لم تحظ أي اتفاقية دولية بالجدل وتباين ردود الفعل تجاهها، مثل اتفاقية باريس للمناخ، والتي تعد إحدى الحلقات المهمة في التحرك الدولي من أجل مواجهة تغير المناخ.
اعتمدت اتفاقية باريس في 12 ديسمبر 2015 في العاصمة الفرنسية، حينها تداولت وسائل الإعلام مشاهد احتفالية تعبر عن الابتهاج والإشادة بالاتفاقية كإنجاز عظيم، كما تداولت أيضًا مشاهد الاحتجاجات والتعليقات التي تحط من شأنها وتصفها بالفشل الذريع.
ما هي اتفاقية باريس للمناخ؟
سبق اتفاقية باريس معاهدة كيوتو التي قادت الولايات المتحدة الفريق الرافض لبنودها، فلم تنضم إليها أبدا، كما انسحبت دول أخرى منها لاحقا، بسبب قصر الإلزام على الدول المتقدمة، كما لم يكن عدد من الدول النامية الكبرى مثل الصين والهند المسئولة عن كميات كبيرة من الانبعاثات، ملزما بتقليل الانبعاثات، ولهذا لم تتجاوز تغطية البروتوكول 15% من الانبعاثات العالمية.
وعليه، ومن باب تعزيز المشاركة الدولية بدأت المباحثات حول اتفاقية جديدة تضمن الاجماع العالمي، وبعد 4 سنوات من المفاوضات تم اعتماد اتفاقية باريس في ديسمبر عام 2015 بموافقة 196 دولة، ثم انضمام سوريا لاحقا، بينما طرحت للتصديق عليها في أبريل 2016.
مصر وضغوط المجتمع المدني
حينها وفي بيان صدر في أكتوبر من عام 2016، طالبت منظمات من المجتمع المدني منها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من مصر، بسرعة التصديق على الاتفاقية، قبيل انعقاد مؤتمر تغير المناخ الدولي بمراكش في 7 نوفمبر من العام نفسه.
ووقعت مصر على الاتفاقية في أبريل 2016، لكن لم يتم عرضها على البرلمان للتصديق عليها، وهو الشرط الضروري لإتمام إجراءات الانضمام إليها.
وطالبت المنظمات الموقعة مصر بسرعة الانضمام إلى الاتفاقية والانخراط في التحرك العالمي للمناخ، ليس فقط من باب المسئولية المشتركة لكافة الدول لمواجهة التغيرات المناخية، ولكن لأن ذلك يصب في مصلحة مصر بطريقة مباشرة.
وكانت مصر من الدول التي شاركت بفاعلية في الإعداد للاتفاقية، واطلعت بتمثيل المجموعة الإفريقية في مؤتمر باريس، كما حضر رئيس الجمهورية بنفسه المؤتمر، وعبر عن ضرورة تصدى الاتفاق الدولي بقوة لتغير المناخ، وعن المسئولية المشتركة لكل الدول، كما أكد على أهمية التركيز في التكيف مع آثار التغيرات المناخية إلى جانب التخفيف.
لكن وبحسب بيان المنظمات آنذاك، لم ينعكس هذا الاهتمام والحماس بشكل مناسب على أداء مصر في الواقع، سواء من ناحية ضعف المساهمات الوطنية التي قدمتها مصر إلى مؤتمر باريس والتي جاءت عمومية وتفتقر إلى التفاصيل الضرورية، كذلك استكمال إجراءات الانضمام إلى الاتفاقية.
لاحقا وافق مجلس النواب، في مايو عام 2017 على قرار رئيس الجمهورية رقم 566 لسنة 2016 بشأن الموافقة على اتفاق باريس لتغير المناخ.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاقية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يصف التغير المناخي بأنه “خدعة”، لكنها عادت لتلحق بها في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
اتفاقية باريس.. أهداف ومحاور
• تهدف الاتفاقية إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند اثنين درجة مئوية عن عصر ما قبل التصنيع، مع تشجيع الأعضاء على استهداف ارتفاع 1.5 درجة مئوية فقط
• الوصول بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية إلى “أعلى مستوياتها” “بأقصى سرعة ممكنة”، وأن يعقب ذلك تخفيض سريع في الانبعاثات للوصول إلى حالة “التعادل الكربوني”، وهو التوازن بين معدلات انبعاث الغازات ومعدلات تصريفها في الغابات وغير ذلك، في النصف الثاني من القرن الحالي.
• لا تلزم الاتفاقية أي دولة بكميات محددة من الانبعاثات، لكنها تلزم كل الدول بتقديم “مساهمات قومية” لتخفيض الانبعاثات تحددها طواعية، وذلك بعكس معاهدة كيوتو.
• تلتزم الدول بتجديد مساهماتها كل 5 سنوات، على أن تكون المساهمات أكثر طموحًا كل دورة وأن تكون على أعلى ما يمكن تحقيقه، ويتم تسجيل هذه المساهمات في سجل عام لدى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية.
