بلاغات و عرائضبيانات المركزعمل ونقابات

المركز المصري يطالب: الحكم بشرعية تأسيس النقابات العمالية المستقلة وإحالة قانون 35 لسنة 1976 للدستورية

قدم محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مذكرتي دفاع أثناء مرافعاتهم أمام محكمة القضاء الإداري بصفتهم وكيل عن نقابة الضرائب العقارية المستقلة في الطعنين 12089 و24661 لسنة 69 ق المقامتين من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وإحدى نقاباته اليوم.

شرعية النقابات المستقلة

وأكد محامو المركز في المذكرة الأولى على ضرورة رفض دعوى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر التي تطالب بإلغاء قرار قبول إيداع أوراق تأسيس النقابات المستقلة واتحاداتها لأنها لم تودع أوراق قيدها بالاتحاد العام، ولم تنضم لعضويته، وطالب محامو المركز بالحكم بشرعية ودستورية وقانونية تأسيس النقابات العمالية المستقلة واتحاداتها، استنادا إلى:

  • إن تأسيس النقابات العمالية المستقلة واتحاداتها استند إلى الاتفاقيات التى وقعت وصدقت عليها مصر وأضحت جزءا من البناء التشريعي المصري بعد نشرها، وأي نص بقانون النقابات العمالية الصادر عام 1976 يتعارض مع هذه الاتفاقيات وخاصة العهدين الدولين والمنشورين بالجريدة الرسمية عام 1982 تصبح نصوص العهدين هي الواجبة التطبيق لأنها الأحدث إعمالا لقاعدة الناسخ والمنسوخ، فالنص الأحدث ينسخ ويلغى ضمنيا النصوص الأقدم المتعارضة معه، وذلك إعمالا للمادة الثانية من القانون المدني المصري.
  • إجراءات تأسيس النقابات المستقلة واتحاداتها -ولو سلمنا على سبيل الفرض الجدلي بوجود خطأ فى الإجراءات- قد تحصنت بموجب نص المادة 64 من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 التى تتيح للاتحاد العام الاعتراض على أي إجراء من إجراءات التأسيس بموجب خطاب مسجل بعلم الوصول خلال 30 يوما من إيداع أوراق النقابة في القوى العاملة، وعلى النقابة الجديدة أن تصحح إجراءاتها خلال 30 يوما من إخطارها، وإلا يحق لاتحاد العمال خلال الـ30 يوما التالية لمهلة التصحيح أن يطلب من المحكمة الحكم ببطلان تكوين النقابة، وبالتالي لا يجوز للاتحاد العام الذي تجاهل كل هذه الاجراءات أن يأتي اليوم وبعد مرور سبع سنوات على تأسيس النقابات المستقلة وأن يطالب بالغائها رغم عدم اتباعه للخطوات الموضحة بالمادة 64 من قانون النقابات العمالية التي تحدد طريق وحيد للاعتراض على إجراءات التأسيس.

دستورية قانون النقابات العمالية

أما المذكرة الثانية فقد خصصها محامو المركز للدفع الاحتياطي بعدم دستورية المواد (4، 7، 13، 63) من قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته لمخالفتهم لنصوص المواد (9، 53، 65، 76، 87، 93، 151) من دستور 2014، حيث استند محامو المركز إلى:

  • ما فعله المشرع في النصوص الطعينة –لو سلمنا على سبيل الفرض الجدلى أنها مازالت سارية ولم تلغ ضمنيا بعد تصديق مصر على الاتفاقيات الدولية- من حرمان العمال من بناء تنظيماتهم المستقلة وإجبارهم على عدم وجود أي تشكيلات بعيدا عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بزعم الحفاظ على وحدتهم لا يخلق إلا وحدة زائفة تحول دون خلق الطبقة العاملة لتنظيماتها التي تدافع عنها بشكل حقيقى وفاعل، فالوحدة الحقيقية هي التي تتأتي من تلاقي إرادات العمال وتنظيماتهم، ولا يمكن أن تتأتي بنص تشريعي يفرضه المشرع على الطبقة العاملة، وخير مثال على ذلك هو سعي عمال مصر لبناء اتحادات ونقابات بعيدا عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وتنظيماته الذي رأوا أنه لا يمثلهم، ولا يعبر عن مصالحهم، ومن هؤلاء أعضاء النقابات المستقلة.
  • النصوص الطعينة تتعارض مع جوهر الفكرة النقابية ذاتها، والتى تقوم على الاختيارية أو السلوك الطوعي في تأسيس النقابات والاتحادات أو في الانضمام إليها أو الخروج منها، فالحرية النقابية هي أساس وأصل التنظيم النقابي، أما هذه النصوص فإنها تجعل أفراد الطبقة العاملة بين خيارين أسوأ من بعضهما:

الخيار الأول: إجبار أفراد الطبقة العاملة على الانضمام لتنظيم نقابي قد لا ترضى عنه، أو ترى أنه لا يمثلها أو يدافع عن مصالحها.

الخيار الثاني: عدم الانتظام في نقابات وحرمان أبناء الطبقة العاملة من المظلة النقابية لأنهم لا يملكوا الحق فى بناء تنظيم نقابى جديد بعيدا عن التنظيم المفروض من الدولة أو المشرع.

