تسريب الامتحانات.. وعلامات انهيار التعليم في مصر

مع بدء امتحانات الثانوية العامة، تظهر الصورة الحقيقية لمنظومة التعليم في مصر والتي تتسم بالفشل وسوء الرؤية نظراً لما يحدث على الساحة التعليمية من تجاوزات، بعضها يخترق أبسط المعايير لتقديم تعليم مقبول، والآخر ينتهك ما جاءت به المواثيق الدولية والدستور لتقديم خدمة تعليمية لأفراد المجتمع.
التسريب: إلغاء التكافؤ وإهدار الأموال
انتشرت في الأعوام الثلاثة الأخيرة ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، كمثال يوضح الواقع الفعلي الذي أصاب العملية التعليمية وجعل بعضًا من أفراد المجتمع المصري يسلك ذلك الطريق سعيًا لتحقيق أعلى الدرجات.
إن ظاهرة تسريب الامتحانات من ناحية، تلغي مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب، لأنها تفرغ عملية تقييم الطالب وإلحاقه بالتعليم العالي بناءً على مهارته العلمية والعملية المكتسبة خلال العام الدراسي من معناها؛ ومن ناحية أخرى، تتسبب في إهدار المال العام، نظرًا لما يتم تخصيصه من ميزانية الدولة لعدة نواحِ منها، أولًا تأهيل الطلاب طوال العام الدراسي من خلال مرتبات المعلمين وتدريباتهم والإنفاق على السلع والخدمات التعليمية، وثانيًا، تأمين الامتحانات واللجان.
تعكس ظاهرة تسريب الامتحانات هذا العام واقعًا جديدًا يوضح مدى التدهور والفساد داخل المؤسسة التنفيذية المتمثلة في وزارة التربية والتعليم وهو تسريب نماذج الإجابات النموذجية مع الامتحانات قبل بدء اللجان، مما أجبر الوزارة على إلغاء إحدى المواد وتأجيلها ليوم آخر، الأمر الذي يكلف الدولة أمولًا إضافية للطبع والتوزيع ويعتبر هو الآخر إهدارًا للمال العام.
التسريب: مرتكبه ودوافعه
يجب أن ننظر لتلك الظاهرة بصورة أوسع وأشمل لتدارك مدى خطورتها على المجتمع المصرى، فإن من يقوم بعملية تسريب الإمتحانات وتداولها هم الطلاب أنفسهم وأولياء الأمور والقائمون على العملية التعليمية من المدرسين، أي أن القائم بهذا العمل هو المستفيد الفعلي من العملية التعليمية في نهاية المطاف.
قد توجد أسباب واقعية تربط بين العمل نفسه والقائم عليه: ميزانية تعليمية منخفضة، ومناهج عقيمة، وأجور غير عادلة للمدرسين، وقلة فى التدريب على طرق التدريس المختلفة، وإعطاء أهمية للتنافس على الأماكن في التعليم العالي أكبر من التركيز على التعلّم والإبداع وتحقيق الذات، مما جعل الحفظ والتلقين سيد الأمر والمحرك الأساسي والمضمون للنجاح، بالإضافة لنظام تقويم جار عليه الزمن ولا يقيّم المهارات العلمية والعملية الحقيقية التي اكتسبها الطلاب، وكذلك المركزية الشديدة في صنع القرار وتنفيذه والتى تعطي جميع الخيوط لطرف واحد هو المتحكم الرئيسي بالعملية التعليمية، وأخيرًا والأهم، غياب الرؤية السياسية والمجتمعية للتعليم وإنفصاله عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري.
تلك هي بعض الأسباب التي تحرك وتغذي ظاهرة تسريب الامتحانات وتوضح أيضًا مدى انهيار المنظومة التعليمية في مصر.
