تجارة واستثمار | بيان حول اتفاقية التجارة الحرة العميقة والشاملة والمفاوضات العربية الأوروبية
25 سبتمبر 2013
منذ بداية الثورات العربية والعالم العربي بأكمله يتساءل عما إذا كان سيتم مراجعة السياسات الاقتصادية المعيوبة التي كانت سببا رئيسيا في اندلاع الثورات. كثير من النشطاء السياسين، والأخصائيين الاقتصاديين، والمثقفين أبرزوا العلاقة ما بين بعض السياسات الأقتصادية “النيو ليبرالية” وزيادة الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء، وزيادة اعتماد الدولة على الاقتصاد العالمي وبالأخص دول الغرب. برغم أن هذا اصبح بارزا بشكل أوضح بعد الربيع العربي، برغم أيضا أن انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تزداد نتيجة عن هذه السياسات، نرى أنه ما زال السعي وراء هذه السياسات مستمرا إن لم يكن أصبح أقوى في المنطقة بشكل عام. هذا يصبح واضحا عندما نرى الحكام العرب يتفاوضون على قروض من بنوك دولية واتفاقيات تجارية واستثمارية على نفس شكل الاتفاقيات القديمة وبنفس الشروط إن لم تكن أكثر تقييدا على الاقتصاد المحلي للدول العربية.
دليلا على ذلك، نجد أن بعض الدول العربية الآن تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التجارة الحرة العميقة والشاملة. تم الإعلان عن قيام الجولة الاولى من المفاوضات ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي بخصوص هذة الاتفاقيات في ٢٢ أبريل ٢٠١٣ في الرباط. سوف تبدأ هذه المفاوضات في مرحلة لاحقة مع كل من تونس والأردن ومصر، وذلك طبقا لخطة الاتحاد الأوروبي.
ستتضمن هذه المفاوضات توسيعا لاتفاقية التجارة القائمة ما بين الاتحاد وهذه الدول لتتجاوز تقليص التعريفات الجمركية باتجاه تضمين الاتفاقية قواعد حول التجارة في الخدمات، شروط تضمن حماية مبالغ فيها للاستثمار والمستثمر، وتحرير المشتريات الحكومية، وسياسة للمنافسة غير عادلة للمنتجين الأصغر والمنتجين المحليين، وقواعد حماية الملكية الفكرية. تتناول المفاوضات أيضا مجالات في صلب تنظيم القطاعات الاقتصادية الوطنية وتمس مباشرة بقدرة الدولة وحقها السيادي في تنظيم الاقتصاد بما يتناسب مع الأهداف التنموية الوطنية.
يحدث هذا بينما تمر الدول العربية إجمالا بحالة من المراجعة للخيارات الاقتصادية والاجتماعية في ظل حراك الشعوب العربية المطالبة بنماذج تنموية أكثر عدالة تسمح بقيام سياسة صناعية فاعلة وتنشيط القطاعات الإنتاجية والمساهمة في توفير فرص العمل ومحاربة الفقر واللامساواة، لا بد للحكومات أن تعمل على مراجعة علاقة أدوات السياسة الاقتصادية المتوفرة لها، بما في ذلك علاقة سياسات وقوانين واتفاقيات التجارة والاستثمار بالأهداف التنموية.
لذا يجب علينا أن تنوقف ونقيم التأثير الكامل لهذه السياسات قبل أن نصبح مقيديين بهم مرة أخرى. من أبرز المترتبات على هذه السياسات هي الاتفاقيات التي تحث على حماية المستثمر الأجنبي. اتفاقيات الاستثمار تعطي المستثمر الأجنبي الكثير من الحقوق مثل الحماية من المنافسة المحلية وحصانة كاملة من القانون المصري. في كثير من الأوقات نرى أن المحاكم المصرية تحكم ضد مستثمرين أجانب, ولكن للأسف هذا لا يمنع المستثمرون الأجانب من اتخاذ طريق التقاضي للمطالبة بحقوقهم من خلال محاكم دولية فيوجد الآن تسع قضايا مرفوعة على مصر من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.[1]
من الممكن أن نأخذ موقف شركة “غزل شبين الكوم” كمثال، فتم القضاء ببطلان خصخصة الشركة وبأمر لإخلاء المستثمر الهندي لها بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 2678. و لكن برغم هذا القرار، المستثمر الهندي رفع قضية ضد الحكومة المصرية من خلال المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الذى من الممكن أن ينتج في خسارة مصر لمليارات الدولارات. أنه من المؤسف أن نرى أن محاولات المصريين لتحقيق العدالة الاجتماعية بعد الثورة المصرية تتعركل بسبب سياسات تمت تحت سيادة النظام البائد، ومن المؤسف أكثر أن نرى أن النظام الحالي يسعى وراء نفس السياسات الظالمة التي اثبتت فشلها مع النظام السابق.
اتفاقيات تجارية واستثمارية مثل اتفاقية التجارة الحرة العميقة والشاملة مع الاتحاد الأوروبي تشجع على مثل هذة السياسات التي لا تضع المواطن المصري وحقوقه الاقتصادية والاجتماعية في الحسبان. ولذلك يحاول المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن يظهر عيوب هذه الاتفاقيات ويحث على شمل بعض الضمانات لوضع حقوق المواطنين العرب في الاعتبار في مرحلة التفاوض.