• عند تقديم المساهمات على الدول، تقديم المعلومات اللازمة “للوضوح والشفافية والفهم”، كما يجب على الأطراف عند حساب انبعاثاتها المرتبطة بالمساهمات الوطنية مراعاة النزاهة والدقة وأن تكون الحسابات مكتملة وقابلة للمقارنة ومتناسقة، وذلك طبقًا لمتطلبات الاتفاقية والقرارات والأدلة الإرشادية التي سيتم الاتفاق عليها.
• إجراء “جرد مخزني” لكميات الكربون في العالم كل 5 سنوات، والجرد الأول سيكون عام 2023، وعلى الأعضاء مراعاة لمستويات الكربون التي سيسفر عنها الجرد عند تقديم مساهماتهم الوطنية التالية.
• كافة الدول ملزمة بتقديم تقرير كل سنتين على الأقل يتضمن “جرد مخزني” للانبعاثات فيها، كما عليها أن تقدم المعلومات الضرورية لتتبع التقدم الذي تحرزه في تطبيق وتحقيق المساهمات الوطنية بخفض الانبعاثات.
• الدول المتقدمة يجب أن تقدم تقريرًا حول الدعم الذي تقدمه للدول الأقل تقدمًا، الدول النامية مدعوة إلى تقديم تقرير عن المساعدات التي تلقتها، والجميع مدعوون إلى تقديم تقرير عن جهود التأقلم.
• طبقًا للقرارات والأدلة الإرشادية. المعلومات أو التقارير التي ستقدمها الدول ستخضع لمراجعة فنية من خبراء وأيضًا لنوع من مراجعة الأقران المتبادلة.
• لتشجيع الالتزام والوفاء بالالتزامات ستتشكل لجنة من الخبراء لتسيير أو تسهيل العمل، تعمل بشكل تعاوني وليس رقابيًّا، وتقدم تقريرًا سنويًّا عن نتائج عملها.
• يجب على الدول المتقدمة تقديم تمويل للدول النامية لمساعدتها في مجالات تخفيف الانبعاثات والتأقلم مع آثار التغيرات المناخية، ويستمر الالتزام الدولي بتقديم 100 مليار دولار سنويًّا حتى عام 2025.
• تعزيز القدرة على التأقلم وزيادة المرونة في مواجهة آثار التغير المناخي. والتأكيد على اتساق جهود التأقلم مع أهداف التنمية المستدامة وحقوق الإنسان وحماية المجموعات الضعيفة.
• تعويض الخسائر والأضرار لمساعدة الدول الأكثر عرضة للعواقب، وتتضمن مجالات التعاون أنظمة الإنذار المبكر، والاستعداد للطوارئ والتغيرات المزمنة وغير ذلك، دون مبالغ محددة ومع التأكيد أن هذا النص لا يشكل أي أساس لمطالب بالتعويض من الدول المتقدمة.
• دعم التقدم التكنولوجي ونقل المعرفة للدول النامية ومساعدتها في بناء القدرات والأنظمة ودعم التعليم البيئي والمشاركة الشعبية.
الانبعاثات والوقود الأحفوري ومحدودية الدعم.. إشكاليات بحاجة للمراجعة
بهذا تكون الاتفاقية أنهت التفريق الصارم بين البلدان المتقدمة والنامية في بروتوكول “كيوتو”، الذي كان يلزم الدول المتقدمة فقط بالحد من الانبعاثات وهو ما كانت ترفضه البلدان المتقدمة، كما لم تتضمن فرض أهداف لتحديد مستوى انبعاث الغازات وهو ما كانت ترفضه الدول النامية الكبرى.
إلا انها من جانب آخر يعاب عليها تجاهلها تحجيم استخراج الوقود الأحفوري، كما لم تتم الدعوة إلى وقف الدعم المقدم للوقود الأحفوري، كذلك كون الاتفاقية ليست ملزمة فيما يتعلق بكميات محددة من الانبعاثات، لكن في عدد من الإجراءات التي تعتمد على الشفافية، والالتزام الأدبي أو السياسي، ونفس الشيء في غياب آليات واضحة ومحددة تحقق العدالة أو حماية الفئات الضعيفة أو حقوق الإنسان.
كما يعاب على الاتفاقية عن محدودية الدعم المقدم للدول النامية الاتفاقية والمحدد بـ100 مليار دولار سنويًّا لـ10 أعوام دون زيادة، إذ لا يبدو المبلغ متناسبا مع الجهود المطلوبة أو المخاطر المتوقعة، لكنها تظل ضرورية ومطلوبة، في ظل ما يحيط بالكوكب من تهديدات.
سكة السلامة| اتفاقية باريس للمناخ.. لأن إنقاذ الكوكب مسؤولية الجميع