عام احتجاجات الطالب والمعلم وأولياء الأمور
يعتبر العام الدراسي ٢٠١٦/٢٠١٥ من أكثر الاعوام التي شهدت احتجاجات على الوضع التعليمي في مصر اشترك فيها المعلم والطالب وولي الأمر، فالأول احتج على مرتبات ضعيفة للمعلمين لا تضمن له الأمان المالي في ظل ارتفاع في الأسعار والمتطلبات المعيشية، والثاني احتج على قرار وزاري بتخصيص ١٠ درجات للحضور دون إصلاح الأوضاع داخل المدارس من كثافات طلابية عالية وقلة ضمير بعض المدرسين الذين يتحكمون بتلك الدرجات ويستغلونها لإجبار الطلاب على أخذ دروس خصوصية معهم، والأخير -ولي الأمر- الذى احتج على ثقل المناهج ورداءتها وطرق التحفيظ والتلقين داخل الفصول المصرية.
جاء رد السلطة التنفيذية على تلك الاحتجاجات بالاستماع ثم التجاهل التام للالتفاف إلى المشاكل الجذرية والحقيقية التي دفعت الأطراف المحتجة للاحتجاج عليها والسعي إلى حلها.
خصخصة التعليم وتهميش محدودي الدخل
إن التعليم -حتي وقت قريب في تاريخ مصر المعاصر- كان الأداة الحقيقية لتحقيق حراك اجتماعي لجميع أفراده بناءً على المهارات والقدرات، وكان بالفعل السبيل الحقيقي لرفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للفقراء والمهمشين، ولكن مع بدء موجة خصخصة الخدمات العامة التي تشمل التعليم، والقطاع الاقتصادي، و مع ترك سياسات الدولة الاقتصادية في يد القطاعات الخاصة للتحكم بها، تحول الأمر للأسوأ بزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع وإهمال الخدمات العامة بشكل تصاعدي أدى إلى توافر الجيد منها في القطاع الخاص، الأمر الذي همش الفقراء ومحدودي الدخل الذين لا يملكون المال الكافي لطلب تلك الخدمة من القطاع الخاص.
لا يزال التعليم أمل الطبقات المهمشة فى حياة أفضل
أخيرًا، وبالرغم من الوضع التعليمي السيء في مصر، فهو لا يزال هدفًا للكثير من الفقراء والمهمشين الذين يرون فيه أملًا وطريقًا لتنوير عقولهم وضمان مستقبل أفضل لذويهم، وذلك ما رصده المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الأبحاث الميدانية له من تحركات في مناطق مختلفة أهمها الريف المصري للاحتجاج على سوء الخدمات التعليمية في مناطقهم، وفي بعض الأحيان السعي ببناء المدارس بأنفسهم ومن أموالهم الخاصة مثلما حدث في قرية مثل التحسين بالدقهلية كمحاولة لتقديم تعليم لأطفال القرية.
مجلس النواب واختبار انحيازه الحقيقي
إن ما حدث من تسريب لامتحانات الثانوية العامة يعتبر امتحانًا حقيقيًا لمجلس النواب الحالي، الذي من المفترض أن يمثل الشعب المصري والذي من المفترض أنه من يضع القوانين والتشريعات لتحسين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية وحماية حقوقه الدستورية، ليوضح لنا انحيازه الحقيقي إما للمجتمع المصري أو للحكومة والسلطة التنفيذية، وذلك سيظهر لنا من الخطوات التي سيتّبعها لمحاسبة المسؤولين والمتسببين في تفاقم تلك الظاهرة من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى، السعي في وضع بدائل وحلول تشريعية تساهم في تحسين المنظومة التعليمية بشكل فعال وحقيقي ومرتبط بالتغييرات التكنولوجية والعصرية الحالية ويساند التعليم النقدي والتحليلي عوضًا عن التعليم البنكي المعروف بتلقي المعلومات وتلقينها فقط، لن يحدث ذلك الأمر دون فتح حوار مجتمعي يضم جميع فئات المجتمع المصري على اختلاف أماكنهم الجغرافية وأوضاعهم الاجتماعية و الاقتصادية، ودون تفكيك المركزية الشديدة داخل المنظومة التعليمية، وتوزيع مهام العمل ووضع القرارات والتنفيذ باستقلالية على المستويات المحلية.
الموقعون:
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز الحق في التعليم