تقارير | إحصائيات التقرير الموازي حول جلسة مساءلة مصر أمام لجنة الأمم المتحدة

في ضوء مثول مصر أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٣، تستعرض هذه النشرة درجة التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر، وخاصة في أعقاب ثورة 25 يناير ٢٠١١ والاضطرابات السياسية الهائلة وانعدام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ذلك الحين.
تمر البلاد بأزمة اقتصادية واجتماعية حادة. وقد أدّت الاضطرابات السياسية إلى انخفاض حاد في السياحة والاستثمارات الأجنبية، التي تتفاقم بسبب الكساد الاقتصادي المستمر في أسواق التصدير المصرية في جنوب أوروبا. ففي يوليو/تموز ٢٠١٣، وصل الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ عام ٢٠٠٤، كما انخفضت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية إلى ما دون “المستوى الحرج”، الذي تم تحديده من قبل البنك المركزي المصري. وقد وصل العجز المقدّر في ميزانية ٢٠١٣ إلى ما يقارب ١١.٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حين أن ربع السكان يعيشون في الفقر وفقا لأحدث الإحصاءات الرسمية، فمن الواضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية أدت إلى تفاقم أنماط الحرمان الاجتماعي الطويلة الأمد والتي أسهمت في سقوط الرئيس مبارك في عام ٢٠١١.
ومما يثير القلق أن مسألة معالجة مسببات المشاكل الاقتصادية في مصر لم تحظ سوى باهتمام ضئيل من الإدارات العامة منذ بداية عملية التحول. بدلًا من ذلك، لا تنفك الدولة عن تخصيص الموارد غير المناسبة لقطاعات الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم والإسكان. وقد كانت الأولوية لوضع تدابير الحل السريع لعلاج العجز المتنامي في الميزانية وتحقيق استقرار الجنيه المصري، من خلال المساعدة الدولية. ومن أجل جذب هذه المساعدات، تم اقتراح تدابير لا تحظى بشعبية ويحتمل أن تكون تراجعية لخفض الدعم عن المواد الغذائية والوقود ولزيادة الضرائب التنازلية (خاصة على السلع والخدمات) – والتي تم تشريعها في بعض الحالات. وواصلت الإدارات الانتقالية المتعاقبة تجاهل مطالب الشعب من أجل الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إنصافًا، يتم تصميمها وتنفيذها بطريقة تشاركية وشفافة. فعملية صنع السياسة لا تزال سرية، ولا يمكن الاعتماد على بيانات الدولة، كما أن العديد من الوثائق حول الخطط والسياسات ذات الصلة لم يتم نشرها علنًا. والخطير في الأمر، هو الكبت المستمر للأصوات النقدية من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وأحزاب المعارضة، وباستخدام العنف في بعض الأحيان.
تضيء هذه النشرة على الأثر السلبي للنموذج الاقتصادي لنظام مبارك، الذي فشلت الإدارات المتعاقبة في إصلاحه، وهذا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وبالرغم من الافتقار للبيانات الموثوقة، فإن معدّلات البطالة والعمالة الناقصة آخذة في التزايد، ولا سيما لدى الشباب، كما في القطاع غير الرسمي، الذي يتميز بتدني الأجور وسوء ظروف العمل وافتقاد التأمينات الاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن ارتفاع تكاليف المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى يعني أن غالبية الأسر الضعيفة غير قادرة على تغطية النفقات الغذائية الشهرية الخاصة بها، مما يقلل من نوعية غذائها. ففقراء مصر يعانون من سوء خدمة نظام غير فعّال ورجعي لدعم الرعاية الاجتماعية، في وقت تتآكل فيه إمكانية توافر الخدمات العامة وسهولة الوصول إليها والقدرة على تحمل تكاليفها ونوعية خدماتها، مثل السكن والرعاية الصحية والتعليم، نتيجة لعقدين من التحرير والخصخصة وتقليص الإنفاق الحكومي.
