بيانات المركز

المركز المصري ينعي ضحايا التفجير الإرهابي بالمنصورة

يدين المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بشدة العمل الإرهابي بالغ الخسة الذي استهدف في ساعة مبكرة من صباح اليوم، الاثنين 24 ديسمبر 2013، مقر مديرية أمن الدقهلية في مدينة المنصورة، ويتوجه بواجب العزاء إلى أهالي من سقط من شهداء الشرطة والمواطنين، وبتمنيات الشفاء العاجل لكل المصابين الذين طالتهم أيدي الغدر الآثمة. ويؤكد المركز المصري إدانته المطلقة غير المقيدة بأي شرط لكل فرد أو جماعة أو تنظيم يتخذ من العنف الموجه أو العشوائي منهجا و أداة للعمل السياسي، ويدعو كافة أطراف العمل السياسي إلى رفض أعمال العنف صراحة والتنصل من مرتكبيها وعدم تقديم أي غطاء من الشرعية لهم تحت أي دعاوى سياسية أو دينية أو غير ذلك.

إن أعمال الإرهاب الدموي تمثل انتهاكا حادا لأكثر حقوق الإنسان أساسية وأهمية وهو الحق في الحياة والحق في الأمن على النفس، وكونها تتصف بالعشوائية ولا تمس فئة بعينها وحدها من المجتمع وإن أعلنت استهدافها، يجعل منها جرائم ضد الإنسانية ترتكب ضد المجتمع بأكمله فهي تتخطى ضحاياها المباشرين وتتسبب في ضرر بالغ يقع على غيرهم ببثها للرعب في نفوسهم وترويعهم وبتقويضها لشعورهم بالأمن على حياتهم وسلامتهم هم ومن يحبون. ومن ثم فإن مواجهة هذه الأعمال تتطلب اتخاذ إجراءات تبث الطمأنينة في قلوب المواطنين وتحقق التوازن بين الشفافية وكشف الحقائق التي تعينهم على توخي الحذر والحفاظ على سلامتهم، وبين المبالغة في تصوير المخاطر بما يزيد من حالة التوتر والترويع التي تهدف الأعمال الإرهابية في الأساس إلى بثها بينهم. ويجدر بنا هنا التحذير من أن إجراءات مواجهة الإرهاب ينبغي أن تتصف بالالتزام بالقانون وروح العدالة ولا تعكس استهانة بأرواح الناس وسلامتهم، لأن الممارسات التي تتصف بالعشوائية والرعونة من شأنها إضافة إلى زيادة التوتر المجتمعي وحالة الشعور بافتقاد الأمن، أن تحدث بلبلة بين المواطنين وخلطا بين العمل الإجرامي خارج القانون وبين العنف الأمني في إطار الشرعية والذي لا يختلف عن الأول فقط من حيث الشكل وإنما من حيث المضمون المتمثل في انضباطه وعدم عشوائيته وكونه اضطراريا تبرره الضرورات القصوى لحفظ الأمن وحماية الأرواح وكذا التزامه بنصوص القانون واحترامه لحقوق الإنسان وقواعدها.

إننا إذ نقدر ما تمثله مثل هذه الأعمال الإرهابية الدنيئة من صدمة مباشرة لأفراد وضباط الجهاز الأمني مع ما يصحبها من فقدان أرواح زملاء عمل ومن شعور بالتهديد المباشر، لا ينبغي أن نغفل مسؤولية قيادات الأجهزة الأمنية عن توفير كل ما تتطلبه حماية أرواح وسلامة أفراد وضباط هذه الأجهزة إضافة إلى مسؤوليتهم الأصيلة عن حماية أرواح وسلامة كافة المواطنين. وفي هذا الإطار فإننا نطالب بتحقيق جاد وشفاف في ملابسات هذا الحادث وغيره وتحديد أوجه الإهمال والتقصير التي لا شك كانت عاملا أساسيا في إتاحة الفرصة لوقوعه. ولا مجال للشك في أن الحاجة ماسة إلى سياسة أمنية جديدة توجه الاهتمام الضروري إلى آليات تامين وحماية الأفراد والمنشآت وتحديد مصادر الخطر الحقيقية وعدم تشتيت موارد الجهاز الأمني البشرية والفنية فيما لا يصب في إطار تحقيق مهامه الحقيقية والعاجلة. وفي هذا الإطار نعيد التحذير من استمرار تحميل الجهاز الأمني بمسؤوليات تتخطى ما هو معد له وما تؤهله له أدواته ومن ذلك ملفات العمل السياسي السلمي والقانوني وملفات العمل الدعوي والعمل الإعلامي والنشاط الطلابي ونشاط الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، إلى آخر ما يتم تحميله لهذا الجهاز من ملفات فشل النظام الحاكم قبل الثورة وبعدها في التعامل معها وفق الآليات الطبيعية نتيجة إصراره على قمعها وإخضاعها لسيطرته، ومن ثم أحالها إلى جهازه الأمني مما أدي إلى تشوه بنية هذا الجهاز وتدني قدرته على أداء مهامه الطبيعية بكفاءة حقيقية، كما شوه عقيدة أفراده وخلط في فهمهم بين الجريمة وبين الفعل القانوني غير المؤثم. وهي كلها ظواهر عانى المجتمع المصري منها قبل الثورة وكانت واحدة من عواملها ومازال يعاني منها حتى اليوم مما يعد سببا مباشرا لاستمرار حالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني وافتقاد الشعور بالأمان، ويضاف إلى ذلك اليوم أن هذه الظواهر التي تؤدي إلى خروج المؤسسات الأمنية على القانون وانتهاكها له، تغذي الأساس الذي تقوم عليه أعمال الإرهاب وتوجد أرضية للخلط الذي يؤدي إلى إسباغ شرعية عليها في عقول البعض.

إن تصاعد وتيرة أعمال الإرهاب يوجب علينا أن نكرر المطالبة بسرعة العمل على إعادة هيكلة الجهاز الشرطي ووزارة الداخلية فدعاوى تأجيل هذه العملية شديدة الأهمية نظرا للأوضاع القائمة تغفل حقيقة أن مواجهة هذه الأوضاع بالذات يتطلب رفع كفاءة الجهاز الشرطي وتخليصه من الترهل والانشغال بما لا يدخل في صلب مهامه الحقيقية، وتزويد ضباطه وأفراده بالتدريب المطلوب لمواجهة التحديات الجديدة وكذا تطوير اعتماد البحث الجنائي على الوسائل العلمية الحديثة. ففي حين يحقق ذلك كله التزاما أكبر بحقوق الإنسان واحتراما أكبر لحريات المواطنين من خلال إسقاط الحاجة إلى ممارسات مثل الاعتقالات العشوائية والتعذيب وغيرها من انتهاكات، فهو أيضا يضمن رفع قدرة الأجهزة الأمنية وتمكينها من الوصول إلى الجناة الحقيقيين بسرعة أكبر، وهو في النهاية يوفر حماية أكبر لأفراد وضباط هذه الأجهزة أنفسهم.

في النهاية فإننا لن نمل من تكرار تأكيد أن تحقيق استقرار مجتمعي حقيقي يعتمد على اجتثاث أسباب التوتر والاحتقان في المجتمع من خلال منظومة متكاملة للسياسات المنحازة إلى تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية والجنائية وإرساء قواعد سيادة القانون. ولا بديل عن هذا السبيل الذي يضمن وحده التخلص من الإرهاب وتجفيف منابعه وإسقاط أي ظل لشرعية زائفة يحاول من يتخذونه منهجا لهم تبرير جرائمهم بها. إن وضع الحد الفاصل بين شرعية مؤسسات الدولة وبين عنف الإرهاب الخارج على الشرعية يتطلب التزام هذه المؤسسات بالقانون الذي تستمد منه شرعيتها. أما الاحترام المطلوب بثه للقانون فيتطلب أن ينبني على روح العدالة وألا يكون بذاته أداة للقمع، كما يتطلب أن تتمتع المؤسسة القضائية القائمة على تنفيذه بالاستقلال التام والحيادية المطلقة. هذه الأسس لا غنى عنها لأي مجتمع يسعى إلى القضاء على الإرهاب واستعادة الاستقرار وبناء دولة العدالة وحماية الحقوق والحريات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى