المجانية الكاذبة.. التعليم الأساسي واستثمار الدولة في الحقوق الأساسية للمواطن

مليار و21 مليون جنيه تحصل من أولياء الأمور بما يعادل أكثر من 70% مما تصرفه الدولة على الخدمات التعليمية ويزعمون أن هناك تعليم مجاني
تنظر اليوم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الطعن رقم 47091 لسنه 67 ق الذي أقامة المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكيلا عن ولي أمر الطالبة/ مريم السيد عيسي طعنا علي قرار وزير التربية والتعليم رقم 328 لسنة 2012 والذي يقرر تحصيل الرسوم الإضافية ومقابل الخدمات والذي يعرف بالمصروفات المدرسية.
وجاء القرار مخالفا للدستور والقانون وترتب عليه إهدار أحد أهم الحقوق التي ضمنها الدستور المصري لمواطنية منذ دستور 1923 مرورا بما أنجزه العديد من رموز الوطن، ففي عهد نجيب الهلالي وزير المعارف عام ١٩٤٢، تقررت مجانية التعليم ولا مركزيته، ثم جاء طه حسين ليتوج هذه الجهود حيث دعى لأن يكون التعليم مباحا كالماء والهواء من منطلق المساواة في الحقوق والواجبات وعلى الدولة أن توفر المال اللازم لهذا الأمر، باعتبار التعليم حقا شعبيا ومطلبا اجتماعيا.
هذا وقد تم النص على مجانية التعليم لأول مره في الدساتير المكتوبة بعد ثورة يوليو في دستور 1956، وكانت خاصة بالمجانية لمراحل ما قبل التعليم الجامعي، ثم إقرارها للتعليم العالي بموجب دستور 1964، وبعد ذلك تضمنها ونص عليها دستور 1971، وأخيرا دستور مصر 2012.
الشيء المدهش في الأمر أنه في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة أن لديها خطط لتطوير العملية التعليمية والقضاء على الأمية، ما زالت تحصر هذه الخطط في إلغاء الشهادة الابتدائية وقصر الشهادة الثانوية على عام بدلا من عامين، دون أن تطرح تصورات عملية لتطوير المناهج الدراسية أو زيادة حصة التعليم في الميزانية، في الوقت الذي يتم فيه الصرف بسخاء على أجهزة الدولة القمعية وشراء أسلحة ومعدات حديثة وقنابل مسيلة للدموع لتفريق الاحتجاجات التي يشارك فيها الطلاب بوصفهم جزءا من شباب الثورة.
ويعد هذا القصور في التطوير دال على ما يشهده الواقع المصري الآن من مخالفات جسيمة في تحديد مصروفات التعليم والتي تم النص عليها في القوانين واللوائح المنظمة للعملية التعليمة في مصر على كونها اشتراكات أو مقابل خدمات إضافية تقدم للطلاب فيما يتعلق بالتعليم الأساسي الإلزامي، والتي تصل في مراحل التعليم طبقا لقرار سنوي يصدره وزير التربية والتعليم، إلى 55 جنيها، وتصل في مراحل التعليم الثانوي طبقا لنفس القرار إلى 60 جنيها، ويتم تحصيل مبالغ من أولياء الأمور في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة تتجاوز المليار جنيه، وهو ما يخل بمجانية التعليم ويضرب بالمبادئ المرساه في الدستور والمواثيق الدولية عرض الحائط.
وبالبحث في طبيعة (المبالغ) التي ترتبت بناء علي القرار الطعين يتضح أمرين:
أنها تتجازوت كونها مقابل للخدمات الإضافية وأصبحت رسوم مقابل خدمات تعليمية أساسية.
أنها أثرت على مجانية التعليم وأخلت بها إخلالا كاملا.
وبمراجعه القرار الذي تفرض بناء عليه الرسوم نجده يشتمل على 25 بندا يحصل عن كلا منها مبلغ محدد نجد أن منهم (21) بند تم إقرارهم بكونهم خدمات.
ويمكن تقسيم هذه البنود نظريا إلى ثلاثة أقسام:
أ – بنود مرتبطة بالخدمات التعليمة والتربوية وهي (النشاط الرياضي والكشفي – النشاط الاجتماعي – النشاط الفني – النشاط الثقافي – التربية البيئية والسكانية – المكتبات المدرسية– التطور التكنولوجي).
ب – بنود مرتبطة بالبنية التحتية للعملية التعليمية وهي (خامات ومستلزمات امتحانات النقل – صيانه المباني – صيانه الأجهزه – صيانه المعدات والماكينات– معامل ووسائل صيانة – خامات تعليم).
ج – بنود مرتبطة برسوم اشتراكات تحصل دون سند من القانون (المتحف – الاتحادات الطلابية – مجلس الأمناء والأباء والمعلمين– الاتحاد المصري للرياضة – رعاية اليتامى – التربية الخاصة – التأمين على الطلبة ضد الحوادث – تنمية الحسابات الخاصة).
وهو ما يعني أن السيد الوزير اعتبر إعداد الطلاب ثقافيا وعلميا وفنيا وتوفير حق المطالعة من خلال الكتب أو خلافه كالوسائل التكنولوجية عملا إضافيا وليس من صميم العملية التعليمية.
كما أنه اعتبر كذلك أن تسديد أولياء الأمور رسوم صيانة المباني وصيانة الأجهزة والمعدات اللازمة لقيام العملية التعليمية والمعامل ووسائل الصيانه عملا إضافيا أيضا ويختص به الطلاب وليس الدولة، أيضا اعتبر أن تحصيل الرسوم للاتحادات المختلفة ومجالس الأباء والمعلمين من الأعمال الإضافية على الرغم من كونها أحد أهم الأداوات التربوية التي تصقل النشئ وتجهزه للانخراط في المجتمع.
وطبقا لهذا العرض فإن قرار السيد وزير التربية والتعليم يحصل من أولياء أمور الطلاب مقابل خدمات أساسية ومهمه وبدونها لا يمكن للعملية التعليمية أن تقوم أو توضع تحت اسم الخدمات الإضافية، فإن تكاليف المستلزمات الأساسية أو ما يطلق عليه البنية التحتية للعملية التعليمية من صيانه للمباني والأجهزة وكذلك دعم المعامل ضرورية لقيام العملية التعليمية برمتها، وهي أمور لا يمكن النظر اليها على اعتبار أنها خدمات إضافية تحصل رسوم من أجل تشييدها.
وطبقا لهذا القرار فإن إجمالي ما يتم تحصيله من الطلاب نظير القيد في المدارس هو مبلغ يقترب من 977 مليون جنية، وطبقا للقرار الطعين فأنه يضاف على هذا المبلغ رسوم القيد لأول مرة وهو مبلغ يقترب من 3 مليون و700 ألف جنيه، ذلك بخلاف رسوم تأدية الامتحانات ليصبح إجمالي ما يتم تحصيله من الطلاب نظير التحاقهم بالعملية التعليمية واستمرارهم فيها مبلغ يزيد عن مليار و21 مليون جنيه سنويا.
في حين ان إجمالي ما تنفقة الدولة على العملية التعليمية هو مبلغ 31 مليار و238 مليون جنية تقريبا يذهب منهم 29 مليار 654 مليون على الأجور والتعويضات وتنفق مليار و500 مليون جنيه فقط على الخدمة التعليمية، وهو ما يعني أن المواطنين يتحملون أكثر من 70% من قيمة الخدمات التعليمية والتربوية.