى 4- فخرى احمد عثمان

5- مهاب مقبل مصطفى 6- فتح الله محمد الضاحى

7- عزة محمد طاهر مطر 8- رباب حامد حسين

9- مى سعد زغلول محمد 10- ايمن احمد عبد الغفار

11- محمد فكرى عبد الرحمن

12- عمر عبد العزيز بصفته رئيس مجلس ادارة جمعية انصار حقوق الانسان بالاسكندرية.

و طلب هؤلاء التدخل انضماميا الى جانب المدعى فى الحكم لهم بطلباته فى الدعوى و اوضحوا ان الدعم الذى يؤمنه توريد الغاز لاسرائيل بأسعار رمزية لا تصل الى عشر الاسعار العالمية السائدة قد انعكس سلبا على مصلحة الدولة ومصلحتهم كمواطنين مصريين وتجسد ذلك فى تقليص الدعم لمحدودى الدخل بزيادة اسعار البنزين والسولار وغيرها من المنتجات البتروكيميائية.

و اشاروا الى تمسكهم بكل ما ورد بمذكرات دفاع المدعى وحوافظ مستنداته و اودعوا عرائض معلنة بتدخلهم.

و من ناحية اخرى فقد طلب كل من:

1- كرم عبد الله عبد الرحيم 2- هانى السعيد حسن

3- صلاح حسين النجار 4- علاء الدين فتحى عبد الجواد

5- محمد امين المعداوى 6- محمد سعد عمارة

7- حسن احمد حسن 8- محمد فتحى سيد

9- ماجد عادل صموئيل 10- جاد الله سيد طه

11- صادق عبد العزيز الباجورى 12- محمد احمد فؤاد

13- محمد صلاح محمد هاشم 14- حسنى مصطفى عبد اللطيف

15- ايمن محمد عوض الله حجازى 16- حمدى محمد مدنى

17- اعصام احمد نصر 18- طارق اسماعيل الباجورى

19- خالد عمر شريف 20- بدوى عبد الفتاح عبده

21- هانى عاطف السيد 22- كريم يحيى لاشين

23- ابراهيم توفيق احمد 24- خالد محمد عوض

طالبوا التدخل انضماميا الى المدعى عهليهم الحكم لهم بالطلبات التى ابدتها جهة الادارة دفاعها المقدمة بجلسة 1/9/2008 ردا على الدعوى و ذكروا فى معرض بيان الصفة و المصلحة فى طلب تدخلهم انهم من مواطنى جمهورية مصر العربية و لهم مصلحة مباشرة فى استقرار الاقتصاد المصرى وتأمين دعم السلع الاساسية المترتبة على توفير موارده من العملة الصعبة الذى يستفيد منه الطالبون و غيرهم من مواطنى مصر.

و بجلسة 7/10/2008 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فى الشق العاجل بجلسة اليوم ، و فيها صدر الحكم و اودعت مسودته المشتملة على اسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق ، و سماع الايضاحات ، و المداولة قانونا.

و حيث ان طلبات المدعى الختامية تنحصر فى طلب الحكم بقبول الدعوى شكلا، و بوقف تنفيذ و الغاء قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004مع ما يترتب على ذلك من اثار ، و الزام جهة الادارة المصروفات.

ومن حيث ان الدعوى تداولت امام المحكمة على النحو السالف بيانه.

ومن حيث انه على طلبات التدخل فقد اجاز المشرع بموجب نص المادة (126) من قانون المرافعات لكل ذى مصلحة ان يتدخل فى الدعوى منضما لاحد الخصوم و يكون التدخل بالاجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة او بطلب يقدم شفاهة بالجلسة فى حضورهم و يثبت فى محضرها “.

ومتى كان المتدخلون انضماميا الى جانب المدعى من مواطنى جمهورية مصر العربية و قد اوضحوا فى صحف تدخلهم المقدمة الى المحكمة ان مصالحهم ستمس و انهم متضررون من النتائج المترتبة على القرار المطعون فيه و المتمثلة فى بيع الغاز الطبيعى المصرى و هو من الثروات الطبيعية للبلاد الى اسرائيل بأسعار لا تتناسب و سعرها العالمى السائد ، الامر الذى يهدر جزءا من موارد الدولة و ثروتها القومية و التى يمكن ان تعود عليهم بالنفع لو روعى التصرف فى هذه الثروة بما يحفظ لمصر حقوقها.

ومتى كان ذلك فان تدخلهم الى جانب المدعى فى طلباته المتمثلة فى طلب الحكم بوقف تنفيذ و الغاء القرار المطعون فيه ، و يكون قائما على سنده المبرر له و يكون مقبولا ، و هو ما تقضى به المحكمة.

و من حيث انه عن طلبات التدخل الانضمامى الى جانب جهة الادارة فان اوراق التدخل الخاصة بهؤلاء الطالبين لم تتضمن ما يفيد ان لهم مصلحة قانونية فى طلباتهم التى ابدتها جهة الادارة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى او بعدم قبولها ذلك ان حرصهم على استقرار الاقتصاد المصرى و توفير العملة الاجنبية اللازمة لتوفير السلع الغذائية – كما جاء ذلك فى بيان اسانيد تدخلهم – انما تتحقق لا من خلال الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى او بعدم قبولها ، كما تطالب جهة الادارة التى يطلبون التدخل انضماميا الى جانبها ، و انما تتحقق لو اجيب المدعى الى طلباته بوقف تنفيذ والغاء القرار الطعين مع ما يترتب على ذلك من اثار و بالتالى حصول مصر على اسعار مناسبة و عادلة نظير بيع ثرواتها الطبيعية ، الامر الذى يحقق عائدا اعلى وايرادا اكبر وموارد اكثر لمصر من شانها تحقيق الاستقرار الاقتصادى المنشود وتوفير موارد لدعم السلع الاساسية للمواطنين.

ومتى كان ذلك فانه لا توجد مصلحة ظاهرة فى طلب المذكورين التدخل الى جانب جهة الادارة و بالتالى يتعين القضاء بعدم قبول طلبات التدخل الخاصة بهم.

و من حيث انه عن دفع الحاضر عن جهة الادارة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى باعتبار انها تتعلق بعمل من اعمال السيادة فان المادة (11) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على ان ” لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة “.

و مؤدى ذلك على ما استقر عليه الفقه و القضاء ان اعمال السيادة هى تلك التى تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة فهى تارة تكون اعمالا منظمة لعلاقة الحكومة بمجلسى الشعب و الشورى او منظمة للعلاقات السياسية بالدول الاجنبية و هى طورا تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الامن العام من اضطراب داخلى او لتأمين سلامة الدولة من عدو خارجى.

و اعمال السيادة بهذا المفهوم – و التى تتصل اتصالا وثيقا بنظام الدولة وسيادتها فى الداخل و الخارج – لا تمتد اليها رقابة القضاء ، اما غير ذلك من القرارات الادارية او الاعمال التى تمارسها الحكومة بوصفها سلطة ادارية فانها تخضع لرقابة القضاء الادارى طبقا لاحكام الدستور و القانون باعتباره صاحب الولاية العامة والقاضى الطبيعى المختص بنظر الطعون فى القرارات الادارية النهائية سلبية كانت او ايجابية.

و غنى عن البيان ان للقضاء سلطة تقرير الوصف القانونى للعمل المطروح عليه و ما اذا كان يعد عملا اداريا عاديا يختص بنظره اوعملا من اعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه.

ومن حيث انه لما كان ما تقدم و كان الثابت بالاوراق ان المنازعة الماثلة تدور حول سلطة الادارة فى تنظيم و ادارة واستغلال موارد الدولة و احد ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها و قد اختصمها المدعى كسلطة ادارية تقوم على هذا المرفق و ينبغى عليها ان تلتزم فى ذلك حدود الدستور و القانون و ضوابطهما . و هذا من جانب جهة الادارة يعد من صميم وظائفها الادارية و من الاعمال التنفيذية التى تمارسها الحكومة بوصفها سلطة ادارية ، ومن ثم فلا يعد تصرفها فى هذه الحالة ولا القرار الصادر بشأنه من اعمال السيادة بالمعنى القانونى و الدستورى ، و انما يعتبر من قبيل اعمال الادارة التى يقوم على ولاية الفصل فيها القاضى الادارى دون سواه طبقا لنص المادة (172) من الدستور.

و متى كان ذلك فان للمحكمة بسط رقابتها على القرار المطعون فيه و يضحى الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى – فى هذه الحالة – فى غير محله متعينا رفضه.

و من ناحية اخرى و اذ استجمعت المنازعة الماثلة صفة المنازعة الادارية لتعلقها بقرار ادارى – افصحت من خلاله جهة الادارة عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين و اللوائح بغرض احداث اثر قانونى معين – على نحو ما سلف بيانه ، و من ثم يغدو الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الادارى غير قائم على سند من الواقع و القانون متعينا رفضه و الالتفات عنه.

ومن حيث انه عن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد فانه لم يقم بالاوراق ما يفيد علم المدعى – علما يقينا شاملا – بالقرار الطعين فى تاريخ سابق على قيامه برفع الدعوى.

اما عن الدفع المبدى من الجهة الادارية بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة و المصلحة لرافعها ، فان قضاء هذه المحكمة قد استقر على ان شرطا الصفة و المصلحة يندمجا و تتحقق المصلحة فى دعوى الالغاء فى كل حالة يكون رافعها فى حالة قانونية خاصة بالنسبة الى القرار المطعون فيه من شأنها ان اجعل القرار يؤثر فى مصلحة جدية له.

ومن حيث انه لما كان الثابت من اوراق الدعوى انه بموجب الطعن يتم بيع الغاز الطبيعى المصرى بثمن لا يتناسب البته مع السعر العالمى السائد على نحو مات ذكره المدعى و لم تجحده جهة الادارة او تعقب عليه ، و من شان ذلك اهدار جزء من ثروات مصر وعوائدها التى كان يمكن لو حسن التصرف فى هذه الثروة – ان تعود على المدعى وغيره من المتدخلين انضماميا و غيرهم من المواطنين المصريين بارتفاع فى دخولهم و مستوى معيشتهم وتحسين فى الخدنات التى تؤديها الدولة وخاصة ما تعلق منها بتأمين المجتمع و العمل على تطويره الامر الذ1ى يكون معه للمدعى و المتدخلين انضماميا اليه مصلحة جدية تبرر لهم اللجوء الى القضاء ومنازعة مسلك جهة الادارة بغية القضاء لهم بالطلبات التى ابدوها انتصارا لمبدأ المشروعية و سيادة القانون. و مراعاة الصالح العام، ومن ثم تقضى المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا و الدفع بعدم قبولها لانتفاء الصفة و المصلحة.

و تكتفى المحكمة بما ورد فى الاسباب بالنسبة للدفوع الاربعة الاخيرة دون الاشارة اليها مجددا فى المنطوق.

و من حيث ان الدعوى قد استوفت اوضاعها الشكلية و الاجرائية فانها تكون مقبولة شكلا.

و من حيث انه يلزم للحكم بوقف تنفيذ القرار الادارى طبقا لنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 توافر ركنين مجتمعين اولهما ان يستند اتلطلب الى اسباب جدية، و ثانيهما: ان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.

و من حيث انه عن ركن الجدية فان قضاء المحكمة الدستورية العليا قد تواتر على ان الاصل فى نصوص الدستور انها تمثل القواعد والاصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، و هى باعتبارها كذلك تتبوأ مكان الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين احترامها و العمل بموجبها باعتبارها اسمى القواعد الامرة و احقها بالنزول على احكامها و اذا كان الدستور قد حدد لكل سلطة عامة من سلطات الدولة – التشريعية و التنفيذية و القضائية – وظائفها الاصلية و صلاحيتها فانه يتعين على كل سلطة فى مباشرتها لها ان تلتزم حدودها الطبيعية و ان تردها الى ضوابطها الدقيقة التى عينها الدستور بما يحول دون تدخل اى منها فى اعمال السلطة الاخرى او مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها و الا وقع عملها مخالفا للدستور.

و من حيث انه لما كان ذلك و كان نص المادة (123) من الدستور يجرى على ان ” يحدد القانون القواعد و الاجراءات الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية و المرافق العامة ..”.

و المستفاد من النص المتقدم ان الدستور قد حرص على حماية موارد الثروة الطبيعية للبلاد باعتبارها موردا مهما من موارد الدولة ليست ملكا للاجيال الحالية فحسب بل يشترك فى ملكيتها لاجيال المستقبلة فنص صراحة على ان يحدد القانون القواعد و الاجراءات الخاصة بمنح التزامات استغلال موارد الثروة الطبيعية و المرافق العامة.

ومن حيث انه بموجب ذلك فانه يتعين على السلطة التنفيذية اللجوء الى مجلس الشعب للحصول على موافقته على منح الالتزامات المشار اليها و يعتبر ذلك اجراءا يحتمه الدستور و شرطا اساسيا لنفاذ العمل ونوعا من الرقابة التى تمارسها السلطة التشريعية – بنص الدستور على بعض اعمال الادارة.

و تتمثل الفلسفة التى تبرر اعطاء هذه السلطة لمجلس الشعب فى الصفة التمثيلية للجهاز التشريعى فهو بحسب الاصل يكون منتخبا من الشعب و يعبر عن ارادة اغلبيته و بالتالى فهو اصلح الاجهزة القادرة على مراقبة عمل الادارة فيما يخص منح التزامات استغلال موارد الثروة الطبيعية للشعب وكذلك المرافق العامة التى تنشأ لخدمة الشعب و تلبية حاجاته.

