6 نوفمبر 2013
أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اليوم تقريرا بعنوان “مصر والتحكيم الدولي: حماية للمستثمر ولا عزاء للمال العام”، ويناقش التقرير اتفاقيات الاستثمار الثنائية وعلاقتها بالتحكيم الدولي وتأثيرها على الفساد في مصر.[pullquote]التقرير يوضح أن مصر تجذب استثمارات غير مفيدة لاحتياجات الاقتصاد المصري[/pullquote]
يبدأ التقرير بسرد معدلات الفساد المستشري في مصر، والآثار السلبية العديدة المترتبة على الفساد، سواء كانت من حيث فقدان مصر لمواردها وثرواتها، أو من حيث تأثير الفساد على ثقة المستثمرين في مناخ الاستثمار في مصر. فيذكر التقرير مثلا أن مصر تفقد سنويا حوالي 40 مليار جنيه مصري بسبب الفساد، وهو ما يوازي مرة ونصف ميزانية الصحة في 2012-2013، والبالغة 27 مليار جنيه مصري.
كما يناقش التقرير الاستثمار الأجنبي، مشيرا الى أن مصر تجذب استثمارات غير مفيدة لاحتياجات الاقتصاد المصري. فالاستثمار الأجنبي في مصر حتى اليوم كان إما شراء لأصول تملكها الدولة وهو ما نتج عنه برنامج الخصخصة الي تسبب في تفكيك الصناعة المصرية وتشريد نسبة كبيرة من العمالة المصرية، أو الاستثمار في قطاع البناء والتشييد والذي سيطر عليه بناء المنتجعات السكنية الفاخرة، وهي بالمناسبة من أهم القطاعات المسؤولة عن القضايا المقدمة ضد مصر في محاكم الاستثمار الدولية. لذا، فهناك حاجة ماسة لمراجعة أولويات الاستثمار في مصر، والتي قد تتمركز في جذب الاستثمار في القطاعات كثيفة العمالة، مع دراسة الاستثمار في العقود الماضية وأسباب فشل مصر في جذب الاستثمار المفيد والجاد.
[pullquote align=”right”] تأتي مصر ضمن أكثر أربعة دول تقاضى دوليا من قبل مستثمرين أجانب[/pullquote]
وهنا يتجه التقرير لقضايا التحكيم الدولي التي تم تقديمها ضد مصر من قبل مستثمرين أجانب. تأتي مصر ضمن أكثر أربعة دول تقاضى دوليا من قبل مستثمرين أجانب. فقد تقدم مستثمرون أجانب بأكثر من عشرة دعاوى قضائية ضد مصر منذ قيام الثورة في يناير 2011، وذلك أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSID)) فقط، ومن المؤكد أن الرقم الأصلي يفوق هذه القضايا المعروفة، لأن العديد من القضايا تظل سرية، طبقا لقواعد المحاكم الدولية المختلفة المتخصصة في الفض في قضايا الاستثمار. وبالرغم من الضرر الذي تعرضت له مصر طوال السنوات الماضية، سواء كان قبل أو بعد قيام الثورة، إلا أن مصر تظل مستعدة لتكبيل القضاء المصري والسيادة السياسية المصرية في اتخاذ القرار، وذلك بالدخول في اتفاقيات استثمار ثنائية أو اتفاقات حرة للتجارة والاستثمار جديدة. فبموجب الاتفاقيات الثنائية التي وقعت عليها مصر، يتم تحصين المستثمر الأجنبي ومنحه حماية فائقة، كما يتم فرض سلطات التحكيم الدولي على مصر.
فمصر تستمر في إغفال الآثار الخطرة المترتبة على الدخول في تلك الاتفاقات الاستثمارية، وأهمها الحماية البالغة التي يحصل عليها المستثمر الأجنبي من خلال تلك الاتفاقيات، كقدرته على تخطي القضاء المحلي وتقديم دعاوى ضد الدولة والمطالبة بالتعويضات أمام المحاكم المتخصصة في قضايا الاستثمار، حتى ولو ثبت الفساد في استثماره. كما أن المحاكم الدولية المتخصصة في قضايا الاستثمار تختلف عن المحاكم الدولية الأخرى في أنها تتخطى القضاء المحلي ولا تأخذ أحكامه بعين الاعتبار، بل وتختلف أيضا في أن العديد من هذه المحاكم –حسب طبيعة اتفاقيات الاستثمار الثنائية- لها القدرة على تنفيذ الأحكام، وهو ما غرّم وسيظل يغرم مصر المليارات.
بعد عقود من الفساد الذي أهدر المال العام المصري، وأضاع حق المصريين في ثرواتهم، تظل الدولة المصرية غير قادرة على محاسبة الفاسدين وإعادة الحقوق المنهوبة،وذلك بشكل أساسي بسبب الاتفاقات الاستثمارية التي وقعت عليها مصر مع أكثر من مئة (100) دولة. ومن المحزن، أن مصر بدلا من أن تراجع موقفها من تلك الاتفاقيات –كما تفعل العديد من الدول حاليا- اتجهت لتعديل تشريعاتها للسماح بالتصالح مع الفساد وإلغاء أحكام القضاء المصري الذي كشف الفساد في العديد من عمليات الخصخصة وبيع الأراضي، معللة بذلك الخوف من التقاضي الدولي. بل واتجهت الحكومات المصرية المتتالية لتعديل قوانين الاستثمار المحلية، وخاصة قانون المزايدات المناقصات وقانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وذلك لغلق باب التقاضي المحلي ضد الفساد –خوفا من التقاضي الدولي- مما يهدد بفساد أكثر وتصالح مع جرائم تهدد الاقتصاد المصري ومعيشة المصريين.
[pullquote]الاتفاقيات لا تساهم في جذب الاستثمار، وأن الهدف منها فقط هو منح المستثمر الأجنبي سلطات غير محدودة، باسم تشجيع الاستثمار.[/pullquote]
يطرح التقرير نهجا بديلا بدأت العديد من الدول في انتهاجه من أجل الخروج من نظام الاتفاقيات الثنائية الغير عادل، والذي يهدد الاقتصاد المصري، بل ويهدد حق المصريين في الحفاظ على ثرواتهم. فيستعرض التقرير تجارب دول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وحتى أستراليا، وهي الدول التي استخدمت طرق مختلفة، إما للهروب من فرض سلطة التحكيم الدولي، أو لمراجعة الاتفاقيات الثنائية، أو الغائها، وذلك بعد أن تبين أن تلك الاتفاقيات لا تساهم في جذب الاستثمار، وأن الهدف منها فقط هو منح المستثمر الأجنبي سلطات غير محدودة، باسم تشجيع الاستثمار.
منذ أن بدأت المرحلة الانتقالية ما بعد ثورة يناير، بات الشعب المصري يترقب القرارات الاقتصادية لدى الحكومة المصرية على أمل أن يتم تغيير السياسات التي قامت الثورة لتغييرها. ولكننا للأسف لم نرى التغيير الذي كنا نطمح اليه في خلال العامين والنصف الماضيين، فما زلنا نرى السياسات المنحازة لرجال الأعمال والمستثمرين، وسياسات التربح الخادمة لطبقة اجتماعية واحدة، وما زلنا نرى القروض الضخمة المربوطة بشروط غير عادلة والتي تفتقد الشفافية، وكذلك التدابير التقشفية المؤدية الى المزيد من الفقر، كما نرى تقليصا واضحا لدور الدولة التنموي. كلها حزمة من السياسات التي لا تستجيب لمطالب الشارع المصري، بل تستجيب لمؤسسات دولية ومصالح خاصة.
والمؤكد هو أنه من حيث السياسة الاقتصادية والاجتماعية، انتهجت حكومة الجنزوري نهج مبارك، وانتهجت حكومة قنديل نهج الجنزوري، وانتهجت حكومة الببلاوي نهج حكومة قنديل.
تقرير | مصر و التحكيم الدولي : حماية للمستثمر.. ولا عزاء للمال العام ( تحميل PDF)
تقرير | مصر و التحكيم الدولي : حماية للمستثمر.. ولا عزاء للمال العام ( تحميل PDF)
ضع تعليقا