سكة السلامة| من وقفة “قمة المناخ” إلى سم الاستركنين.. الحفاظ على البيئة يبدأ من حماية الحيوانات

يواجه النظام البيئي تهديدات خطيرة ومتسارعة يوما بعد الآخر، بسبب الممارسات البشرية بقتل الحيوانات البرية سواء للتغذية عليها أو للتخلص منها أو الاتجار بها، التي تؤثر بدورها على التنوع البيولوجي، وتنذر بأخطار غير محسوبة ما لم يستيقظ العالم للوقوف أمامها.
وظلت حماية الحيوانات لفترة كثيرا عن المناقشات بشأن البيئة والمناخ، لكنها عادت للظهور مجددا الأحد 6 نوفمبر 2022، حيث نظم عدد من نشطاء المناخ وقفة احتجاجية أمام قاعة المؤتمرات بمدينة شرم الشيخ، التي تعقد بها جلسات قمة المناخ COP 27، للمطالبة بالتوقف عن قتل الحيوانات واستخدامها في الغذاء، تحت شعار “أوقفوا قتل الحيوانات.. النظام النباتي هو الحل”، وهي أول مظاهرة احتجاجية في المنطقة التي خصصتها الجهة المنظمة للتظاهر.
ورفع النشطاء لافتات تحمل صور الحيوانات، وكُتب عليها: “لا تقتلني” بأكثر من لغة، كما رفعوا لافتات أخرى مكتوب عليها “أوقفوا قتل الحيوانات، النظام النباتي هو الحل” و”زراعة عضوية ونظام نباتي يحافظ على الكوكب”، و”تحول لشخص نباتي واصنع السلام”.
الإنسان والحيوان من ضمن عناصر النظام البيئي، التي يكمل كل منها الآخر يتأثر به ويؤثر فيه، كسلسلة مترابطة العناصر، وأي خلل أو تغير في أي عنصر يقود بدوره إلى إحداث خلل في جميع عناصر النظام البيئي، ما يستدعي ضرورة الحرص على مراعاة هذه الإشكالية.
وتزامنا مع انعقاد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، يعيد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التذكير بتأثيرات قتل الحيوانات البرية على النظام البيئي والتنوع البيولوجي، إيماء إلى دعوى قضائية رفعها
وقد يكون من المعتاد أن تسمع عن تسمم الحيوانات الأليفة المجاورة لبيتك بسم الاستركنين، لكن لا تستبعد أن يطال الضرر حياتك كبشري، أو حياة طفلك، بدعوى حماية الأشخاص من عضات الكلاب، بالطريقة الأقل من حيث التكلفة المادية، عبر السم الملقى على قارعة الطريق.
وفي الواقع، فإن التكلفة الأقل ماديا ماهي إلا الأكثر كلفة بيئيا، فالخطر لا يمتد فقط لحيواتنا بشكل مباشر في حال ملامسة السم، ولكنه يطال التوازن البيئي، من خلال السم الممنوع دوليا، والذي يؤدي إلى الاختناق، ويمتد تأثيره لمدة 40 يوما في التربة.
منذ سنوات، يخوض المركز المصري معركة قانونية على خلفية نفس المسألة، بصفته وكيل عن جمعية “أور-تيم لحماية الحيوان” ضد كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الزراعة، ووزير الصحة، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للخدمات البيطرية بصفتهم، وهي الدعوى القضائية رقم 2242 لسنة 75 قضائية، الذي طالب بموجبها محامو المركز بإلغاء القرار السلبي للمدعي عليهم عن استخدام سم الاستركنين في قتل الكلاب، والحيوانات الضالة.
الاستركنين.. سم قاتل رسميا
استندت الدعوي إلى مخالفة الجهة الإدارية لاستخدام السم في قتل الكلاب والحيوانات الضالة دون مراعاة لحيوات تلك الحيوانات الأليفة، وكذلك البشر والنبات، وهو ما أكده المركز القومي للسموم في توصيته المقدمة بذات الدعوى، التي تفيد خطورة استخدام ذلك السم المحرم دوليا ووجود طرق أخرى كالتعقيم لتلك الحيوانات.
وتداولت الدعوي أمام هيئة مفوضي الدولة بالدائرة الأولي حقوق وحريات، وانتهت الهيئة إلى إصدار تقريرها الذي أكد على أن الثابت من الإفادة الرسمية الصادرة من المركز القومي للسموم الإكلينيكية، والبيئية التابع لمستشفيات جامعة القاهرة أن الاستركنين هو مركب كيميائي يستخرج من بذور نبات يدعى (strychnos nus-vomica) تستخدمه الهيئة العامة للخدمات البيطرية في القضاء على الكلاب الضالة.
وتم منع استخدام الاستركنين دوليا في مكافحة الحيوانات من الجهات البحثية المعتمدة في العالم نظرا لسميته الشديدة وتأثيره الضار على التربة، وصحة الإنسان وليس على الكلاب وحدها.
حينها أكد المركز القومي للسموم أن مادة الاستركنين من المواد السامة شديدة الخطورة، وعند وضعه في طعام الكلاب أو أي حيوانات أخرى لتسميمها تظهر اعراض التسمم خلال 10 دقائق وتكون في صورة هياج شديد ونباح، واستجابة بشكل مفرط للأصوات، أو اللمس، بحيث يحدث تصلب والم شديد في العضلات، وتشنجات في جميع عضلات الجسم، ثم شلل تدريجي وقد تصيب هذه التشنجات عضلات التنفس، ما يؤدي الى الاختناق والوفاة.
وانتهى المركز الى نتيجة مفادها أن استخدام هذه الطريقة للقضاء على الكلاب هو أسلوب قاسي، وغير رحيم لأنه يسبب عذاب للحيوان لفترة قد تصل الى ساعتين من وقت التعرض الى حدوث الوفاة، وعليه أوصى باللجوء إلى الطرق العلمية الأخرى مثل طرق التعقيم لمنع تكاثر الكلاب الضالة.
آنذاك، أكدت هيئة مفوضي الدولة علي ان الهيئة العامة للخدمات البيطرية تقوم باستخدام مادة الاستركنين عند اعدامها الكلاب والحيوانات الضالة، وهو ذات ما أكدته الإفادة الرسمية الصادرة من المركز القومي للسموم والاكلينيكية والبيئية.
وهو أيضا ما لم تنكره الهيئة العامة للخدمات البيطرية، أو تنازع فيه او تقيم الدليل على خلافه حيث انها نكلت عن تقديم ردها على موضوع الدعوى وهو الامر الذي يقيم قرينة على صحة ما يدعيه المدعي وما قدمه من مستندات سيما وقد خلت أوراق الدعوى مما يفيد خلاف ذلك.
كما أثبتت الدعوى أن استخدام مادة الاستركنين من جانب الهيئة العامة للخدمات البيطرية في التخلص من الحيوانات الضالة، مخالفا لصريح نص المادة 12 من قرار وزير الزراعة رقم 35 لسنة 1967 الصادر بشأن بيان الإجراءات التي تتخذ بشأن الكلاب، ومرض الكلب ومراقبة الحيوانات الشرسة وحالات ضبط وذبح هذه الحيوانات او اعدامها دون أداء تعويض لأصحابها.
وذلك تأسيسا على أن المادة استلزمت أن يكون التسميم للحيوانات المرجو التخلص منه يتعين ان يكون بمنأى عن القسوة والتعذيب، وهو الأمر الذي يتعين معه التقرير للقضاء بإلزام الهيئة العامة للخدمات البيطرية بإيقاف استخدام مادة الاستركنين للتخلص من الكلاب والحيوانات الضالة الموجودة بالطرق والأماكن العامة.
وبالرغم من تقرير هيئة المفوضين الواضح لصالح منع استخدام سم الاستركنين، إلا أن هيئة المحكمة حكمت برفض الدعوى من حيث الموضوع، متعللة بأنه الطريقة الأنسب للحالة الاقتصادية للبلاد، كما نفت أي تأثير سلبي بيئي للاستركنين، وذلك بالمخالفة لتقارير الرسمية والعالمية، الأمر الذي دعا محامو المركز إلى الطعن على القرار، وما تزال القضية محل تداول في المحاكم، منذ سنوات.
سم الاستركنين في مواجهة البيئة
واقعيا تبرز القضية العديد من الإشكاليات المتعلقة بقضايا البيئة، والتي يأتي على رأسها ضرورة انشاء محاكم متخصصة في البيئة، تتضمن كوادر مدربة على التحقق من مثل هذه القضايا، كذلك تسهل من إجراءات التقاضي، وتعجل بها وبما يتناسب مع أهمية الحدث.
أما الأكثر غرابة فهو مخالفة تلك النوعية من الأحكام، تقرير الحكومة الصادر في يونيو 2022، والموجه إلى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، عن احتياجها إلى ميزانية قدرها 246 مليار دولار لمواجهة آثار التغير المناخي.
كما أن هذا التضارب الرسمي يعضده ما جاء خلال جلسة لمجلس النواب في مايو من العام الماضي، حين خصصت جلسة لمناقشة أزمة انتشار الحيوانات الضالة في مصر.
حينها قال السيد القصير وزير الزراعة إن الحكومة دشنت مطلع العام الجاري مبادرة رئاسية بعنوان “مصر بلا سُعار 2030” وتهدف هذه المبادرة إلى التوسع في حملات تطعيم حيوانات الشوارع ضد مرض السُعار مع وضع علامات في أذن الحيوانات التي يتم تطعيمها للتأكيد على أنها لم تعد مصدرا للخطر أو القلق.
وبالعودة إلى سم الاستركنين الذي أنكرت المحكمة تأثيراته البيئية، بينما أثبتت كافة الأبحاث العلمية مدى تأثيره على التربة وصحة الأطفال، نظرًا لأنه يظل متواجدًا في التربة مدة تزيد عن أربعين يوما، كما ان مصر لا تستورد المضاد له لعلاج الحلات المصابة به.
سم الاستركنين.. شبهات
خلافا للتكلفة البيئية، فإن التكلفة المادية للعبوة الواحدة تبلغ بحسب المختصين بحقوق الحيوان ما يزيد عن 14 ألف دولار، في ظل الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة في العملة الصعبة، فضلا عن خطورة هذا السم المحرم دوليًا، حيث تم منعها من أغلب دول العالم منذ التسعينات.
وفي دراسته الميدانية بعنوان “المسكوت عنه في المحليات” أشار النائب البرلماني السابق عبد الحميد كمال إلى وجود شبهة فساد – وفق ما يقول – في مسألة استيراد السموم وأدوات مكافحة الكلاب الضالة من أمصال وطعوم وسموم والتي يتم شراؤها بمبالغ مالية ضخمة جداً قدّرها بنحو مليار ونصف المليار جنيه مصري.
في المقابل، يمكن توفير كلفة التطعيم والتعقيم، حيث يتم إنتاج مصل السعار محليًا، كما أن عمليات التعقيم يمكن أن ينفذها أطباء هيئة الخدمات البيطرية بدلا من تسميم حيوانات الشوارع.
في الطريق إلى ذلك، يتم تجاهل مسألة ضرورة الحفاظ على التوازن البيئي، ووجوب عدم تدخل أحد في هذا التوازن بأي طريقة، كون الحياة قائمة على تغذية كائن على كائن آخر، مثالا على ذلك أزمة انتشار الثعابين والفئران في التجمع الخامس عندما أقدم سكان الحي على قتل أغلب الكلاب التي كانت موجودة في المنطقة، ما أدى لاختلال السلسلة الغذائية الطبيعية، ما تسبب في انتشار هذه الكائنات التي تضر بصحة الإنسان بعد أن تم القضاء على أعدائها الطبيعيين.
وينص الدستور المصري في إحدى مواده على حقوق الحيوانات، ويمنع الإضرار بها باعتبارها من ثروات المجتمع الطبيعية، كما يؤكد على ضرورة توفير الحماية لهذه الحيوانات والكائنات البرية والرفق بها على النحو الذي ينظمه القانون.