تنظر محكمة جنايات شمال القاهرة، الدائرة 15 إرهاب اليوم، تجديد أمر حبس إسماعيل الإسكندراني الذي لا يزال قابعا في محبسه بمجمع سجون طرة قبل أيام من مرور عام كامل على حبسه احتياطيا.. لايزال الصحفي والباحث الشاب بعيدا عن قلمه وأوراقه وأبحاثه، لا يزال الباحث المتخصص في الشأن السيناوي بعيدا عن زوجته وأهله وأصدقاءه، لا يزال إسماعيل السيد عمر، المرشح لجائزة “صحفيون بلا حدود” بعيدا عن أكثر الأشياء شغفا له في الحياة ألا وهي الكتابة والرصد والتوثيق لكل ما له علاقة بحقوق الإنسان.
فقد ألقى ضباط الأمن الوطني القبض على إسماعيل الإسكندراني فور وصوله مطار الغردقة الدولي مساء يوم 29 نوفمبر 2015، حينما كان عائدا من ألمانيا، وعلى إثر ذلك تم ترحيله إلى نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق معه، وجهت النيابة له تهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون (جماعة الإخوان المسلمين) بالإضافة لتهمة بث ونشر أخبار كاذبة (وذلك بخصوص أبحاثه ومقالاته عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بسيناء)، فإسماعيل باحث زميل لمبادرة الإصلاح العربي في باريس ويدرس مستقبل علاقة الإسلاميين باليسار العلماني في مصر، وباحث متخصص في شؤون سيناء، بالإضافة إلى كونه صحفي حر تنشر له مقالات وأبحاث عدة في جرائد ومواقع عالمية وإقليمية ومحلية مختلفة. ولا يخفى على أحد أن الإسكندراني كان دائم الخلاف مع سياسات ومنهجية جماعة الإخوان كما أنه أكد على ذلك ودلل عليه بالمواقف أثناء التحقيق معه في نيابة أمن الدولة العليا، أما فيما يخص مقالات إسماعيل وأبحاثه عن الوضع في شبه جزيرة سيناء، فهي لا تعبر في الواقع إلا عن الحقائق والأوضاع المعيشية السيئة التي يتعرض لها المواطن السيناوي منذ بدء العمليات العسكرية لتطهير سيناء من الإرهاب، فكان يلزم على الحكومة المصرية أن تتعامل مع المعطيات والحقائق التي يقدمها وينشرها إسماعيل بدلا من تقييد حريته، وذلك لإيجاد حلول فيما يخص الأوضاع السيئة في سيناء التي امتدت منذ عقود.
توجيه تهمة الانضمام لجماعة محظورة لإسماعيل أو لغيره قد يكون سببا كافيا لكي يستمر الحبس الاحتياطي لمدة عامين كاملين بحقهم، وذلك دون إحالة إسماعيل للمحكمة المختصة فالحبس الاحتياطي، طالت أو قصرت مدته، لا يعد قرينة أو سببا للإدانة، فتشريع الحبس الاحتياطي مقيّد بأسباب معينة حصرها المشرّع وذلك حتى لا تفتئت النيابة العامة على حقوق المتهم وخصوصا أن سلطتي التحقيق والاتهام في أيدي النيابة العامة، فعندما يقرر رئيس النيابة العامة أو قاضي التحقيق حبس المتهم احتياطيا على ذمة التحقيقات يكون ذلك إما حرصا على سلامة المتهم نفسه -كما هو الحال في جرائم الشرف أو الثأر- أو لعدم تأثير المتهم حال إخلاء سبيله على سير التحقيقات عن طريق العبث بالأدلة أو التأثير على سلطة التحقيق في أداء أعمالها -كأن يكون المتهم رجل أعمال يتمتع بنفوذ- وقد يقرر المحقق حبس المتهم احتياطيا خشية هربه حال إخلاء سبيله أو ألا يكون له محل إقامة ثابت ومعلوم، ما يعد احتمالا غير قائم في حالة إسماعيل الإسكندراني لأنه إذا كان ينتوي الهرب، لم يكن ليعود لمصر بإرادته الحرة ليمارس حياته الطبيعية، أما فيما يخص العبث بالأدلة، فضمن الأدلة المزعومة المدرجة في قضية إسماعيل مقالات وأبحاث منشورة ومحكّمة ومتاحة للجمهور والعبث بها غير وارد من الأساس، فلم الحبس الاحتياطي إن لم يكن إجراءً تعسفيا تجاه الباحث الشاب؟
فتهمة الانضمام التي وجهتها النيابة العامة لإسماعيل لا يعززها سوى تحريات الأمن الوطني ولا توجد أية أدلة مادية تؤكده عليها، فتلك التحريات، حسبما استقر قضاء محكمة النقض المصرية، لا تعبر سوى عن رأي مجريها ولا يصح أن تكون التحريات الأمنية الأساس الذي تستند إليه سلطة الاتهام في توجيهها للاتهامات لأي شخص، فأسباب الحبس الاحتياطي التي ذكرت سابقا لا تتوافر بالتالي في حالة الإسكندراني، فهو لديه محل إقامة معلوم ولا يتمتع بأي نفوذ يستطيع التأثير به على سلطة التحقيق، كما أنه قد عاد لمصر من ألمانيا وهو عالما بأنه يوجد أمر ضبط وإحضار بحقه وبالتالي فإن هذا ينفي أية نية لهروبه حال إخلاء سبيله، كما أن الضرر المعنوي والأدبي والمادي الذي تتعرض له أسرة الإسكندارني لا يمكن غض النظر عنه أو إغفاله بسبب اعتقاله الذي استمر لمدة عام والوارد أن يطول أكثر من ذلك والسبب مرده إلى نصوص قانون الإجراءات الجنائية التي تمنح سلطة التحقيق في تلك النوعية من القضايا حقا يشكل تعديا على حرية الإنسان.
أما تهمة بث ونشر أخبار كاذبة فهي من التهم التي لا يجوز حبس الصحفي فيها احتياطيا ولذا اقترنت هذا التهمة بالانضمام لجماعة محظورة، ما يتعرض له إسماعيل الإسكندراني يسمى بالحبس الاحتياطي التعسفي والغرض منه استغلال النصوص القانونية المعيبة لاستمرار حبس المتهم أطول فترة ممكنة دون إحالته لقاضيه الطبيعي لاحتمالية صدور حكم ببراءته كون القضية مبنية على التحريات الأمنية فقط، كما أن النيابة العامة -وهي سلطة التحقيق والاتهام- قد تأخرت تأخيرا لا مبرر له من الانتهاء من التحقيقات، فعلى مدار عام كامل لم يتم التحقيق مع إسماعيل سوى مرتين فقط وباقي الجلسات حتى الآن هي جلسات تجديد حبس لا يتجاوز مداها الزمني الخمس دقائق، فالحبس الاحتياطي التعسفي والتأخير غير المبرر في الانتهاء من التحقيقات يشكلان انتهاكا لضمانات التحقيق العادل والمنصف الذي تقره كافة المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، والتي تؤكد على افتراض قرينة البراءة في شخص كل إنسان طالما لم يصدر بحقه حكم بات بالإدانة.
حتى كتابة هذه السطور لم يتمكن أي محام من فريق الدفاع عن إسماعيل الإسكندراني من تصوير أوراق القضية أو حتى الاطلاع عليها، أو حتى استئناف أي أمر من أوامر الحبس الاحتياطي التي صدرت بحق الباحث الشاب والتي بلغت 12 قرارا كان آخرهم في 8 أكتوبر الماضي وفي تلك الجلسة قررت هيئة المحكمة استمرار حبسه 45 يوما على ذمة التحقيقات، وبالتالي فإن الاتهام الرئيسي الموجه لإسماعيل، وهو الانضمام لجماعة محظورة، قد جاء مجهلا نظرا لعدم اطلاع المحامين على أوراق القضية، مما يخل أيضا بضمانات التحقيق المنصف.
فتعنت نيابة أمن الدولة العليا بمنع المحامين من أداء عملهم المنوط بهم وفقا للدستور وقانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة لا يبرره سوى السلطة المطلقة التي تتمتع بها هذه النيابة تحديدا كونها تحقق في نوعية جرائم ماسة بأمن الدولة!
الملفت للانتباه أن كافة التشريعات الجنائية المقارنة لم تعد تأخذ بنظام الحبس الاحتياطي إلا في أضيق الحدود، فأصبح الحبس الاحتياطي استثناءً في كافة الأنظمة الجنائية المختلفة وقد أصبح هناك أكثر من بديل للحبس الاحتياطي كالتدابير الاحترازية أو العمل للمصلحة العامة، فالحبس الاحتياطي يدور وجودا وعدما حول مفهوم الخطورة الإجرامية في شخص المتهم والتي تؤكدها الدلائل الجدية والكافية، فإسماعيل ليس بالشخص المجرم أو الخطر على الأمن فهو لا يمتلك سوى قلمه وأفكاره، كما لا يوجد حتى الآن أية دليل واجهت به جهات التحقيق سوى تحريات الأمن الوطني.
وفي هذا السياق يدشن المتضامنون مع الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني حملة واسعة من أجل إطلاق سراحه تبدأ يوم 22 نوفمبر ولمدة أسبوع، على أن تختتم فعالياتها يوم 29 الموافق مرور عام على القبض عليه واستمرار تجديد حبسه بتهم باطلة، بحملة واسعة للتدوين عنه دفاعا عن حريته وحقه في التعبير.