بيانات المركز بيانات صحفية سياسات اقتصادية

سياسات الخميس الأسود : تحرير بدون حماية اجتماعية

قامت الحكومة المصرية الخميس الماضي بتحرير سعر صرف الجنيه إثر أزمة سيولة دولارية عصفت بالاقتصاد المصري طوال السنة الماضية، جاء ذلك القرار متبوعاً بقرار تخفيض دعم الوقود لتسجل أسعار المواد البترولية زيادات تراوحت بين ال7.1% و 87.5%.

ويعد هذين القرارين جزءا من حزمة “الإصلاح الاقتصادي” التي ألزمت الحكومة نفسها بها أمام مؤسسات التمويل الدولية لكي تساعدها في مواجهة الأزمة المالية الجارية، إلا أن طريقة معالجة الأزمة بالاتفاق بين السلطة في مصر والمؤسسات المالية جاءت غير مكترثة بالمواطن العادي الذي سيتعرض لضغوط بالغة من جراء هذه السياسات، ولم تطرح الحكومة المصرية أي بديل للحماية الاجتماعية إلا اجراءات محدودة الأثر مثل تخفيض سن المُستحقين لمعاشات كرامة من 65 عاماً لـ60 عاماً وزيادة 3 جنيهات للفرد في بطاقات التموين في خطوة استفزازية أكثر منها حمائية.

وفي الوقت الذي تسارع فيه الحكومة الخطى في تحرير أسواق العملة ومنظومة الدعم تسير ببطء شديد في مسار تفعيل مشروعات اجتماعية كبرى مثل تطوير منظومة التأمين الصحي أو إعادة هيكلة منظومة التأمينات الاجتماعية وتوفير إعانات للمتعطلين، إذ لاتزال تلك المشروعات حبرا على ورق.

وتأتي توقعات التضخم المطروحة كناقوس إنذار حيث أن أكثرها تفاؤلاً لم ينخفض عن الـ20% بنهاية العام الحالي ومن المحتمل أن تصل معدلات التضخم إلى نحو 30%منتصف العام القادم.

وتأتي تلك الموجة التضخمية كنتيجة لحزمة السياسات المطبقة بالتفاهم بين الحكومة وصندوق النقد الدولى،والتي يتزامن تطبيقها مع مستويات مرتفعة بالفعل للتضخم السنوي، الذي بلغ 13.9% في سبتمبر الماضي، ومستويات عالية من البطالة مما يزيد من قسوة الآثار الاجتماعية لهذه السياسات.

وتشمل السياسات المحفزة للتضخم الخفض الدرامي لدعم الوقود و المحروقات والذي يتوقع أن ينعكس على السعر النهائي للعديد من المنتجات الاستهلاكية. بالإضافة لخفض قيمة الجنيه و الذي ارتفع الدولار أمامه  مع البدء في إجراءات تعويم الخميس الماضي من 8.78 جنيه إلى 13 جنيهاً ليصل إلى نحو 16 جنيهاً مسجلاً إنخفاضاً كلياً يفوق الـ80%، وهو خفض عنيف بالنظر إلى وجود تقديرات بأن كل خفض بنسبة 10% في العملة المحلية يزيد التضخم بما يتراوح بين 1.5-2%.

ومع تفهمنا التام لخطوة التعويم كإجراء تقبل عليه الحكومة للسيطرة على مضاربات السوق الموازية وإعادة السيولة الدولارية إلى القطاع المصرفي بعد أن صارت نسبة كبيرة من التعاملات تتم خارجه مما أصاب الحياة الاقتصادية بدرجة من الشلل، إلا أن تفاقم الفجوة السعرية بين السعرين الرسمي والموازي كان انعكاسا لتردي الأداء الاقتصادي للحكومة ولا يظهر حتى الآن أي مؤشر على رؤية جديدة لتحسين هذا الأداء، كما أن التعويم الصادم للعملة ستكون له آثار بالغة ليس فقط على المستوى الاجتماعي ولكن الاقتصادي أيضا وهذا مالم تعلن الحكومة حتى الآن كيفية تداركه.

فهناك تخوفات من أن تظل التدفقات الدولارية غير كافية لسد احتياجات البلاد في ظل اعتماد مصر على الاستيراد و هو ما يتجلى في عجز الميزان التجاري الذي فاق الثمانية مليار دولار في الربع الرابع من السنة المالية 2015-2016، الأمر الذي قد يعيدنا إلى أجواء عدم إتاحة السلع الاستراتيجية في الأسواق قبل التعويم.

و خلافاً لما يروج له البعض من دعاة التقشف من أن النشاط الاستيرادي مسرف و استهلاكي وأن الحكومة تستطيع إيقافه إذا فرضت قيودا استيرادية على السلع الترفية، فإن أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي توضح أن قرابة 74% من نشاط الاستيراد كان موجهاً لمدخلات إنتاجية مثل الوقود والسلع الخام، الوسيطة و الاستثمارية، مما يعني أن الاستيراد بالنسبة للاقتصاد المصري ليس رفاهية و ترف و إنما ضرورة لاستمرار العملية الاقتصادية، وتحتاج البلاد لرؤية واضحة حول كيفية تحفيز النشاط التصنيعي مع ارتفاع تكاليف المدخلات المستوردة بالسعر الجديد للعملة الأمريكية.

كما أن غياب الإجراءات الوقائية الجادة التي وجب أن تصاحب هذه القرارات يحول هذه الخطوات من إصلاح إقتصادي لحرب اقتصادية على الأكثر فقراً،؛ فقرارات 3 نوفمبر قد ترفع معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر حيث لم تتطرق الحكومة لتطبيق إجراءات لزيادة الدخول مثل توفير إعفاءات ضريبية على ضرائب المرتبات وكأنها تتعمد دفع الطبقة المتوسطة إلى الفقر، وتأتي تلك الإجراءات في ظل ارتفاع معدلات الفقر التي فاقت 27% من السكان في آخر تقارير جهاز التعبئة العامة والإحصاء.