و بالنظر الى ان الثابت من استعراض قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 المطعون فيه فوض كل من رئيس مجلس اداة الشكرة المصرية القابضة للغازات الطبيعية و رئيس مجلس ادارة الهيئة المصرية العامة للبترول فى انهاء اجراءات التعاقد كطرف بائع للغاز الطبيعى مع شركة شرق البحر الابيض المتوسط ، وكطرف ثالث ضامن لكميات الغاز الطبيعى و مواصفاته ومدة التوريد فى عقود شركة شرق البحر الابيض المتوسط للغاز لتصدير الغاز الطبيعى من خلال خط انابيب مع الشركات الواقعة فى منطقة البحر المتوسط و اوروبا بما فيها شركة كهرباء اسرائيل.

و طبقا لما ورد بهذا القرار فقد حدد مجلس الوزراء بمجلسته المنعقدة بتاريخ 18 سبتمبر 2000 لكل من الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية و الهيئة المصرية العامة للبترول اسعار بيع الغاز الطبيعى لشركة شرق البحر الابيض المتوسط و اشتراطات البيع و الزامها بالتعاقد مع الشركة المذكورة فى حدود هذه الاسعار وهى خمسة وسبعون سنتا للوحدة الحرارية من الغاز ولا تجاوز دولارا و ربع الدولار وكذا اشتراطات التوريد ومدته التى بلغت خمسة عشر عاما قابلة للتجديد لمدة خمس سنوات اخرى.

و هذا ما فوض وزير البترول كل من الهيئة المصرية العامة للبترول و الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية فى العمل بموجبه دون عرض هذا الالتزام المرتبط باستغلال احد اهم موارد الثروة الطبيعية فى البلاد على مجلس الشعب – حسبما ينص على ذلك الدستور فى المادة (123) سالفة الذكر، الامر الذى يعد افتئاتا على اختصاص مجلس الشعب و سلطته المقررة دستوريا فى الموافقة على منح الالتزام فى الحالة المعروضة.

ومتى كان لك فان القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من تعاقد على بيع الغاز الطبيعى لشركة شرق البحر الابيض المتوسط بالاسعار المشار اليها و مدد التوريد الطويلة سالفة البيان يكون قد صدر معدوما لمخالفته احكام الدستور. ولا يترتب عليه اى اثر قانونى.

و من حيث انه فضلا عما سبق فقد استقر قضاء مجلس الدولة على انه يحق للقاضى الادارى ان يتحرى بواعث القرار الادارى وملابسات اصداره وما اذا كان مصدره قد تغيا وجه المصلحة العامة او الغاية التى قصدها القانون ام تنكب السبيل و انحرف به عن غايته الى غاية اخرى غير المصلحة العامة اوحتى غاية ادنى فى اولويات الرعاية و مدارجها من غايات تعلو ومصالح تسمو و غايات تبتغى.

لما كان ذلك وكان البادى من ظاهر الاوراق و فى ضوء ظروف اصدار القرار المطعون فيه انه صدر من وزير البترول ملزما الهيئة المصرية العامة للبترول و الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بالتعاقد على بيع الغازات البتروليى و ضمان توريدها الى شركة بعينها و ذلك بشروط مجحفة و اسعار بخسة مقدارها خمسة و سبعون سنتا لكل وحدة غاز حرارية فى الوقت الذى يتجاوز فيه السعر العالمى لهذه المنتجات تسعة دولارات (وقت رفع الدعوى) حسبما ذكر ذلك المدعى بعريضة دعواه و بالمستندات المقدمة منه و التى لم تعقب عليها جهة الادارة او تجادل فى دلالتها او صحتها.

و من حيث انه قد ورد كذلك بالمستندات المشار اليها ان مسئولين كبار بالحكومة ونوابا مجلس الشعب وخبراء مصريين متخصصين طالبوا مرارا بضرورة مراجعة عقود تصدير الغاز و ذلك للحصول على اسعار عادلة لبيع هذه الثروة و بالنظر لان البيع بالاسعار الحالية الواردة بعقود البيع المبرمة بناء على القرار المطعون فيه قد اهدرت و تهدر يوميا على خزينة الدولة ملايين الدولارات و بذلك تفقد مصر موردا مهما من مواردها و جزءا كبيرا من ثروتها – و التى كان يمكن لو احسنت الادارة التصرف فيها – ان تحقق زيادة كبيرة فى عائدات الدولة المالية بما من شانه ان يعود على المجتمع بتحسين فى دخل افراده و خدمات اضافية تيسر له سبل المعيشة.

و اذ يتعارض تصرف الادارة سالف الذكر مع اعتبارات الصالح العام الذى يجب ان تسعى اليه كافة اجهزة الدولة، كما انه لا يستقيم مع ما تقضى نصوص الدستور المصرى من حرمة الملكية العامة والزام كل مواطن بواجب حمايتها ودعمها باعتبارها سندا لقوة الوطن (مادة 23 من الدستور) و من ضرورة تنظيم الاقتصاد القومى وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل زيادة الدخل القومى و عدالة التوزيع و رفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة و زيادة فرص العمل و ضمان حد ادنى للاجور (م23 من الدستور).

و متى كان تقدم فان جهة الادارة باصدارها القرار المطعون فيه الذى لا يمت للمصلحة العامة للمجتمع و يهدر جزءا مهما من ثروة البلاد الطبيعية التى وهبها الله

للشعب تكون قد انحرفت بسلطتها واساءت بشدة استعمالها.

و من حيث انه من ناحية اخرى و لما كان البادى من ظاهر الاوراق ان القرار المطعون فيه لم ينشر – رغم كونه قرارا وزاريا – كما لم تنشر تفاصيل و شروط تصرف الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعى المصرى الى شركة شرق البحر الابيض المتوسط و منها – الى اسرائيل رغم مطالبة العديد من نواب الشعب و الخبراء المتخصصين فى مصر بالاطلاع على تفاصيل هذه الصفقة و رغم الجدل الكبير الذى يدور فى الاوساط العلمية حول حجم الاحتياطى المصرى من هذه الثروة الناضبة على نحو ما ورد بالمستندات المقدمة من المدعى.

بالاضافة الى ما نطقت به الاوراق ظاهرا من سرعة متناهية و تعاصر مريب فى انشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (شركة قطاع عام) و انشاء شركة شرق البحر الابيض المتوسط و هى شركة مساهمة قطاع خاص و تعديل نشاط الشركة الاخيرة و الغرض منها ثم منحها – فور ذلك – دون غيرها عقد امتياز و احتكار شراء الغاز الطبيعى المصرى الذى يتم تصديره (فى هذه الحالة) الى اسرائيل، الامر الذى يثير التساؤل عن اسباب ذلك التزامن العجيب وعن السرية و التكتم الشديد الذى فرضته جهة الادارة حول صفقة بيع الغاز المصرى لاسرائيل و المترتبة على صدور القرار المطعون فيه، وحجب تفاصيلها عن الشعب ونوابه و ذلك ما يتعارض مع الشفافية التى بات امرها مستقرا فى ضمير الامة و العالم المتحضر، و مع المسيرة الديمقراطية التى تشهدها البلاد، كما انه يخل بالثقة الواجب توافرها فى تعاملات جهة الادارة.

و من حيث انه لما تقدم جميعه يكون القرار المطعون فيه قد صدر – بحسب الظاهر معدوما لمخالفته احكام الدستور و القانون وبذلك يتوافر ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ.

و من حيث انه عن ركن الاستعجال فهو متوافر بأجلى صورة فى الطلب الماثل لما يترتب على استمرار تنفيذ القرار من نتائج يتعذر تداركها و خسائر جسيمة للاقتصاد المصرى تزداد يوميا، و كان يمكن تلافى هذه الخسائر و استفادة المدعى وغيره من المواطنين من عائدات هذه الثروة لو تصرفت الادارة فى هذه الموارد المملوكة للشعب بذات الاسعار السائدة و الشروط التى تتعاقد بها الدول الحريصة على تنمية ثرواتها و رفاهية شعوبها.

و ترتيبا على ما تقدم ايضاحه ، و اذ استوى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قائما ومتوافرا على ركنى الجدية و الاستعجال فان المحكمة تقضى بوقف تنفيذه.

و من حيث ان من خسر الدعوى يلزم المصروفات عملا بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الاسباب

حكمت المحكمة: اولا: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى و باختصاصها.

و ثانيا: بقبول تدخل الخصوم المنضمين الى جانب المدعى.

و ثالثا: برفض طلبات الخصوم المتدخلين الى جانب جهة الادارة لانعدام الصفة و المصلحة و الزمتهم مصروفات التدخل.

و رابعا: بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه تضمنه من بيع الغاز الطبيعى لاسرائيل مع ما يترتب على ذلك من اثار و الزمت جهة الادارة مصروفات هذا الطلب و امرت باحالة الدعوى الى هيئة مفوضى الدولة لاعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الالغاء.

سكرتير المحكمة رئيس المحكمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى