تقرير الاحتجاجات العمالية لعام 2014
مقدمة
بعد مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة المصرية العظيمة في ٢٥ من يناير ٢٠١١، وفي ظل تداول خمسة أنظمة سياسية، وست حكومات متعاقبة للسلطة في مصر، لم يتوقف المصريون عن الاحتجاج واستغلال حقهم في التعبير عن الرأي في الأماكن العامة، مطالبين بحقوق أساسية، على رأسها الحق في العمل وحقوق العمال والحق في الصحة والسكن والتعليم والضمان الاجتماعي، ومطالبين الحكومة المصرية بالتعويض، والعدالة، والشفافية إزاء ما واجهوه من انتهاكات لحقوقهم، أو ما تعرضوا له من فساد وإهمال. وجاء العمال على رأس المحتجين من أجل ظروف عمل عادلة، ومن أجل تطبيق الحد الأدنى للأجور، والمطالبة بالمستحقات المالية، ومكافحة الفساد في أماكن العمل، واعتراضا على تعسف أصحاب العمل في فصلهم من العمل، أو حرمانهم من الحق في التنظيم ولا سيما ممارسة العمل النقابي.
اختلفت الأنظمة المتتابعة على حكم مصر، بدءا من نظام مبارك، مرورا بحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبعده حكم الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس المخلوع محمد مرسي، ثم حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور وأخيرا حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.. وبالرغم من تتابع الأنظمة واختلافها من جهات متعددة، إلا أن السياسة الاقتصادية والقرارات والقوانين الماسة بحقوق العمل في مصر لم تختلف، فكانت سمة السنوات الأربع الماضية منذ اندلاع الثورة المصرية وعودا كاذبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، واستكمالا للتعسف ضد العمال في الفصل والنقل، وتعميقا لسياسة الدولة في تجريم العمل النقابي ومحاسبة العمال على ممارسته، ولا سيما تجريم الإضراب والتظاهر وأي نشاط عمالي يسعى للمطالبة بحقوق العمال.
وهكذا، استمر العمال المصريون في استخدام حقهم في الاحتجاج من أجل المطالبة بدور الدولة، سواء كانت الدولة تمثل لهم صاحب العمل، للعاملين في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال، أو كانت الدولة المنظم للاقتصاد وعلاقات العمل، والمسئولة عن حماية حقوق العمال المصريين في شتى القطاعات الأخرى.
ومن هنا، نتقدم باحصاءات حول نشاط الاحتجاج العمالي في عام 2014. وننوه أن الاحصاءات تلك لاحتجاجات العمال في علاقتهم مع صاحب العمل الفقط، ولا تشمل كافة أنواع الاحتجاجات التي يقوم بها العاملين في مجالات وقطاعات أخرى، بلا صاحب عمل، كالصيادين والمزارعين والباعة الجائلين، وغيرهم ممن تختلف طبيعة احتجاجاتهم ومطالبهم الموجهة ضد الحكومة كمنظم للاقتصاد، وليس كصاحب عمل. وسنفرد مساحة في تقرير لاحقة لتلك الفئات، وغيرها من الفئات الاجتماعية التي تحتج من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومطالبة باالعدالة الاجتماعية.
[quote_left]
1655
احتجاج عمالي في 2014
[/quote_left]
تطور الاحتجاجات العمالية منذ 2004
تعد الحركة العمالية المصرية من أبرز العوامل التي أثرت في تطور وبلورة المجال العام المصري في العقد الماضي، فهي بلا شك الحركة الاكثر نموا، واستمرارية، وانتشارا، لتضم الملايين من العمال، حيث تشير التقديرات أن عدد من شاركوا بالحركة الاحتجاجية العمالية قبل ٢٠١٠ يتراوح ما بين اثنين وأربعة مليون عامل وعاملة مصريين، وتزايد عدد المشاركين بها منذ ثورة الـ٢٥ من يناير 2011. وهكذا، فمن أجل فهم الحركة العمالية في عام 2014 والربع الأول من 2015، ينبغي علينا تحليل مسارها وتطورها منذ عام ٢٠٠٤، وملاحظة انتشارها وتطورها قبل وبعد اندلاع الثورة المصرية. وقد مرت الحركة بثلاثة قفزات في معدل وانتشار الاحتجاجات في العقد الماضي، أولها كان في عام ٢٠٠٤، حيث تضاعف معدل الإحتجاجات من ٨٦ احتجاج عمالي في عام ٢٠٠٣ الى ٢٦٦ في عام ٢٠٠٤. ثم ارتفع المعدل في خطوة أخرى من ٢٢٢ احتجاج عام ٢٠٠٦ إلى ٦١٤ احتجاجا عام ٢٠٠٧، وصولا الى عدد ٧٢٨ احتجاجا في عام ٢٠٠٩؛ أما النقلة الثالثة في معدلات الاحتجاج كانت في عام الثورة حيث تضاعف المعدل مرة أخرى من ٥٣٠ احتجاج في عام ٢٠١٠ الى حوالي ١٤٠٠ احتجاج في عام ٢٠١١ – في تشابك واضح بين مسار الثورة ومسار الحركة العمالية. واستمر الحراك في الارتفاع وصولا لـ1969 احتجاجا في عام ٢٠١٢، ومرتفعا إلى 2239 احتجاجا في عام ٢٠١٣ في معدلات غير مسبوقة في تاريخ مصر، لينخفض مرة أخرى الى ١٦٥٥ احتجاج في عام ٢٠١٤.
ولا يعد انخفاض معدل الإحتجاجات العمالية في عام ٢٠١٤ مقارنة بالعام السابق دليلا بالضرورة على انحسار الحركة أو بداية نهايتها، فهو الانخفاض الأول بعد ثلاث سنوات من الصعود المطرد منذ اندلاع ثورة ٢٥ من يناير، ولكنه ليس الأول في خط زمني متأرجح منذ ٢٠٠٤. فقد تلى الارتفاع في عدد الاحتجاجات في ٢٠٠٤ انخفاض نسبي من ٢٦٦ الى ٢٠٢ احتجاج في ٢٠٠٥ ليتضاعف مجددا في ٢٠٠٧، كما انخفض معدل الاحتجاجات من ٧٢٨ احتجاجا في ٢٠٠٩ الى ٥٣٠ احتجاجا في عام ٢٠١٠ ليمهد بعدها لارتفاع مضطرد في ٢٠١١. ويجب هنا ملاحظة الوزن النسبي للانخفاض في كل حالة ففي عام ٢٠٠٥ كان الانخفاض بمعدل ٢٤٪ بينما كان في عام ٢٠١٠ بمعدل ٢٧٪ وفي عام ٢٠١٤ انخفض بمعدل ٢٦٪ مقارنة بعام ٢٠١٣. فالانخفاض الأخير في عام 2014 هو إذن انخفاضا محدودا في إطار حركة متماسكة أخذة في التصاعد بشكل عام على مدار العشر سنوات الماضية. يجب أيضا ملاحظة أن معدلات الاحتجاجات العمالية في الأربع سنوات الأخيرة غير مسبوقة في تاريخ مصر بغض النظر عن التفاوت بين عام وآخر.
فيما يلي، استعراض لاحتجاجات عام 2014 ومقارنة بالأعوام السابقة.
التوزيع الجغرافي
تأتي القاهرة كما هو متوقع في مقدمة محافظات الجمهورية من حيث عدد الاحتجاجات التي شهدتها، وبلغ إجماليها ٣٩٤ احتجاجا طوال عام ٢٠١٤، بفارق كبير تأتي محافظات الإسكندرية والغربية والسويس والشرقية والمنوفية وشهدوا ١٦٩، ١٥١، ١٤٤، ١٣٧، و١١٩ على الترتيب.
توزيع القطاعات في ٢٠١٤
شكل القطاع الحكومي اكثر القطاعات العمالية احتجاجا خلال عام ٢٠١٤ والربع الأول من عام ٢٠١٥، حيث مثلت الاحتجاجات العمالية في القطاع الحكومي ٦٣٪ (٢٠١٤) و٦٩٪ (الربع الأول من ٢٠١٥) من إجمالي الاحتجاجات العمالية، والتي بلغت ١٦٥٥ و٢٧٦ احتجاجا بالترتيب في ٢٠١٤ والربع الأول من ٢٠١٥.
ويأتي عمال القطاع العام وقطاع الاعمال العام في المرتبة الثانية بفارق كبير، ممثلين حوالي ٢١٪ من إجمالي الاحتجاجات العمالية في ٢٠١٤ وحوالي ١٨.٨٪ من إجمالي الاحتجاجات العمالية في الربع الأول من ٢٠١٥. وأخيرا يأتي العاملين بالقطاع الخاص ليمثلوا بنسبة ١٥.٦٪ من اجمالي الاحتجاجات العمالية في ٢٠١٤ وهو ارتفاع نسبي عن عام ٢٠١٣ حيث كانت نسبة الإحتجاجات في القطاع الخاص ١٢.٥٪ من اجمالي الاحتجاجات العمالية، ثم تعود نسبة احتجاجات القطاع الخاص لتنخفض ثانية في الربع الأول من ٢٠١٥ ممثلة حوالي ١١.٦٪ من إجمالي الاحتجاجات العمالية.
يجب هنا ملاحظة ان جهة الادارة وصاحب العمل في القطاعات الحكومي والعام والاعمال العام هي جهة واحدة، وهي الحكومة التي تنوب عن الدولة في ادارة مصانع ومنشآت والجهاز الإداري للدولة. وهكذا، فحوالي ٨٤٪ من إجمالي الاحتجاجات العمالية موجهة ضد جهة واحدة وصاحب عمل واحد، الحكومة المصرية، مقارنة بحوالي ١٦٪ وهي نسبة احتجاجات العاملين بالقطاع الخاص. وذلك بالرغم من أن نسبة العاملين بهذه القطاعات الأكثر احتجاجا (الحكومي والعام والأعمال العام) لا يزيد بأي حال عن 40% من عمال المصانع والعاملين بالمنشآت المختلفة في مصر.
من هنا نتساءل، لو أن تركز الاحتجاجات في القطاعات المملوكة للدولة يعني بالضرورة أن حال العاملين بالقطاعات المملوكة للدولة أسوأ من حال العاملين بالقطاع الخاص بصفة عامة؟ الدراسات التي تتناول أحوال العمال في مصرتشير الى أن العكس هو الصحيح. ففي المتوسط يحصل العاملون لصالح الدولة على أجور أفضل ويتمتعون بأمان وظيفي أكبر. ولكن الواقع العملي الذي تعكسه أرقام الاحتجاجات في إجماليها تثير التساؤلات حول هذه الاستنتاجات، وعلى المستوى التفصيلي كما سنوضح في الفقرات التالية، يظهر بوضوح أن معدل الاحتجاجات التي قام بها العاملون في قطاعات الدولة الثلاث بسبب المطالبة بتحسين أجورهم وانتظام صرف مستحقاتهم المالية وكذلك بسبب شعورهم بعدم الأمان الوظيفي المتمثل في المطالبة بالتثبيت والتعيين، كان مقاربا في نسبته إلى مثيله بالنسبة لعمال القطاع الخاص، مع التفوق العددي الكبير لاحتجاجات العمال في القطاعات المملوكة للدولة مقارنة بنسبتهم إلى إجمالي العمال.
احتجاجات القطاع الخاص
في المقابل لا ينبغي القفز إلى استنتاج أن أحوال العمال في القطاع الخاص هي أفضل بصفة عامة. فثمة عوامل عدة يمكنها تفسير هذا التفوق العددي الكبير لاحتجاجات العاملين في القطاعات المملوكة للدولة، لعل على رأسها القدرات التنظيمية الأكبر التي تتيحها نقابات مهنية كبرى لعدد هام من العاملين في الدولة والقطاع العام، مثل نقابة المعلمين ونقابة الأطباء علي سبيل المثال. وحتى في غياب دور النقابات، فإن المنشآت المملوكة للدولة تتمتع بكثافة عالية للعاملين تجعل ميزان القوى يميل بسهولة أكبر تجاه الفعل الجماعي، لسهولة الوصول إلى كتلة كبيرة من المحتجين حتى دون الوصول إلى إجماع على قرار الاحتجاج. كما يتمتع عدد كبير من العاملين في قطاعات الدولة بقدر أكبر من الأمان الوظيفي (عندما لا يكون هو نفسه سبب الاحتجاج) يمثل عاملا هاما في موازين القوى أيضا، ويؤثر في استعداد العاملين على اتخاذ قرار الاحتجاج أكثر سهولة. وأخيرا، فبالنسبة للعاملين في القطاع الحكومي بصفة خاصة، يشكل التحكم في وظائف حيوية للدولة مثل الصحة والتعليم والنقل والمواصلات والبريد وغيرها ثقلا هاما في موازين القوى، يشعر هؤلاء العمال بثقة أكبر في قدرتهم على الضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم، ومن ثم يضيف ذلك إلى سهولة إتخاذ قرار الاحتجاج، بل والارتياح لقدرة العمال على الـتأثير باحتجاجهم على سياسة الدولة.
المطالب
عند نظرنا الى تنوع المطالب العمالية في العام ٢٠١٤ نجد أنه بطبيعة الحال تصدرت المطالب المالية -أجور متاخرة، مطالب بصرف حوافز، أو مطالب بزيادة الاجور- بنسبة ٤٩٪ من اجمالي المطالب، وهو أمر متوقع خاصة في ضوء أهمية الاحتجاجات المطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور في هذا العام. ونلاحظ أن المطالب المالية تنقسم بين مطالب دفاعية لحق منقوص كتأخر الأجور والحوافز، وبعضها إيجابية مطالبة بزيادة في الأجور. هذه التفرقة ممكن ملاحظتها على باقي التصنيفات للمطالب العمالية، فطالب ١٢.٦٪ من العمال المحتجين بتحسين العلاقة التعاقدية في العمل سواء بمنحهم عقود أو بتثبيتهم، كما طالب ١٦.٩٪ بتحسين ظروف وضمانات العمل، كما احتج حوالي ٤.٥٪ على الفساد وعدم الكفاءة في أماكن عملهم، و١.٥٪ مطالبين بالحق في التنظيم النقابي؛ في حين احتج ٩.٤٪ من العمال على الفصل التعسفي و٥.٧٪ على النقل التعسفي.
الوسائل
أما بالنسبة لوسائل الاحتجاج التي استخدمها العمال في 2014 والربع الأول من 2015، فقد تعددت ما بين الإضراب والتظاهر والاعتصام وتقديم الشكاوى والبلاغات وإيذاء النفس، خصوصا من خلال الإضراب عن الطعام. وهكذا، نجد أن أكثر من 35% من الاحتجاجات العمالية في 2014 لجأت للاضراب كوسيلة للاحتجاج، مقارنة بحوالي 22% فقط في الربع الأول من 2015. ثم تأتي الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات في المرتبة التالية، حيث مثلت حوالي 31% من إجمالي الاحتجاجات في 2014، مقارنة بـ47% في الربع الأول من 2015. فيما مثل الاعتصام في 2014 حوالي 15% من إجمالي الاحتجاجات العمالية، يليه إيذاء النفس بنسبة 5%، مقارنة بنسبة أقل للاعتصام في الربع الأول من 2015 بلغت حوالي 12% ونسبة أعلى لإيذاء النفس، بلغت 8% من إجمالي الاحتجاجات العمالية.