هناك حاجة ماسة لإحداث إصلاحات اقتصادية لافتة وواسعة النقاط للتغلب على النموذج الاقتصادي غير العادل وغير المستدام، المعتمد في العقود الأخيرة. تماشيًا مع التزامات الدولة الطرف بموجب المادة ٢ (١) من العهد، فإن السياسات التقدمية التي تسعى لتعبئة الموارد المحلية، بما في ذلك من خلال إصلاح النظام الضريبي ووضع اليد على التدفقات غير المستغلة والضائعة للنشاط غير المشروع، هي مطلوبة من أجل الاستثمار المستدام في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وضمان حماية جميع حقوق الإنسان خلال عملية التحول الهشّة التي تمر بها مصر.
ارتفاع الفقر بالرغم من النمو الاقتصادي المطرد
ارتفع الفقر باطراد على مدى العقدين الماضيين وهو ويؤثر الآن على أكثر من ربع سكّان مصر. فقد ارتفع معدل الفقر على المستوى الوطني (النسبة المئوية من مجموع السكان تحت خط الفقر الوطني) بنسبة ٥٠٪ تقريبًا في السنوات الـ١٥ الماضية، من ١٦.٧٪ (٩.٩ ملايين نسمة) في عام ١٩٩٦ إلى ٢٥.٢٪ (٢١ مليون) في عام ٢٠١١ (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠١١)، وهذا يشير إلى أن النمو الاقتصادي المطّرد، على مدى الفترة نفسها، لم يؤد إلى التحسن في حياة المصريين العاديين. علاوة على ذلك، ففي عام ٢٠١١، كان أكثر من ٢٣.٧٪ من السكان يعيشون فوق خط الفقر بقليل، مما يضع ١٨.٩ ملايين شخص في فئة المعرّضين لخطر الفقر (برنامج الغذاء العالمي، ٢٠١٣). لذلك، فمن المرجح أن يكون عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الحالي في مصر، قد رفع معدلات الفقر الوطني بشكل ملحوظ منذ تاريخ نشر الأرقام الأخيرة في ٢٠١١.
هناك فروقات واسعة في معدلات الفقر بين الأقاليم. تستمر المناطق الريفية في صعيد مصر في تسجيل أعلى معدلات الفقر في البلاد، وقد وصل معدل الفقر بين الأطفال إلى ٤٥.٣٪ في عام ٢٠٠٩، مقارنة بـ٧.٩٪ في المناطق الحضرية في مصر السفلى (اليونيسيف، ٢٠١٠). ويظهر بوضوح عمق وشدة الفقر في هذه المنطقة، كما التحصيل التعليمي المنخفض، وانخفاض الاستثمارات العامة في الخدمات مثل التعليم والصحة، مما ينتج انخفاضًا في القدرة على توليد الدخل. في الوقت ذاته، تصاعدت حدة الفقر في المناطق الحضرية أيضًا في السنوات الأخيرة. هذه الاختلالات الجغرافية الكبيرة تطرح تساؤلات حول ما يجري القيام به لضمان تمتع الجميع، وعلى قدم المساواة، بالحق في مستوى معيشي لائق، من دون تمييز على أساس مكان الإقامة.
بالرغم من النمو المطرد في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فقد تدهور الشعور بالرفاه لدى الناس. وقد كانت المستويات المنخفضة من الارتياح الشعبي عاملًا رئيسيًا في نموّ الضغوط من أجل الإصلاح في المنطقة العربية (أمين وآخرون، ٢٠١٢). ففي الفترة التي سبقت الثورة في مصر، أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة الذين يصفون أنفسهم بأن حياتهم “مزدهرة” (مزيج من التوقعات الحالية والمستقبلية من الرفاه الاقتصادي) قد تدهورت بشكل ملحوظ، من ٢٩٪ في عام ٢٠٠٥ إلى ١٢٪ في ٢٠١٠ (غالوب، ٢٠١١). وتعاني مصر أيضًا من ارتفاع معدلات “الفقر الذاتي”. أمّا ثلث المشاركين المنتمين إلى شرائح الدخل الخمسية من الشريحتين الثانية والمتوسطة، فقد وصفوا أنفسهم كـ”فقراء”، في مسح البنك الدولي لعام ٢٠١٢ (البنك الدولي ٢٠١٣).
حقوق العمال تتدهور، خاصة لدى النساء والشباب
واحد من ثلاثة من الشباب عاطلون عن العمل، أي حوالي ثلاثة أضعاف معدل البطالة على الصعيد الوطني. انعدام المساواة بين الأجيال في مصر هو الأقوى بين دول المنطقة وكان أحد العوامل التي لعبت دورًا أساسيًا في الثورة. ويُقدّر معدل البطالة بين الشباب (والذي يتضمن أولئك الذين توقفوا عن السعي للعمل) بحوالي ٦٠٪ (مجلس السكان، ٢٠٠٩). أما البطالة في صفوف خريجي الجامعات فهي بارزة بشكل خاص، وقد وصلت إلى ١٨.٩٪ في عام ٢٠١٠، مقارنة بـ٣٪ من بين الحاصلين على التعليم الأساسي فقط (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠١٣). علاوة على ذلك، فإن معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في مصر هي منخفضة للغاية، وقد تراوحت بين الـ٢٠ والـ٢٥٪ في السنوات العشر الماضية، مقارنة مع معدل عالمي قدره ٥٢٪ (البنك الدولي، ٢٠١٢)، وقد تصاعدت نسبة البطالة في أعقاب عدم الاستقرار الاقتصادي في الآونة الأخيرة، وارتفعت من ١١.٩٪ في الربع الأول من عام ٢٠١١، إلى ١٣.٢٪ في الربع الأول من ٢٠١٣ (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠١٣).
وقد دفع النقص في العمل اللائق عددًا متزايدًا من الناس، ولا سيما النساء، إلى القطاع غير الرسمي في ظروف محفوفة بالمخاطر. العمل الحرّ، الذي يعتبره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كمرادف للعمالة المستضعفة، وصل إلى ما يقرب من ٤٠٪ من قوة العمل الإجمالية في ٢٠٠٧، مع وقوع عدد متزايد للنساء داخل هذه الفئة. ويتوافق هذا مع حسابات منظمة العمل الدولية التي تشير إلى أن ٥١.٢٪ من العمالة غير الزراعية في عام ٢٠٠٩ كانت غير رسمية (منظمة العمل الدولية، ٢٠١٢). أما الفوارق بين الأجيال فهي فاقعة، وفي العام ٢٠٠٦ سُجّلت أعلى مستويات العمل غير الرسمي لدى الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و٢٤ عامًا (٨٧٪)، مقارنة مع أولئك الذين تتراوح أعمارهم من ٢٥ و٣٤ (٦١.٤٪)، و٣٥ إلى ٥٤ (٤٣.٥٪) (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠٠٦). وبالمثل، كانت نسبة الشباب الموقّعين على عقد مع مستخدميهم لا تتجاوز ١٥.٧٪ في عام ٢٠٠٩ (مسح النشء والشباب في مصر، ٢٠٠٩). والعمل غير الرسمي يمهّد الطريق لعمالة الأطفال أيضًا، وهو واقع مرير يعيشه ما يقرب من ١.٦ مليون طفل في مصر (مجلس السكان، ٢٠٠٩).
على مدى الجزء الكبير من العقد الماضي، وقعت الأجور الحقيقية في القطاع الخاص في الركود. لقد تحوّل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ثنائي. ففي حين ارتفعت الأجور في القطاع العام بما يتماشى مع ارتفاع تكاليف المعيشة، فإن متوسط الأجور في القطاع الخاص، غير المنظّم بشكل ملائم، ظلّ تقريبًا على حاله منذ ١٠ سنوات (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠١٣). الحد الأدنى للأجور هو أداة هامّة لسياسات الحماية الاجتماعية ومؤشر قوي على الجهود التي تبذلها الدول لضمان حقوق العمل. لكن حتى الآن، لم تسع مصر لإنشاء نظام فعال لضمان عدالة الحد الأدنى للأجور. وبالرغم من زيادة الحد الأدنى للأجور في الآونة الأخيرة إلى ١،٢٠٠ جنيه مصري، وبعد ضغوطات قوية من مجموعات المجتمع المدني، سيتم تطبيقه فقط على العاملين في القطاعين الحكومي والعام (خليف، ٢٠١٣).
بدل الاستجابة لمطالب العمال، لجأت الإدارات المتعاقبة إلى تضييق الخناق على الاحتجاجات، باستخدام العنف في بعض الأحيان، وقامت بتقييد الحق في الإضراب. وقد وثق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية العدد الكبير من التقارير حول الاعتقال التعسفي والاستخدام المفرط للقوة ضد المشاركين في الإضرابات والاحتجاجات. وكان الاعتداء الجنسي، وغيره من أشكال العنف ضد النساء المتظاهرات، أحد سمات الاحتجاجات في مصر. ومع ذلك، فقد فشلت الدولة الطرف باستمرار في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم.
ارتفاع كلفة المعيشة يؤجج الفقر والجوع
يجري تفاقم الفقر بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية. ارتفعت الأسعار الاستهلاكية للأغذية والمشروبات بنسبة ١٦.٣٪ بين يناير ٢٠١٠ وسبتمبر ٢٠١٣، وهو معدّل أكثر حدّة من مؤشر الأسعار الاستهلاكية بشكل عام. وقد شهدت أسعار سلع كالخضروات والخبز والحبوب أيضًا على قفزات واضحة، وصلت إلى ٢١.٣٪ و١٦.٣٪ على التوالي (مرصد الغذاء المصري، ٢٠١٣). يؤدّي هذا إلى تأثيرات خطيرة على الاستهلاك المنزلي. فالنسبة المئوية للأسر الأكثر عرضة التي تقول أن دخلها لا يغطي الزيادة في النفقات الشهرية، ارتفعت من ٧٨.٩٪ في سبتمبر ٢٠١١ إلى ٨٨.٩٪ في مارس ٢٠١٣ (مرصد الغذاء المصري، ٢٠١٣). أمّا القليوبية ومطروح والقاهرة، فتسجّل أرقامًا أعلى من ذلك: ١٠٠٪، ٩٨.٧٪، ٩٨.١٪ على التوالي (مرصد الغذاء المصري، ٢٠١٣). وكذلك في استطلاع للرأي أجراه البنك الدولي في ٢٠١٢، فقد أفاد ٤٤٪ من أفراد العينة عن عدم تمكّنهم من شراء الغذاء الذي يحتاجونه، مقارنة بـ٢٣٪ في ٢٠١٠ (البنك الدولي، ٢٠١٢).
زيادة انعدام الأمن الغذائي تؤدي إلى مستويات أعلى من سوء التغذية. ازداد انتشار انعدام الأمن الغذائي من ١٤٪ في ٢٠٠٩، مقارنة بـ١٧.٢٪ (١٣.٧ مليون نسمة) في ٢٠١١، بدافع من الانخفاض في القوة الشرائية المنزلية (برنامج الغذاء العالمي، ٢٠١٣). وانعدام الأمن الغذائي هو أعلى في المناطق الريفية في صعيد مصر، ولكنه أصبح مصدرًا للقلق المتزايد في المناطق الحضرية أيضًا. أمّا معدّل الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من التقزم (وهو مؤشر على سوء التغذية المزمن) فقد ازداد من ٢٣٪ في عام ٢٠٠٥ إلى ٢٩٪ في ٢٠٠٨ (وزارة الصحة والسكان، ٢٠٠٩)، و تشير التقديرات إلى أنه قد وصل إلى ٣١٪ في عام ٢٠١١ (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ٢٠١١)، وهي نسبة “عالية”، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية. واستهلاك المواد الغذائية الأرخص هو إستراتيجية التعامل السائدة بين الأسر الفقيرة، مما يؤدي إلى الاعتماد المفرط والمتزايد على الأطعمة الغنيّة بالسعرات الحرارية في الأسر الفقيرة، على حساب المحتوى الغذائي. فالتقليل من استهلاك البقوليات والفواكه ومنتجات الألبان هو نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الحالي في مصر، الذي من المرجح أن يفاقم مستويات سوء التغذية إلى أبعد من ذلك.
على الإصلاحات في دعم المواد الغذائية حماية الحق في الغذاء للفئات الضعيفة. تقليديًا، أبقت الحكومة أسعار الغذاء منخفضة من خلال نظام الدعم والإعانات، التي مثّلت ١ إلى ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقد الماضي. ويأتي ثلثا هذه الدعم على شكل الخبز المدعوم، وهو متاح للجميع على أساس من يأتي أولًا يُخدم أولًا. أمّا الباقي، فهو من خلال البطاقات التموينية التي تسمح للأسر شراء حصص محددة من السلع. وقد دفعت المخاوف بشأن فعالية هذه الإعانات إلى الدعوة لإصلاحها. فعلى سبيل المثال، فإن ما يقارب ثلاثة أرباع الأسر المستفيدة من نظام البطاقة التموينية ليست مصنّفة كفقيرة، في حين يتم استبعاد خُمس الأسر الأكثر ضعفًا (برنامج الأغذية العالمي، ٢٠١٣). ومع ذلك، فإن لنظام الدعم الغذائي الأثر الكبير على الفقر. وتشير التقديرات، مثلًا، إلى أنه بحلول ٢٠١٠/٢٠١١، كاد ٩٪ من السكان الإضافيين أن يقعوا ما دون خط الفقر لولا وجود هذا الدعم (برنامج الأغذية العالمي، ٢٠١٣). ولهذا السبب، فإن جميع الإصلاحات مستقبلية لنظام الدعم الغذائي عليها حماية حقوق الفئات الأكثر تضررًا من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الحالي في مصر.
أثّر ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في القدرة على تحمل أعبائها. تستثمر مصر أقل من ٥٪ من إجمالي ميزانية الحكومة في مجال الصحة، وهو نصف المعدل الإقليمي ويعادل ثلث قيمة التزاماتها بموجب إعلان أبوجا. وقد أدى انخفاض الاستثمار إلى تجزئة نظام الرعاية الصحية وعدم توازنه جغرافيًا، مع لجوء الناس بشكل متزايد إلى الرعاية الخاصة. فأكثر من نصف المصريين بقليل يستفيدون من التأمين الصحي، مقارنة بـ٩٩٪ في تونس و٩٨٪ في إيران و٨٣٪ في الأردن (وزارة الصحة والسكان، ٢٠١٠). نتيجة لذلك، بلغ إنفاق الأسر مقدار ٧٢٪ من إجمالي الإنفاق على الصحة في ٢٠٠٨/٢٠٠٩، مقارنة بالمعدّل الإقليمي الذي يصل إلى ٤٥.٤٪، كما يشكّل الإنفاق المباشر من جيوب المواطنين نسبة ٩٧.٧٪ من هذا الإنفاق (وزارة الصحة والسكان، ٢٠١٠). وهذا ما يجعل الرعاية الصحية أمرًا بالغ الصعوبة للكثيرين ويساهم في التفاوت الصارخ في إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. على سبيل المثال، هناك فوارق واسعة بين المناطق الحضرية والريفية في نسب الولادات بإشراف قابلات ماهرات، وهو مدخل رئيسي للحد من وفيات الأمهات.
هناك مخاوف جدية حول جودة التعليم في مصر. فعلى الرغم من التحسينات الشاملة في مخرجات التعليم، فإن أقل من ١٠٪ من المدارس تستوفي المعايير الوطنية لجودة التعليم (اليونيسيف، ٢٠١٢). وقد احتلّت مصر المرتبة الأخيرة، من أصل ١٤٨ دولة، في تقرير التنافسية العالمية ٢٠١٣-٢٠١٤، من حيث نوعية التعليم الابتدائي. فقد اضطرت الأسر على تحمل الأعباء الإضافية للدروس الخصوصية والتي تمثل ٤٢٪ من إنفاق الأسر على التعليم (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ٢٠١١). الاستثمار في المعلمين هو أحد السبل لتحسين نوعية التعليم، لكن لا يبدو أن مصر تستثمر في الموارد الملحّة. فعلى سبيل المثال، فإن الإنفاق على الأجور والتعويضات للفرد هو أقل في المحافظات حيث نسبة المعلمين إلى التلامذة في المدارس الابتدائية هي الأعلى.
استمرار قصور الاستثمار الاجتماعي
نظام الدعم غير الفعال والرجعي في مصر يطيح بالتدخلات الأكثر إنصافًا. في عام ٢٠٠٩، استثمرت مصر نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي في دعم أسعار الوقود والمواد الغذائية (٦٪ و٢٪ على التوالي)، والذي يستفيد منه الميسورون بشكل غير متناسب. فعلى سبيل المثال، وفقًا لتقديرات عام ٢٠٠٩، ذهبت نسبة ٦٠٪ من الدعم على الوقود إلى الشريحة الخمسية الأغنى (البنك الدولي، ٢٠١٢). وعلى النقيض من ذلك، شكّلت خطط الحماية الاجتماعية غير المتعلّقة بالدعم (مثل التحويلات النقدية والقروض الصغيرة والتأمينات الصحية، الخ.) ٠.١١٪ من الإجمالي فقط، وهي نسبة أقل بكثير مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة (البنك الدولي، ٢٠١٢). وقد أدى عدم كفاية الاستثمار في المشاريع غير الدعم إلى مستوى منخفض من التغطية وإلى تسّرب مرتفع ومستويات فائدة محدودة. فنسبة ١٥٪ فقط من الشريحة الدنيا للدخل تستفيد من المخططات غير المتعلّقة بالدعم، وهي تشكّل ١٠٪ فقط من دخل المستفيدين (البنك الدولي، ٢٠١٢). لكن بالرغم من عدم كفاءة أنظمة الدعم في البلاد، فإن إزالتها ستؤدّي إلى آثار إفقارية كبيرة. بدلًا من ذلك، يتعين على الحكومة إعادة هيكلة إطار الحماية الاجتماعية للوصول إلى أولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها.
الإدارات المتعاقبة فشلت في معالجة الانخفاض النسبي للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي. يعتبر استثمار مصر في القطاعات الاجتماعية الحيوية منخفضًا مقارنة بالبلدان الأخرى في المنطقة، وقد استمر بالانخفاض في السنوات الأخيرة، وهو الاتجاه الذي لم يتم عكسه في أعقاب الثورة (وزارة المالية، ٢٠١٣). علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن الإنفاق الاجتماعي يبدو قريبًا مما يتم إنفاقه على الدفاع والنظام العام والسلامة، فمن المهم أن نلحظ أن الجيش معفي إلى حد كبير من التقرير علنًا عن ميزانيته، وتشير التقديرات إلى أن نسبة الإنفاق على نفقات الدفاع هي أعلى بكثير من الأرقام الرسمية. كما يحتوي مشروع الدستور الجديد بدوره على مواد تضمن سرّية الميزانية العسكرية.
قنوات المشاركة الفعالة في صنع السياسات المتعلقة بالميزانية والاقتصاد ما تزال محدودة. العلامات التي حصلت عليها مصر في تصنيف الموازنة المفتوحة، والتي تحتسب درجة الشفافية في ميزانية الدول، انخفضت من ٤٣ في عام ٢٠١٠ إلى ١٣ في ٢٠١٢، مما يعني أن وثائق الميزانية التي تم إصدارها هي “شحيحة أو غير متوفرة” (شراكة الموازنة المفتوحة، ٢٠١٣). وقد حدث هذا الانخفاض الملفت نتيجة لإصدار ميزانية عام ٢٠١٢ من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في غياب السلطة التشريعية، ومع إعطاء الشفافية ومشاركة المواطنين القليل من الاعتبار. أما عملية ميزانية ٢٠١٣/٢٠١٤ فقد اعتمدت نهجًا مماثلًا، وأجرت الإدارة الحالية تعديلات على مشروع الميزانية (الذي أُعدّ من قبل الحكومة السابقة) في سرية تامة، ولم تقم بإتاحة وثائق الميزانية، حتى بعد ما يقرب من أربعة أشهر من بداية السنة المالية (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٣).