  • لا توجد ضرورة اجتماعية للنصوص الطعينة التى تفرض على الحركة النقابية العمالية تنظيم واحد لكونها تتجاهل الفارق الجوهرى بين النقابات العمالية والمهنية، فالنقابات العمالية شخص من أشخاص القانون الخاص وعضويتها اختيارية، وبالتالي ينطبق عليه مبدأ حرية التأسيس والانضمام والانسحاب، أما النقابة المهنية فتعتبر مرفق عام نظرا لأنها لا تنشأ إلا بقانون وقائمة على إدارة المهنة لان الدولة منحتها جزء من صلاتها لهذا الغرض وأموالها أموال عامة، فى حين نجد النقابة العمالية ما هي إلا مرفق خاص لأنها تنشا بإرادة أعضائها وهدفها الدفاع عن مصالح أعضائها والمنضمين إليها، وأموالها تعد أموال خاصة.[1] وبالتالي فإن فرض هذا التنظيم النقابى الأحادى على الحركة العمالية وحرمانها من حريتها النقابية فى بناء تنظيمات أخرى، وفى ظل غياب الضرورة الاجتماعية لهذه النصوص فإنه يجعلها مشوبة بعيب الإنحراف التشريعى.
  • النصوص الطعينة يتجاوز المشرع من خلالها حدود سلطته التقديرية، وينصب نفسه باعتباره صاحب الحق فى تقرير مصير الطبقة العاملة المصرية، وأنه المسئول عن حسم خياراتها، متجاهلا بذلك أن الدستور لا يسمح له بمصادرة الحقوق والحريات الدستورية، ولكنه منحه فقط سلطة تقديرية لكفالة تنظيم ممارسة الأفراد لتلك الحقوق والحريات دون انتقاص أو إهدار، فليس من حق المشرع أن يضع نصا يفرض على العمال التعددية النقابية، وفى ذات الوقت ليس من حق المشرع أن يضع نصا يفرض على العمال بناء نقابي محدد بزعم ضمان وحدتها، فالنصوص الدستورية تضمن الحرية النقابية، وكذا تضمن الحقوق والحريات المرتبطة بها، وعلى المشرع وضع القواعد التى تضمن تمتعهم بها، أما تقرير تعدد تنظيمات العمال أو توحدها هو رهن بإرادة العمال فقط، ولا يجوز للمشرع فى الحالتين فرضه عليهم بنص تشريعى خاصة أن نص المادة 76 من الدستور تلزم المشرع بإصدار قانون يضمن ديمقراطية التشكيلات النقابية ويسمح للنقابات العمالية أن تمارس نشاطها بحرية ويضمن استقلالها ولا يوجد بالنص الدستوري ما يتيح للمشرع التدخل لتحديد أشكال التنظيم النقابي العمالي ومحتواها ونطاقها.
  • المادة (93) أُضيفت للبناء الدستورى المصرى بعد إصدار دستور 2014، وهذه المادة تلزم الدولة باحترام الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان التى صدقت عليها مصر، كما أكدت المادة على ضمان تمتع تلك الاتفاقيات بقوة القانون بعد نشرها طبقا للأوضاع المقررة.

الدستور والحريات النقابية

قد يرى البعض أن هذه المادة لم تضف جديدا على ما ورد بالمادة (151) من دستوري 1971 و2014 التي تنص على أن الاتفاقيات التى يبرمها ويصدق عليها رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس النواب تتمتع بقوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور.

وفي الحقيقة هذه الرؤية قاصرة، فالمشرع الدستورى لم يضيف المادة (93) على سبيل الصدفة أو العبث أو لإحداث تكرار بالنصوص الدستورية لا طائل منه، وإنما استهدف بهذا النص أن يجعل نصوص الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، والتي صدقت عليها مصر، ونشرت وفق أحكام الدستور، في درجة أعلى من التشريع الداخلى ومن غيرها من العهود والاتفاقيات غير المتعلقة بحقوق الإنسان، فهذه المادة أحدثت تعديلا بالهرم التشريعي المصري الذي كانت تتكون قمته من (الدستور، ثم القانون الداخلي وسائر الاتفاقيات لكونهما في مرتبة تشريعية واحدة، ثم اللوائح)، وأصبح الهرم التشريعى بفعل المادة (93) من الدستور تتكون قمته من (الدستور، ثم اتفاقيات حقوق الانسان، ثم التشريع الداخلى وباقي الاتفاقيات الأخرى، ثم اللوائح)، فنص المادة (93) يلزم المشرع القانونى بعدم إصدار أي تشريعات أو إحداث أي تعديلات تشريعية تناهض الحقوق والحريات الواردة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق التى تتعلق بحقوق الإنسان التى صدقت عليها مصر لأن النص ضمن لهذه الاتفاقيات حماية دستورية خاصة، وألزم الدولة بتلك الحقوق.


[1] حكم المحكمة الدستورية 37 لسنة 18 قضائية دستورية الصادر في 4 أبريل 1998 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 16 في 16 أبريل 1998




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى