الطريق الي cop27 عدالة بيئية

سكة السلامة| وسائل النقل.. القطاع الأكثر تلويثا للبيئة (إشكاليات وحلول)

منذ عقود تتوالى اجتماعات زعماء العالم، التي ينتج عنها حزمة من الاتفاقيات الخاصة بسياسات تغير المناخ، فيما تشير أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إلى أن الدول الأعضاء في اتفاقية باريس ليست على المسار الصحيح للوصول إلى الأهداف المحددة خصوصا فيما يخص انبعاثات الغاز الدفينة، وما لوسائل النقل من تأثيرات في اتجاهها.
إن نمو النقل السريع هو أعظم إنجاز للإنسان في تقليل المسافات، ولكنه في نفس الوقت أصبح أيضًا سببًا للتدهور البيئي، لتصبح العواقب البيئية هي القلق الحقيقي لتطوير قطاع النقل.
لقد أصبحت الآثار البيئية لتطوير النقل معترف بها على نطاق واسع مع عدد كبير من المنظمات الحكومية، وغير الحكومية، المحلية والوطنية والدولية التي تساهم في النقاش، وتعد بالانتقال إلى مرحلة النقل المستدام.
عند النظر في العلاقة بين النقل والبيئة، نواجه على الفور مفارقة محتملة: فمن ناحية، تسعى المجتمعات الصناعية الحديثة إلى تحقيق النمو الاقتصادي من خلال التبادل المفتوح للأشخاص والمواد الخام والطاقة والسلع والخدمات في سوق عالمية متزايدة، ومع ذلك، من ناحية أخرى، فإن أنظمة النقل المطلوبة للسماح بمثل هذا التبادل قد تمارس ضغوطًا على البيئة تؤدي إلى تدهور السلامة الوظيفية ونوعية النظم البيئية الطبيعية إلى الحد الذي يجعل احتمالية الحفاظ على جودة حياة عالية أو تحقيقها في العديد من المجتمعات البشرية مهددا، وإيجازا، فإننا لا يمكننا العيش بدون تطوير النقل، لكن لا يمكننا أيضًا التعامل مع آثاره الجانبية على المدى الطويل.
بالمعنى نفسه، ينص برنامج العمل البيئي الخامس للاتحاد الأوروبي على أن النقل “حيوي لتوزيع السلع والخدمات، وللتجارة والتنمية الإقليمية”، لكنه يجادل بأن الاتجاهات الحالية نحو زيادة الطلب على النقل من المرجح أن تؤدي إلى “زيادة عدم الكفاءة والازدحام، التلوث، وإهدار الوقت، والقيمة، والخطر على الحياة، والخسارة الاقتصادية العامة “.
وسائل النقل في الحالة المصرية
في مصر، أوضح تقرير صادر عن وزارة البيئة أن نسبة التلوث في الهواء قد تجاوزت الحد المسموح في القانون حيث تخطت 81 %.، كما أكد التقرير، أن سكان مصر وخاصة في المدن الكبرى مازالوا يتعرضون لمستويات مرتفعة من التلوث بالجسيمات الدقيقة العالقة.
وفي بحث بعنوان دور النقل الحضري المستدام في حل مشكلة تلوث الهواء فى القاهرة الكبرى لأستاذ الهندسة المعمارية محمد عادل سالمة، اعتبر مشكلة تلوث الهواء الرئيسية في مصر هي الجسيمات الثقيلة الضارة، من أبرز مصادر الغبار والجسيمات الصغيرة هي وسائل النقل، حيث يعد المسؤول عن ثلث تلوث الهواء من الجسيمات العالقة، و90 %من انبعاثات أول اكسيد الكربون، و50 %من انبعاثات أكسيد النيتروجين، كما يعتبر قطاع النقل البري ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث يساهم بنسبة 15%من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في مصر.
وطبقا لتقرير صادر عن البنك الدولي فإن حوالي 40%من انبعاثات النقل تأتى من منطقة القاهرة الكبرى وحدها، والتي تشمل حوالي50 %من جميع المركبات الآلية في مصر.
وقد بينت دراسة عن حالة البيئة في مصر قام بها جهاز شئون البيئة عام 2017 عن تركيزات الجسيمات الصغيرة الصلبة على مستوى القاهرة الكبرى، أن الجسيمات الصلبة ذات القطر الأقل من 10 مايكرومتر يوجد ارتفاع في المتوسط السنوي العام لتركيزات الجسيمات العالقة الصدرية بلغ 127 ميكرو جرام / م3، وهي أعلى من الحد الأقصى المسموح به قانونا وهو 70 ميكروجرام/م3 , كما سجل المتوسط السنوي العام لتركيز ات الجسيمات العالقة الصدرية بقطر أقل من 5.2ميكرومتر قيمة قدرها 60 ميكرو جرام/ متر3، وهي أعلى من الحد الأقصى المسموح به قانونا وهو 50 ميكروجرام/ متر.3
كما بينت دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية عام 2016 أن القاهرة ثاني أكبر مصدر لتلوث الهواء في الفترة من عام 2011 م إلى 2015.
وسائل النقل.. تأثير اقتصادي
ولتلوث الهواء تأثيرا اقتصاديا حيث أوضحت الدراسات تأثير تلوث الهواء على الاقتصاد في القاهرة الكبرى الذي يكبد الاقتصاد المصري ما يعادل 35.1 %من إجمالي الناتج المحلي سنويا، وذلك باحتساب الخسائر على الصحة في القاهرة الكبرى فقط، كما أثبتت العديد من القياسات في معظم المدن المصرية أن تركيز الملوثات الرئيسية في الهواء يتجاوز
معايير منظمة الصحة العالمية، وأن هذا التلوث يتسبب سنويا في 3400 وفاة مبكرة و15000 حالة التهاب مزمن، وثمانية ملايين نوبة ربو، كما قدرت الخسائر المادية الناجمة عن التلوث بنحو 1,2 بليون دولار سنويا، فضلا عن تأثيره على الإنتاجية حيث أوضحت الدراسات زيادة عدد المرضى الذين يترددون على مستشفيات الصدر بسبب التلوث، وأن 9 من بين كل 10 مواطنين يتنفسون هواء سيئا.
وتعد مشكلات التكدس المروري من أهم المشكلات الناتجة عن قطاع النقل، حيث أوضحت الدراسات قيام 27 مليون رحلة باليوم الواحد، ما أدى إلى زيادة الازدحام، وبالتالي تدهور نوعية الهواء، حيث يمثل قطاع النقل ثلث أسباب تلوث القاهرة.
يعدد البحث المقدم من أستاذ الهندسة المعمارية سالمة أهم أسباب مشكلات النقل في مصر فيما يلي:
– النمو الحضري والسكاني السريع منذ 30 سنة حيث بلغ 55.2 %في السنة.
– الزيادة السريعة في نسبة امتلاك السيارات الخاصة والتي بلغت 5 %فى السنة.
– إلغاء وسائل النقل الجماعي ذات السعات العالية والاسعار الرمزية مثل الترام.
– تركز العديد من الانشطة ذات الجذب العالي للرحلات داخل الإقليم مثل الأسواق والمولات التجارية، والمعارض والمصانع.
– تمركز الجامعات والمدارس الخاصة في اقليم القاهرة الكبرى.
– زيادة حجم الحركة بين شرق وغرب اقليم القاهرة الكبرى نظرا لوجود المسكن في الشرق والعمل في الغرب أو العكس.
النقل المستدام.. حلول
كان اللجوء الى النقل الحضري المستدام ضرورة، حيث يعتبر الحل الأمثل للتخفيف من الآثار البيئية السلبية الناتجة عن النقل، فهو يأخذ بعين الاعتبار مبادئ التنمية المستدامة.
كما ان النقل الحضري المستدام لا يهدد الصحة العامة وسلامة المواطن والبيئة، ويستخدم الموارد المتجددة بمعدلات لا تؤثر على تجددها، ويهدف الى تلبية الاحتياجات الحالية دون المساس بالاحتياجات المستقبلية، من خلال ترشيد استعمال وسائل النقل للتخفيف من سلبياتها، كما يجب أن تتحقق معايير الصحة لانبعاثات أكسيد النتروجين، وثاني أكسيد الكربون، والأوزون والجسيمات، وأهداف حماية النظام البيئي المتعلق بحماية الأراضي.
وبما إن النقل الحضري يعتبر ضرورة ملحة تفرضها الحياة الحضرية داخل المدن، وأن قطاع النقل يعتبر من أهم القطاعات التي تعمل على النهوض بالمدن اقتصاديا، واجتماعيا وبيئيا في الحاضر والمستقبل، فانه من الضروري الأخذ في الاعتبار الاعتبارات البيئية لتخطيط نقل حضري مستدام.
وكانت مصر قد وضعت في مساهمتها المحددة وطنيا المقدمة لسكرتارية الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ، قطاع النقل كأحد القطاعات التي تتطلب تخضيرا ووعدت بالتالي:
– في قطاع النقل منخفض الكربون: التوسع الإضافي في مترو أنفاق القاهرة الكبرى، حيث تضمنت الشبكة تشغيل المرحلة الرابعة بطول 11.5 كيلومترا .
– مفهوم الخدمة عالية الجودة والذي تم تقديمه إلى مصر لاستهداف مالكي السيارات لاستخدام نظام النقل العام الجديد، والذي يتكامل مع أنظمة النقل الجماعي الحالية، ويتم تقديمها من قبل القطاع الخاص ويتوسع بسرعة مع أكثر من 200 ناقل ذكي مرتبط بتطبيقات الهاتف المحمول.
أما الميزانية المقررة لذلك، فعلى سبيل المثال، وبحسب تقرير مصر الرسمي، يتكلف تطوير شبكة مترو القاهرة 6.4 مليار دولار، أما القطارات الكهربائية عالية السرعة، وهي 3 مشاريع فرعية تتكلف 27.2 مليار دولار، تشمل نظام النقل السريع بالحافلات الطريق الدائري 273 مليون دولارً، وشبكة سكة حديد كهربائية خفيفة “مشروعان فرعيان” بتكلفة 5.8 مليار دولار، وأخيرا مشروع تأهيل ترام الإسكندرية الرمل 646 مليون دولار.
ويرتبط القطاع بمحاولات استخدام الطاقة المستدامة، وما يستتبع ذلك من تغييرات جذرية، بالقطاعين، وهو ما تطالب مصر الدول الأعضاء في اتفاقية باريس في المناخ في المساهمة فيه.
لكن على الرغم من مرور أعوام على الاتفاقية الشهيرة لم تزد مساهمات الأعضاء من الدرجة الأولى، والمفترض فيهم تمويل دول العالم الثالث عن القليل، كما أن مبلغ الـ100 مليار المرصود على مدار عشر سنين يعد مبلغ غير كاف على الإطلاق.