هل تكذب وزارة الصحة الحقائق؟ تصريحات “سلامة مياه الشرب” في أسوان تتجاهل حكم القضاء
تابع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية البيانات والتصريحات الصادرة من وزارة الصحة والسكان والمسؤولين المحليين في أسوان، بشأن “سلامة مياه الشرب في محيط واقعة الإصابات بنزلات معوية حادة في قرية أبو الريش”، التي جاءت متناقضة مع حكم قضائي سابق يثبت تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في المنطقة ذاتها، ومنها في نهر النيل، ويقضي بإلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة وأخصها الوقف الفوري لأسباب التلوث وإزالتها.
وقال وزير الصحة والسكان خالد عبدالغفار، في تصريحات أمس السبت 21 سبتمبر 2024، إنه تم رصد بعض حالات النزلات المعوية الحادة في محافظة أسوان معظمها في منطقتين فقط، اتضح أن معظمها مصابة بنزلات معوية حادة، قد تنتج من تلوث في الطعام أو الشراب.
وأضاف أنه تم أخذ عينات من عدد 103 محطات مياه في محافظة أسوان لفحصها، وتم الاطمئنان على جاهزية ومأمونية مياه الشرب من خلال هذه المحطات، وهو ما أكده المتحدث باسم الوزارة حسام عبدالغفار في تصريحات سابقة.
كما صرح محافظ أسوان إسماعيل كمال بأن فحص العينات من المحطات والمرشحات والمنازل أثبتت أن مياه الشرب سليمة وليست السبب في إصابة هذه الحالات، وأنه سيتم الاستقصاء عن الأسباب الحقيقية لحدوث هذه الحالات سواء كانت من الفيروسات المرضية أو تناول الأطعمة أو المشروبات، مضيفا أن ذلك بشكل مستمر في فصل الصيف.
ونفت شركة كيما للصناعات الكيماوية، اليوم الأحد، تسببها في تلويث مياه الشرب في أسوان وحدوث بعض الإصابات، قائلة إنها تتبع البرامج اللازمة للمعالجات للصرف الصناعي، والذي يتم توجيهه إلى محطة العلاقي للصرف الصحي، والتابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسوان.
تأتي هذه التصريحات والبيانات متناقضة مع حكم محكمة القضاء الإداري بأسوان، في الدعويين 1685 لسنة 4 ق، و4652 لسنة 4 ق، بتاريخ 28 فبراير 2021، ألزم الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في مخر السيل بأسوان، بما في ذلك نهر النيل.
كان قد سبق إقامة الدعويين رقم 14 لسنة 1996 مستعجل أسوان ُبطلب إثبات إحالة مخر السيول وإثبات كافة الجهات الملوثة له، وقد انتدبت المحكمة خبيرًا في تلك الدعوى أثبت في تقريره الجهات المسؤولة عن هذه الجريمة، وتأيد هذا الحكم بالاستئناف رقم 40 لسنة 1998 مدني مستأنف، وعلى الرغم من ذلك استمر المدعى عليهم في المماطلة والتسويف، وبعرض المشكلة على المدعى عليه الأول أثناء زيارته لمحافظة أسوان وعد بحل المشكلة بحد أقصى نهاية مارس 2017 وهو ما لم يحدث، وهو ما حدا بالمدعين إلى إقامة الدعويين الأخيرين.
وتم تقديم الدعويين منذ عامي 2016 و2017، حيث أوضح المدعون الأثر الصحي والبيئي الكارثي لمياه الصرف غير المعالجة، التي تُصَرّف مباشرة في النيل، ما تسبب في تفشي الأمراض والأوبئة بين المواطنين، مثل الفشل الكلوي.
ووفقًا لحيثيات الحكم، تحول مخر السيول إلى مصب للنفايات بكمية تصل إلى 120 ألف متر مكعب يوميًا، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور والقوانين المعنية بحماية نهر النيل، ورغم الوعود السابقة بحل المشكلة، لم يُتخذ أي إجراء ملموس، ما يعكس تقاعس الجهات المعنية.
وأشارت المذكرة المقدمة من مدير هندسة الري بأسوان إلى تعدي شركة المياه والصرف الصحي على منافع الري بوضع مواسير في المجرى المائي لمصب مصرف مخر السيل الرئيسي بأسوان بالبر الأيمن لنهر النيل، وغلق المخرج فوق المواسير بألواح الصاج، دون اتخاذ الإجراءات اللازمة، ودون استخراج التراخيص من الإدارة العامة للري والإدارة العامة لحماية وتطوير نهر النيل، وكذلك صرف مخلفات صرف صحي غير معالج في مخر السيل من محطة “ك 5.500″، ومحطة كيما (1 ، 2)، ومحطة الجزيرة (5)، ومحطة كيما (7)، ومحطة الناصرية. وحررت هندسة الري بأسوان عن تلك الوقاع عددا كبيرا من محاضر المخالفات والإزالة، المؤرخة بأعوام 2014، 2015، 2016، 2017.
كما ثبت من التقرير المعد بمعرفة جهاز شؤون البيئة بتاريخ 13 أبريل 2017، أن محطة الرفع رقم 10 تجمع مياه الصرف الصحي والصناعي من شركة كيما وعدد من المناطق السكنية المحيطة، لصرفها في مصرف السيل مباشرة في أوقات الذروة لوجود عيوب فنية في المحطة.
وفي سابقة قضائية تعد الأولى من نوعها، انتقلت المحكمة بكامل أعضائها لمعاينة مصرف السيل على الطبيعة بطول 8 كيلو مترات من الجنوب للشمال، تطبيقا لقانون الإثبات، رافضة إسناد الأمر لأي جهة فنية أو لمكتب الخبراء، حتى تطمئن إلى صحة حكمها، وتأكدت الوقائع السابقة من خلال المعاينة التي أجرتها المحكمة.
وأوضحت المحكمة، في حكمها، أنه لا ينال مما تقدم ما قدمته جهة الإدارة من نتائج تحاليل أجريت في معامل وزارة الصحة تفيد بمطابقة عينات المياه المأخوذة من مواقع المخالفات للقرارات الوزارية والاشتراطات البيئية المعمول بهاء فتلك النتائج لا تعول عليها المحكمة، حيث إنها تتعارض مع نتائج تحاليل أخرى مقدمة مِن المدعين بل تتعارض مع بعض النتائج المقدمة من ُبعض الجهات الإدارية المدعى عليها، وما أثبتته كل من وزارة الري وجهاز شئون البيئة بالتقارير الفنية المقدمة من جانبهم على النحو المبين سلفا.
وأشارت إلى أنه لا ينال مما تقدم ما تذرعت به جهة الإدارة من أنها قامت باتخاذ بعض الإجراءات في ضوء المتاح لها، وأنه يدخل في صميم سلطتها إجراء الموازنة بين المصالح وترجيح أحدها، وأن ذلك من الملاءمات التي لا تخضع لرقابة القضاء.
هنا يثبت أن المحكمة لم تكتفِ بالاعتماد على التحاليل والتقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، بل استندت إلى نتائج تحليلية وتقارير موثوقة قدمها جهاز شؤون البيئة ووزارة الري، التي أكدت وجود عيوب فنية في محطات معالجة الصرف، وأن مخلفات غير معالجة تصرف في النيل ومخر السيول، من هنا، جاءت ثقتها في النتائج التي توصلت إليها بناءً على معاينة ميدانية دقيقة، رافضة أن تعهد بتلك المعاينات إلى جهة أخرى لضمان الشفافية والدقة.
يأتي ذلك في الوقت الذي ما تزال الحكومة متمسكة بطعنها على حكم محكمة القضاء الإداري بأسوان، وهو ما يستغربه المركز المصري، مؤكدا أنه من المفترض أن تقوم فلسفة عمل هيئة قضايا الدولة على تمثيل الحكومة أمام المحاكم بما لا يتعارض مع المصلحة العامة، ما يستدعي ضرورة التساؤل عن أسباب التقدم بطعن على حكم قضائي كان يجب على المسؤولين التنفيذيين إعماله فورا.
إن المركز يعبر عن قلقه من تجاهل الحكومة للحقائق الثابتة وأحكام القضاء وتأكيدها على تصريحات غير دقيقة، ويطالب بتعيين لجنة محايدة ومستقلة من مختصين للتأكد من وضع مياه الشرب في القرية، بحضور ممثلين عن المجتمع المدني في المنطقة ومحافظة أسوان، مع عرضها على الرأي العام، كإجراء شفاف وضروري لتحقيق العدالة وضمان الثقة بين المواطنين والجهات الرسمية.
كما نطالب الجهات المعنية بتحمل مسؤولياتها، وتقديم نتائج الفحوصات بشكل عاجل، والعمل على تحسين البنية التحتية للمياه لضمان سلامتها لجميع المواطنين، وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في مخر السيل بأسوان، ومنها في نهر النيل، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها الوقف الفوري لأسباب التلوث وإزالتها.