English أحكام المكتبة القانونية عمل ونقابات مكتبة | أحكام

من حيثيات حكم القضاء الإداري بإحالة قانون النقابات العمالية للدستورية العليا

فى يوم 26 يونية ٢٠١٦ أصدرت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار/ أحمد الشاذلي، حكماً تاريخياً بالاستجابة لدفاع وطلبات خالد على محامى النقابات المستقلة بإحالة المواد (٤ ، ٧ ، ١٣ ، ٦٣) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 للمحكمة الدستورية العليا، للفصل فى مدى دستورية تلك النصوص والتى تحرم الطبقة العاملة من الحريات النقابية والحق فى التنظيم.

وقد تضمن هذا الحكم التاريخي عددا من المبادىء القضائية التى أوضحت رؤية المحكمة بشأن ثورة يناير وتأثيرها على البناء التشريعى والدستوري، والحريات النقابية العمالية والحق فى التنظيم، وأسباب إحالتها تلك النصوص للمحكمة الدستورية ، وكذا رؤيتها للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان:

  1.  وكان أول ما تضمنه في حيثياته هو شطب أو إساءة لثورة يناير وردت بالعريضة أو المرافعة، اتحاد العمال الحكومى ومحاميهم، حيث ذكرت  “والمحكمة فى هذا الصدد تحذف كل ما ورد بصحيفة الدعوى من نسبة أيمثلب لثورة الخامس والعشرين من يناير سواء ما ورد مسطرا فى صحيفة أو قولا أمامها عملا بسلطانها المقررة بالمادة 105 من قانون المرافعات، وما ذلك إلا انحناءً من منصة القضاء العالية لقول الشعب المسطر في الوثيقة الدستورية وهو القول الفصل الذي يقصر أمامه أي اجتهاد أو اتجاه سياسي ويبقى ساريا ومقدرا ومحترما إلى أن يرى فيه الشعب قولا آخر وتكتفي المحكمة بذكر ذلك فيالأسباب دون حاجة إلى تكرار ذكره فى المنطوق”.
  2. وعن تقييم المحكمة لتجربة التنظيم الحكومي ومدى قدرته أو فشله فيالتعبير عن هموم الطبقة العاملة، ذكرت الحيثيات “ثبت من التجربة المصرية في العقود الماضية أن الحركة النقابية العمالية أسفرت عن تنظيم حكومي لم يستطع أن يعبر عن هموم وآمال الطبقة العاملة سواء في مواجهة الدولة أو أرباب الأعمال”. كما ذكرت المحكمة أنه من الواجب أن “يلزم سلطات الدولة أن تعلي داخل هذه الطبقة روح الفهم الديمقراطي الدافع إلى تحسين الأداء خدمة للاقتصاد القومي ونبذ النظرية الاستعلائية التي قد تأتي من داخل التنظيم الحكومي ذاته وتتناسى أن هذه الفئات وأن أطلق عليها ملح الأرض فمعناها قطعا التبر والمعدن النفيس اللازم لاستمرار دورة الحياة”. معلقة على القانون الذي ينظم النقابات العمالية قائلة “إن هذا التنظيم التشريعى ينال من حقوق التنظيم النقابي الذي يمثل في الأصل تعبير عن إرادة شعبية لطبقة أو مهنة تتشارك في هموم الحياة وتسعى لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لأفراد المهنة الواحدة….”.
  3. وعن تعريف المحكمة لنقابات العمال، وحق تلك النقابات فى استخدام وسائل الضغط الاحتجاجي والسياسى دفاعا عن مصالحها، ذهبت إلى “إن النقابات العمالية هى تنظيمات جماعية اختيارية للعمال أو أصحاب الأعمال، وهى لمن يعملون فى مهنة أو مجال عمل معين، بهدف الدفاع عن حقوقهم وتمثيل مهنتهم والنهوض بأحوالهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والمهنية وحماية مصالحهم، كما أنها تعمل على تحسين ظروف وشروط أعمالهم، وتعبر عن وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة لأعضائها، وتمثيلهم فى مواجهة الآخرين، ولها فى ذلك الشخصية الاعتبارية الكاملة خاصة فى التفاوض والتعاقد والتملك والتقاضي بغير حاجة إلى توكيل أو تفويض، وتقوم إداراتها على أساس وقواعد الديمقراطية والحرية النقابية”.
  4. هذا وقد رأت المحكمة شبهة عدم دستورية في النصوص التي تحرم العمال من التعددية النقابية، حيث ذكرت الحيثيات أنه “وعن هذا الوجه من الطعن تؤكد المحكمة أن أحكام الدستور المصريتنصرف مسايرة في ذلك الاتفاقيات الدولية المشار إليها آنفا إلى فكرة استقلال النقابات العمالية وقبول فكرة تعددها داخل إطار المهنة الواحدة أو المهن المماثلة وأخرج من هذا الحكم إنشاءً ومن ثم تعدد الهيئات النظامية، وهو مسلك يختلف عن التنظيم الخاص بالنقابات المهنية (مادة ٧٧ من الدستور) التى قصرت تنظيمها على نقابة واحدة لكل مهنة، وتغدو من ثم المنازعة فى حق تشكيل النقابات ووضع قيود واجراءات تنظيمها وإنشائها أو انحسارها في بوتقة تنظيم حكومي واحد على رأسه الاتحاد العام لنقابات العمال، ووسد الأمر إليه بمنع قيام تنظيمات نقابية تعبر عن الإرادة الحقيقية للطبقة العاملة داخل المهن العمالية المختلفة يقوم به شبهة عدم الدستورية”. وأكدت المحكمة “ولا ريب أن ذلك ينال من حقوق التنظيم النقابي وهو فى الأصل تعبير عن إرادة شعبية لطبقة أو مهنة تتشارك هموم الحياة وتسعى إلى رفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمهنى لأفرادها”.
  5. وعن قيمة تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان قالت المحكمة “ومن حيث أن المحكمة تؤكد على أن القول باحترام اتفاقيات حقوق الإنسان ينال من سيادة الدول يتجافى مع الواقع والقانون بحسبان أن الدولة في دستورها الصادر عن الشعب هي التي أعطت هذه الاتفاقيات موضع الاحترام والتقدير، فمن ينفذ التزامه الدستوري لا يجرح كبرياءه بل يؤسس لنظام ديمقراطي يعلي من شأن الفرد وكرامته وحقوقه وهو فى عمق الزمان أفضل إنجاز لكل من يوسد أمر البلاد، فإذا عدلت التشريعات السارية أو صدرت التشريعات الجاري إعدادها فى إطار اتفاقيات حقوق الإنسان استوى البنيان الدستوري للنصوص التشريعية الحاكمة واستشعر المواطن أن بلده هي من رفعت من شأنه بين شعوب العالم بغض النظر عن الدعاوى التى تصدر عن بعض المنظمات والدول قائمة على أساس الانتقاء أو الهوى السياسى وترسخ لدى البعض أن الحقوق والحريات فقط للدول المتقدمة وأن الأنظمة فى غيرها تضع شعوبها فى مرتبة أدنى وأن الحقوق تنزع جبرا لتوجيه دولي وهو ما يجرح الكبرياء العام وخاصة فى مصر التي سبقت غيرها من دول العالم لموقع اصطفاها به الله وحضارة تليدة ارتوت من عبق الزمان أصالة وعزة”.

إن المركز المصري إذ يثمن هذا الحكم وتلك الحيثيات التي سيخلدها التاريخ القضائي المصري، فإنه يسعى من خلال الحصول على تلك النوعية من الأحكام إلى رد الحقوق لأصحابها من جانب، ومن جانب آخر السعي بمعاونة العاملين في مجال حقوق الإنسان وتلك الأحكام القضائية المنصفة إلى الضغط على الجهات المسؤولة لاستحداث تشريعات تتناسب مع التغيرات التي طرأت على الواقع المصري خصوصا بعد ثورة 25 يناير 2011 المجيدة، والتي جاءت كتتويج لنضالات الشعب المصري العظيم على مدار عشرات السنوات، ولتفتح مجالا جديدا لنضالات أكثر وعيا وتنظيما وقدرة على الوقوف بصلابة في وجه من يحاول النيل من حقوقه في جوانب الحياة المختلفة وكافة الحريات وفي مقدمتها الحريات النقابية والحق في التنظيم.