تزييف الحقائق في العملية التعليمية
يعبر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن قلقه من التخبط المستمر نتيجة عدم وضوح الرؤية السياسية والالتزام بالحقوق الدستورية فيما يخص المنظومة التعليمية والتي من المفترض أن تعمل على تحسين العملية التعليمية وتطويرها ورفع جودتها في ظل تردي واضح للوضع التعليمي في الآونة الأخيرة.
ففي ضوء سعي الحكومة المصرية لتعديل المناهج التعليمية لمرحلة التعليم قبل الجامعي لتتناسب مع المعايير العالمية ولتبني الشخصيات الفعالة في المجتمع وترفع من كفاءة الطلاب لتؤهلهم لأسواق العمل، والذي أنعكس بشكل صريح عندما صرح رئيس الجمهورية في بداية العام الحالي بتشكيل لجان لتطوير المناهج تحت إشراف المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع للرئاسة ووزارة التربية والتعليم وبإعطاءهم مهلة للانتهاء من العمل المكلف لهم بواقع ثلاثة أشهر شارفوا على الانتهاء بنهاية الشهر الجاري، يأتي الواقع مخيبا للآمال نظرا لما تقوم به وزارة التربية والتعليم من ممارسات ليس من المفترض أن تكون المنظومة التعليمية طرفا فيها، بل العكس، فهي على عاتقها أن تمارس من خلال استراتيجيتها وسياستها التعليمية المبادئ الاساسية في تقديم قيمة تعليمية وأخلاقية للطالب المصري وفقا لما نص عليه الدستور المصري.
تأتي واقعة حذف إحدى الشخصيات العامة المصرية الحاصلة على جائزة نوبل من منهج الصف الخامس الابتدائي للفصل الدراسي الثاني، لوجود جدل سياسي حوله ولاختلافه مع السياسات المتبعة من قبل الحكومة الحالية، كدليل صارخ على تسييس الحكومة المركزية في كتابة التاريخ وتغيير الواقع المصري في مناهجها لأسباب جاءت معظمها غير مقنعة و لتخدم صراعات علي حساب تطور العملية التعليمية، وأيضا لتعطي مؤشرا على تضارب الأولويات في تغيير المناهج حيث جاء تغيير المنهج ليلبي مواقف سياسية بدلا من إعطاء الأهمية للتطوير الذي يحث على التفكير النقدي والبنّاء بعيدا عن الحفظ والتلقين والذي اصبح سمة منظومة المناهج التعليمية المصرية.
تبرير الوزارة
فقد صرح المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم أن تلك الخطوة جاءت بناء على شكاوى من أولياء الأمور والمعلمين، وأيضا لتجنب حدوث صراع سياسي داخل المنشأة التعليمية بين المدرسين والطلاب لاختلاف الآراء حول الانتماء السياسي للشخص الذي تم حذفه من ضمن درس يناقش فقط الشخصيات العامة المصرية الحاصلة على جائزة نوبل.
وجاء التبرير الآخر بأن طلاب المرحلة الابتدائية غير مؤهلين للتعامل مع الحقائق وإدراكها في مثل هذه السن. وتطرح تلك التبريرات تساؤلين في غاية الأهمية والخطورة، الأول عن مدى تحصٌل كل من الإدارة المدرسية والمدرسين داخل المدارس المصرية بالمؤهلات التربوية الأساسية والتي من المفترض أن تمدهم من جانب بالمهارات اللازمة لإدارة الفصل وتفعيل أجواء تعليمية مبنية على النقاش واحترام وجهات النظر المختلفة، ومن جانب أخر بالمهارات الشخصية التي تمكنهم من ترك آراءهم الشخصية والسياسية خارج المنشأة التعليمية. والتساؤل الثاني والأكثر أهمية هو عن القيم الأخلاقية التي يتم الترويج لها وتعليمها للطلاب المصريين من خلال المناهج التعليمية؛ فإن تغيير الحقائق أو حذفها لا يترك مجالا لمصداقية العملية التعليمية لدى الطلاب، ومن ثم لا يترك مجالا لبناء القيم الصادقة في شخص الطالب المصري والذي لم يعد الكتاب الدراسي هو المصدر الوحيد للمعلومات له في ظل توافر الشبكة العنكبوتية والمحرك البحثي والذي سيمده بالمعلومات الأصلية والحقيقية بعيدا عن التزييف. وإضافة إلى ذلك، فإن المدرسة تعتبر مساحة عامة يكتسب منها الطلاب المؤهلات الضرورية من العملية التعلمية لدمجهم في المجتمع المصري المعروف باختلافاته الاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والدينية والعرقية بصورة متسامحة تتقبل الآخر وتبني مجتمعا صحيا.
وتلك النقطة الأخيرة، الخاصة بمصداقية وزارة التربية والتعليم، ظهرت بشكل واضح في تحديد مسؤولية القيادات المركزية لتلك الواقعة، فقد صدر بيان عن وزارة التربية والتعليم على موقعها الرسمي والذي يُحمل بشكل مباشر مسؤولية تغيير المنهج للوزيرالسابق ونفي وجود اي علاقة لها بالوزير الحالي، بينما نفى الوزير السابق ذلك التصريح موضحا أن لجان تطوير المناهج للفصل الدراسي الأول فقط هي التي كانت في نطاق أعماله ومسؤوليته قبل التغيير الوزاري الأخير في شهر سبتمبر وأن تلك الواقعة مسؤولية الوزير الحالي ومن ضمن مهامه الوزارية.
وأخيرا يطرح المركز المصري تساؤلا حول مدى جدية الحكومة المركزية في تطوير المناهج التعليمية والتي هي العصب الحقيقي لبناء مجتمع سَوِيّ ومتسامح ومنتج عن طريق تنمية المهارات الشخصية والعلمية والعملية للطالب المصري وفقا لما نصته المادة 19 في الدستور.