رمضان بلا قضبان| سجناء الغلاء.. مطالب العيش الكريم ليست جريمة

يستغل المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية شهر رمضان المبارك، الذي يجسد بقيم العدالة والتسامح، لتجديد دعواته المتواصلة للإفراج الفوري عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، سواء كانوا محبوسين احتياطيًا أو محكومًا عليهم.
وفي هذا الإطار، يطلق المركز حملة “رمضان بلا قضبان”، التي تتضمن سلسلة من المقالات تسلط الضوء على عدد من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، بهدف المطالبة بمنحهم، وجميع المحبوسين على ذمة قضايا مماثلة، الحرية التي يستحقونها.
في قرية صغيرة بمحافظة البحيرة، نشأ عبدالعزيز رمضان علي، شاب يبلغ من العمر 20 عامًا، تخرج حديثًا في معهد التمريض. كان عبدالعزيز الأمل الوحيد لوالده العامل باليومية في مجال الإنشاءات، حيث تطلعت الأسرة البسيطة إلى مستقبل أفضل بفضل تعليم ابنهم الوحيد. لكن في 11 يوليو 2024، تبددت هذه الآمال عندما اقتحمت قوات الأمن منزلهم وألقت القبض على عبدالعزيز، متهمة إياه بنشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية.
أُدرج اسمه في القضية رقم 3434 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، ووجهت إليه تهم الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
من شمال مصر إلى أقصى جنوبها، بمحافظة أسوان، عاش إسلام محمود عبدالعزيز، شاب أنهى خدمته العسكرية التي استمرت ثلاث سنوات بشق الأنفس. حصل إسلام على وظيفة فني ميكانيكي بعقد مؤقت في إحدى شركات القطاع العام، وكان يأمل في تثبيت وظيفته وبناء مستقبل مستقر. لكن في يوليو 2024، قُبض عليه بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
أُدرج إسلام أيضًا في القضية رقم 3434 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، ووجهت إليه نفس التهم الموجهة لعبدالعزيز. وبسبب استمرار حبسه الاحتياطي، تلقى إنذارات بالفصل من عمله نتيجة تغيبه الاضطراري، ما يهدد بفقدانه مصدر رزقه الوحيد.
تُعَد قضية عبدالعزيز وإسلام جزءًا من واقع مرير يعيشه العديد من الأسر المصرية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية. فمع ارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، تبقى الأجور متجمدة عند مستويات لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
هذه القصص ليست حالات فردية، بل جزء من واقع يعيشه العديد من المصريين الذين يعبرون عن استيائهم من الأوضاع الاقتصادية المتردية، حيث تُحمّل السياسات الاقتصادية الحالية العمال والطبقات الفقيرة أعباءً متزايدة، دون فرض التزامات عادلة على أصحاب الأعمال الذين يجنون أرباحًا طائلة، هذا الواقع يُعمّق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، ويُكرّس غياب العدالة الاجتماعية، ما يجعل تحقيقها ضرورة مُلحّة وليس مجرد مطلب مؤجل.
ويواجه العمال ظروف عمل غير مستقرة، في ظل التوسع في التعاقدات المؤقتة، والفصل التعسفي، وتدني الأجور، وغياب الحماية الاجتماعية، كما تتعرض المرأة العاملة للتمييز في الأجور وظروف العمل، بينما يعاني صغار الفلاحين وأصحاب المشروعات الصغيرة من غياب الدعم وسيطرة رأس المال الكبير على الأسواق.
ومع تراجع الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية، وتقليص الدعم، والارتفاعات المستمرة في الأسعار، يواجه الملايين صعوبات متزايدة في الحصول على الخدمات العامة التي تتحول تدريجيًا إلى سلع، ما يحرم الفئات الأكثر ضعفًا من حقوقها الأساسية، ويدفعها إلى مزيد من التهميش.
في ظل هذه الظروف، لجأ البعض إلى التعبير عن استيائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية. لكن، بدلاً من الاستماع إلى هذه الأصوات ومعالجة الأسباب الجذرية لهذا الغضب المبرر، تم حبس عدد منهم حتى الآن.
لا ينبغي أن تكون المطالبة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية مبررًا للحبس، بل تستدعي من المسؤولين معالجة أسباب الاحتجاجات والغضب المجتمعي بحلول تضمن حياة كريمة لجميع المواطنين على حد سواء، مع الإفراج الفوري عن المحبوسين بسبب تعبيرهم السلمي عن مطالبهم المشروعة.
إن المجتمع الذي يُجرّم فيه التعبير عن المطالب المشروعة هو مجتمع يُعرّض استقراره وسلامه الاجتماعي للخطر. ولذلك، يجب على السلطات الاستماع إلى أصوات المواطنين ومعالجة مشكلاتهم بدلًا من قمعها.
في هذه المناسبة، تتجدد الدعوات للإفراج عن جميع المحبوسين على ذمة قضايا الغلاء وقضايا الرأي، ليعودوا إلى أحضان أسرهم، ويستعيدوا حريتهم التي هي حقهم الطبيعي، ولكي لا يبقى رمضانهم مقيداً بالقضبان.