لم يتم اتباع البدائل المالية الأكثر عدالة
تفشل مصر في تعبئة الموارد المتاحة للاستثمار في القطاعات الرئيسية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. تبقى نسبة الإيرادات إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر أقل بكثير من البلدان المماثلة، والتي تمكّن عدد منها من زيادة إيراداته خلال العقد الماضي، بل هي انخفضت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة (البنك الدولي، ٢٠١٣). الجهد الضريبي في مصر، الذي يُعرّف بأنه التحصيل الفعلي للضرائب مقابل تلك المحتملة، قُدّر بـ٠.٧٢ في عام ٢٠١٢، مقارنة بـ٠.٩٣ في المغرب، على سبيل المثال (صندوق النقد الدولي، ٢٠١٣). وهذا يوضّح مصدر القلق المزمن حول عدم التزام الحكومة بواجباتها بموجب العهد في الوصول إلى أقصى قدر من الموارد المتاحة لحقوق الإنسان، بطرق منصفة وفعّالة.
يضع النظام الضريبي في مصر عبئًا غير متناسب على الأسر العاملة ذات الدخل المنخفض. هناك جزء مهم من القاعدة الضريبية في مصر يأتي من الضرائب غير المباشرة (ضريبة المبيعات إلى حد كبير)، والتي تميل إلى التأثير بشكل غير عادل على الأسر ذات الدخل المنخفض. وكانت زيادة الضرائب غير المباشرة هي الأولوية في استجابة الإدارات المتعاقبة لمعالجة العجز في الميزانية. وعلى سبيل المثال، تم مؤخرًا إزالة الإعفاءات من ضريبة المبيعات عن العديد من السلع الأساسية (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٣). ويجري أيضًا النظر في إمكانية استبدال ضريبة المبيعات في مصر بالضريبة على القيمة المضافة. أمّا ضريبة القيمة المضافة فهي محفوفة بمخاطر إثقال كاهل محدودي الدخل على نحو غير متناسب، ما لم يتم إعفاء سلع أساسية رئيسية. لكن الضرائب المباشرة، كضريبة الدخل للشركات والأفراد، فتمثل النسبة الأقل من الوعاء الضريبي في مصر. وهناك مجال واسع لزيادة الإيرادات عن طريق توزيع حصّة أكثر عدالة من العبء الضريبي على ذوي الدخل المرتفع. الشرائح الضريبية الواسعة المُعتمَدة حاليًا تعني أن أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع يدفعون نفس معدل ضريبة الدخل الشخصية (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٣). كما يتم أيضًا الإعفاء التام تقريبًا من الضريبة على أرباح رأس المال (وصلت إلى ٠.٠٤٪ فقط من العائدات في عام ٢٠١٢/٢٠١٣)، مما يعني عمليًا إعفاء مجموعة كبيرة من الأثرياء (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠١٣).
على مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة أن تكون جزءًا من بديل حقوقي محوره الإنسان للحد من العجز في الموازنة. وفقًا للتقديرات، لقد فقدت الخزينة العامة المصرية ٥٧.٣ مليار دولار على الأقل إلى التدفقات المالية غير المشروعة (رأس المال الذي يتم الحصول عليه بطريقة غير مشروعة أو نقله أو استخدامه من خلال الجريمة والفساد أو التهرب من دفع الضرائب) وذلك بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٩ (النزاهة المالية العالمية GFI، ٢٠١١). هذا يعادل أكثر من ٦ مليارات دولار سنويًا، أي حوالي خُمس العجز المالي في مصر عام ٢٠١٢، وهو أكثر بـ١.٢ مليار دولار من القرض الذي تتم مناقشته بين مصر وصندوق النقد الدولي بشكل متقطّع منذ مايو/أيار ٢٠١١. لكن جزءًا من هذه الإيرادات الضائعة يتعلق بمقدار الـ١٣٢ مليار دولارًا من الأصول المسروقة والمحوّلة بطرق غير مشروعة إلى الخارج خلال عهد مبارك (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ٢٠١٣). وما تزال نسبة كبيرة من التهرب الضريبي عبر الحدود تأتي من جانب الأفراد الأثرياء والشركات (النزاهة المالية العالمية GFI، ٢٠١١). وفي حين أن الفساد الضريبي يتمتّع بالقدر الكبير من الاهتمام في مصر وفي أوروبا، لا يبدو أن هناك أي سياسات ملموسة وتعاونية لإنهاء هذه الظاهرة المسببة للتآكل.
التقرير كاملا للتحميل