سكة السلامة: بقع الزيت “خطر عائم” يُهدد الكائنات البحرية.. أزمات متكررة وتوصيات لتقليل الأضرار (تقرير)
باتت أزمات بقع الزيت التي تلطخ المياه والشواطئ خطرًا مستمرًا يواجه الكائنات البحرية، ويتطلب جهود كبيرة لتقليله ومنع حدوثه.
فزيت النفط يحتوي على العديد من المواد العضوية، والكثير منها يعتبر ساما للكائنات الحية، ومن أخطر هذه المركبات هو مركب البنزوبيرين، وهو من الهيدروكربونات المسببة للسرطان، ويؤدي إلى موت الكائنات البحرية، وتتصاعد الكثير من الأبخرة من بقع الزيت، كما تقوم التيارات الهوائية بدفع هذه الأبخرة بعيداً ما يؤدي إلى تلوث أماكن بعيدة بواسطة الهواء الذي أصبح مشبعاً بها.
ونظرا لأن كثافة النفط أقل من كثافة الماء، فهو يطفو على سطحها مكوناً طبقة رقيقة عازلة بين الماء والهواء الجوي، وهذه الطبقة تنتشر فوق مساحة كبيرة من سطح الماء، وتمنع هذه الطبقة التبادل الغازي بين الهواء والماء فتمنع كذلك ذوبان الأكسجين في مياه البحر مما يؤثر على التوازن الغازي، كما قد تتسبب عمليات التنظيف الطبيعية في امتزاج النفط الخام المتسرب بماء البحر متحولاً إلى مستحلب يحتوي نسبة ماء 10% فيصبح الماء أكثر لزوجة والتلوث يكون هنا أربعة أضعاف من حجم النفط الخام.
البقع الزيتية تؤثر على الأسماك التي يتغذى عليها الإنسان وتجعلها غير صالحة وسامة، ففي أحد تقارير منظمة الصحة الدولية، وجد في عينة من الأسماك تم صيدها في خليج جاكرتا بإندونيسيا أن نسبة الرصاص فيها تزيد بمقدار 44% عن الحد المسموح به، وأن الزئبق يزيد بنسبة 38%، وهو ما يمثل خطرًا كبير على صحة الإنسان.
دهب.. هل تكون الأخيرة؟
منذ أسابيع مضت استيقظ أهالي مدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء على بقعة زيت سوداء تلطخ المياه، وجزء من الشاطئ، خرجت من الأردن عبر خليج العقبة.
وتضاربت الأقوال حول المتسبب في الحادث ما بين تسرب قادم من حقول البترول في الأردن، وآخر يفيد بوقوع الحادث نتيجة عبور سفينة قادمة من الأردن عبر ميناء العقبة، وجميعها احتمالات، لم يتم البت فيها، فالفاعل لايزال مجهولا، أو على الأقل لم تتم محاسبته بعد.
وظهرت بقع الزيت بشكل متفرق على شواطئ الأيل جاردن والعصلة والزرنوق، ويعتقد أن هذه البقع الزيتية وصلت إلى شواطئ دهب، بفعل سرعة الرياح، مما دعا جموع السكان، المصريين، والأجانب المقيمين هناك، بالتعاون مع مجلس المدينة للدفع بعمال شركة النظافة المسؤولة عن المدينة، والدعم بنحو 50 شخصًا من المجتمع المحلي للمساعدة اليدوية في إزالة ورفع تلك الملوثات.
في حين لم تعلق وزارة البيئة على المسألة إلا في اليوم التالي، حيث تم إبلاغ مركز السلام لمكافحة التلوث البحري بالزيت بشرم الشيخ التابع لوزارة البيئة، للقيام بأعمال المسح والمكافحة الفورية، كما تم ارسالها عينات من الأماكن المتضررة، لتحليلها بمعامل فرع جهاز شئون البيئة بالسويس للوقوف على مصدرها، وتحديد البصمة الطيفية لعينة التلوث البترولي.
التشريعات مقابل الجهود الرسمية
يجرم القانون المصري والخاص بحماية البيئة رقم 4 لسنة 94، تلويث البيئة البحرية، وفي المادة 50 ينص أنه «على مالك السفينة أو ربانها أو أي شخص مسؤول عنها وعلى المسؤولين عن وسائل نقل الزيت الواقعة داخل الموانئ أو البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية وكذلك الشركات العاملة في استخراج الزيت أن يبادروا إلى إبلاغ الجهات الإدارية المختصة عن كل حادث تسرب للزيت فور حدوثه مع بيان مكان ظروف الحادث ونوع المادة المتسربة وكميتها والإجراءات التي اتخذت لإيقاف التسرب أو الحد منه».
كما توقع عقوبات بالغرامة وتصل للسجن، فضلا عن الإلزام بإزالة الضرر، بالنسبة لجميع السفن على اختلاف جنسياتها، وأنواعها بما في ذلك السفن التابعة لدولة غير مرتبطة بالاتفاقية الدولية الخاصة بالبيئة البحرية، إذا ألقت الزيت أو المزيج الزيتي، وقامت بالإلقاء أو الإغراق المحظور في البحر الإقليمي أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، وهي المادة التي غالبا لا تطبق نصوصها رغم تكرار الجرم، وسهولة التعرف على المتسبب.
أما الاتفاقية الدولية لمنع تلوث البيئة البحرية تسلم بأن إطلاق الزيوت وغيرها من المواد الضارة من السفن، سواء كان ذلك قصدًاً أو عن غير قصد أو بسبب الاهمال، يشكل مصدراً خطيراً من مصادر التلوث، وفي المادة 12 منها تحديدا تنص على:
(1) تتعهد كل إدارة بإجراء تحقيق في الحوادث التي تتعرض لها سفنها الخاضعة لأحكام اللوائح إذا أسفرت هذه الحوادث عن إلحاق أذى جسيم بالبيئة البحرية.
(2) يتعهد كل طرف في الاتفاقية بمد المنظمة بالمعلومات المتعلقة بنتائج مثل هذا التحقيق إذا رأى أن هذه المعلومات قد تساعد على تحديد التغييرات التي قد يكون من المرغوب إدخالها على هذه الاتفاقية.
ومؤخرا قامت منظمة الأمم المتحدة بإدراج الحد من التلوث البحري ضمن الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة، تحت اسم (الحياة تحت الماء).
جدير بالذكر أن مصر قدمت بلاغاتها الوطنية الأولى والثانية والثالثة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 1999 و2010 و2016 على التوالي، وفيها كشفت عن أن مصر بلدا يعاني تلوثا، واجهادا مائيا.
وفيما يخص ذلك وعدت بالتكيف مع المناخ في الساحل الشمالي ودلتا النيل في مصر في الفترة من 2018إلى 2024، ولكنها لم تحدد أطر واضحة تخص هذا الِشأن.
البيئة البحرية.. أسئلة مشروعة
تطرح القضية المزيد من الأسئلة المشروعة، والمتكررة مع كل واقعة مشابهة، إذ لم تكن الأولى من نوعها، بل هي الواقعة الثالثة خلال العشر سنوات الأخيرة في منطقة سيناء، وتحديدا في عامي 2013، و2019، وفي كل مرة لا تتم محاسبة، أو مقاضاة المتسبب بشكل مباشر.
وبطبيعة الحال تقودنا تلك الإشكاليات إلى أسئلة تخص:
-مدى جدية المبادرات البيئية التي تعلنها الجهات الرسمية من آن لآخر، فعلى سبيل المثال، وبدءا من سبتمبر 2020، أطلقت مصر حملة”إيكو إيجيبت” كأول حملة للترويج للسياحة البيئية، والتي تعد جزءا من المبادرة الرئاسية المعنونة بـ”أتحضر للأخضر”، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومشروع دمج التنوع البيولوجي في السياحة، للبحث عن أفضل الطرق للدفع بالسياحة البيئية، والمساعدة على إعطاء قيمة مضافة لصون الموارد الطبيعية في الأنشطة السياحية.
وتتضمن هذه الحملة تحديدا برنامجا يخص حماية البيئة البحرية من التلوث، من خلال إثراء الجانب البحثي، والتدريبي لصقل مهارات العاملين في هذا المجال وتطوير المناهج التعليمية المتعلقة بالبيئة البحرية وحمايتها، والتي كان من المنتظر أن يكون لها الأثر في تلك الحوادث.
-مدى تطبيق إعلان مصر استخدام العديد من الطرق لقياس التلوث والاحتراز منه عن بعد، أو الإنذار المبكر كما يطلق عليه، وهو المشروع الذي أعلنت مصر وتحديدا في العام 2020 بالفوز به، إذ يعمل على استخدام بيانات الأقمار الصناعية في الرصد المبكر لمصادر التلوث النفطي البحري في مصر، ودول شمال إفريقيا في البحرين الأحمر والمتوسط، والخليج الأطلسي، ومتابعة بقع الزيت النفطية التي تؤثر بشكل خطير على البيئة البحرية والمحميات الطبيعية والنقل وجميع الأنشطة البحرية بمشاركة دول المغرب وتونس وموريتانيا.
ويقوم المشروع برصد بقع التلوث البحري النفطي في شمال إفريقيا باستخدام الأقمار الصناعية وإنشاء منصة الكترونية مفتوحة المصدر لهذه الدول تحتوي على جميع الصور والخرائط الحديثة والبيانات الخاصة بالتلوث البحري النفطي، التي ترصدها الأقمار بشكل يومي مما يسهم في الحفاظ على الحياة والأنشطة البحرية في القارة الإفريقية.
-تساؤلات تخص سرعة عمل غرفة العمليات المركزية لاستقبال البلاغات الخاصة بمشكلة التلوث ولجنتها الخاصة في وزارة البيئة، لمواجهة أي حوادث طارئة.
-مدى تفعيل مواد القانون الخاصة بملاحقة المتسبب في الحوادث المشابهة، وكذلك حجم التنسيق بشكل دولي واقليمي مع دول الجوار، وقبل وقوع الضرر.
تلوث البيئة البحرية..توصيات
التقرير العالمي الثالث لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة ذكر، أن كوكب الأرض يقف على مفترق طرق، فربع الثدييات في العالم و12% من الطيور تواجه بالفعل خطر الفناء، وبحار العالم معرضة بالفعل لتهديد حقيقي بسبب التلوث، وثلث المخزون العالمي من الأسماك يصنف الآن باعتباره ناضباً أو معرضا للخطر.
وهو ما يجعل من تلوث البحار حدثا جللا، يتطلب اتخاذ إجراءات احترازية عدة، نظرا لكونها بيئة رئيسية للعديد من الكائنات الحية، ومصدر للبروتين اللازم لتغذية أعداد السكان المتزايدة، كما أن وصول التسريبات النفطية إلى الشواطئ يضر بالسياحة، فضلا عن كون البحار والمحيطات مصدراً لمحطات التحلية خاصة في بلد تعاني اجهادا في إمدادات المياه العذبة.
من قبل أعلنت وزارة البيئة، بحسب موقعها الرسمي، وخلال عام 2021، إنشاء 22 محطة رصد لحظي لرصد نوعية مياه نهر النيل والبحيرات من خلال منظومة معلوماتية تعتمد على التقنيات الحديثة، وهو المشروع الذي آن أوان تطبيقه فيما يخص البيئة البحرية.
كما يمكن تطبيق نظام التشخيص التلقائي، ويختلف في طبيعته عن نظام الإنذار المبكر، وهو عبارة عن جهاز لاسلكي يقوم برصد المنطقة ويعطي جميع المعلومات عن السفينة التي تزيد حمولتها على 400 طن وتبحر في المنطقة.
ومن هذه المعلومات نوعية السفينة، وحجمها، ونوعية البضاعة المحمولة، حيث يتم ربط معلومات النظام بنظام التتبع الالكتروني بعد استلام بلاغات التلوث.
فضلا عن فحص المياه بشكل مستمر لضمان خلوها من الملوثات النفطية، وفي حال وجدت ارتفاعا في نسبة الملوثات يتم إبلاغ الجهة المعنية في المكان الذي رصده فيه الارتفاع، ويتم متابعة الحادث لحين الوقوف على الأسباب التي أدت إليه، بشكل سريع وفارق.
يشار إلى أنه أطلق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال الأسابيع الماضية، حملة “سكة السلامة – الطريق إلى COP27″، تزامنا مع مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، المنعقد حاليًا في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء.
وتركز الحملة – المستمرة على مدار 100 يوم – على عدد من المحاور التي تستهدف المساهمة في مواجهة التأثيرات السلبية الناتجة عن التغير المناخي، وتأثيراتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة في مصر، التي تعد من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن هذه التأثيرات، والدعوة لاتخاذ آليات وإجراءات حاسمة للحد منها.
ويشمل المحور الأول للحملة التوعية بآثار التغيرات المناخية، وانعكاساتها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في عدد من القطاعات من بينها: الصحة، والصناعة، والزراعة، والنقل، والأنشطة البحرية، وغيرها، فضلا عن تأثيراتها على العاملين في هذه القطاعات.
ويتطرق المحور الثاني إلى إجراءات التقاضي في القضايا المتعلقة بالحقوق البيئية، في ظل التزامات الحكومة بتعهداتها بشأن المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها في هذا الإطار.
ويتناول المحور الثالث للحملة مدى التزام الحكومة بشأن تقليل الانبعاثات الكربونية، الذي يعد المحور الرئيسي لمؤتمر الأطراف، كما يتضمن المحور الرابع إعادة التعريف بالتزامات مصر تجاه قضايا البيئة والتغير المناخي من خلال الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها، والإطار التشريعي الداخلي المتعلق بهذا الشأن.
المركز المصري أطلق حملة “سكة السلامة – الطريق إلى COP27″، انطلاقا من إيمانه بضرورة التحرك العاجل لمواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ، وأولوية قضايا حماية البيئة في هذه الفترة الحرجة.