في يوم الثلاثاء الموافق 30/3/2010 م أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها في الدعوى رقم 21606 لسنة 63 ق بإلزام الدولة بوضع حد أدنى للأجور فى المجتمع بما يترتب على ذلك من آثار. والتى أقامها المركز فى عام 2009 لصالح العامل والنقابى (ناجى رشاد).
وبعد صدور الحكم قامت الحكومة ممثله فى رئيس الجمهورية وآخرين بتقديم الطعنين 24109 لسنة 56 ق ع، 7136 لسنة 57 ق ع أمام المحكمة الإدارية العليا، وبعد أن تم تداول هذا الحكم بالمحكمة الادارية العليا طوال الثمان سنوات الماضية قضت الدائرة الأولى فحص طعون بالمحكمة الادارية العليا يوم 19 مارس 2018 بإجماع الأراء برفض طعون الحكومة وتأييد حكم القضاء الإدارى بإلزام الدولة بوضع حد أدنى للأجور فى المجتمع بما يترتب على ذلك من آثار.
ومن الجدير بالذكر أن حيثيات هذا حكم القضاء الإدارى قد تضمنت المبادىء التالية:
أولاً: النزاع لا يتعقل بعمل تشريعى ومجلس الدولة يختص بنظره:
“ومن حيث أنه عن الدفع المبدي من جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموماً بنظر الدعوى لتعلقها بعمل تشريعي يختص به مجلس الشعب بحسبان أن الدعوى الماثلة تنصب على الطعن على عدم قبول تعديل قانون العاملين المدنيين بالدولة أو قانون قطاع الأعمال العام ولم يوجه دعواه لوقف تنفيذ أو إلغاء أى عمل تشريعي مما يختص به مجلس الشعب، وإنما جاءت طلبات المدعي واضحة جلية لا لبس فيها ولا غموض بالطعن على القرار السلبي للمجلس القومي للأجور بالإمتناع عن وضع الحد الأدني للأجور على المستوي القومي على النحو الذي أوجبته المادة (34) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 ، والمجلس القومي للأجور يشكل بقرار من رئيس مجلس الوزراء وقد حدد المشرع في المادة 34 من قانون العمل اختصاصاته، وما يصدر عن هذا المجلس في سبيل مباشرة اختصاصاته يعد قرارات إدارية يدخل الطعن عليها في الإختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، وتختص هذه المحكمة بنظر الدعاوي المقامة لوقف تنفيذها والغائها ومن ثم فإن الدفع المبدي بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى على النحو المشار إليه يكون غير قائم على سند من القانون ويتعين الحكم برفضه، وتكتفي المحكمة بالإشارة الى ذلك في الأسباب”.
ثانياً:العمال لهم الصفة والمصلحة فى رفع مثل هذه الدعوى:
ومن حيث أنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لإنتفاء صفة ومصلحة رافعها تأسيساً على أن المدعي لا صفه له فى تمثيل العمال وأن دعواه مجرد دعوى حسبة دون أن يثبت له مصلحة أو صفة فى رفعها فإن هذا الدفع مردود لأن المدعى لم يدعى لنفسه تمثيل غيره من العمال في الدعوى وإنما أقامهما بصفة شخصية وقد إستقر قضاء هذه المحكمة مؤيداًُ بقضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه وإن كان من الواجب في المصلحة أن تكون شخصية، وقد استقر قضاء هذه المحكمة مؤيداً بقضاء المحكمة الادارية العليا ان كان من الواجب في المصلحة ان تكون شخصية ومباشرة وقائمة إلا أنه في مجال دعوى الإلغاء، وحيث تتصل هذه الدعوى بقواعد واعتبارات المشروعية والنظام العام، فإن شرط المصلحة يتسع لكل دعوى يكون رافعها في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثراً في مصلحة جدية له دون أن يعني ذلك الخلط بينها وبين دعوى الحسبة .
” حكم المحكمة الادارية العليا في الطعنين رقمي 16834 ، 68971 لسنة 52ق جلسة 16/12/2006 ”
ثالثاً: الدستور وحقوق العمال:
“فكما كفل الدستور الملكية وأوجب حمايتها، فإنه عبر عنها بأنها ملكية رأس المال غير المستغل، وأخضعها لرقابة الشعب، وجعل لها وظيفة إجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي دون إنحراف أو إستغلال أو تعارض مع الخير العام للشعب.
كما أعلى الدستور من قيمة العمل واعتبره حقاً وواجباً وشرفاً، وأوجب على الدولة كفالته، كما أوجب عليها الحفاظ على حقوق العمال وذلك بضمان المقابل العادل لأعمالهم وضمان حد أدني للأجور وربط الأجر بالإنتاج ووضع حد أعلى للأجور يكفل تقريب الفروق بين الدخول وكفل للعاملين نصيبا في إدارة المشروعات وفي أرباحها” .
رابعاً: عن العامل والأجر:
“ومن حيث إن العامل هو كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدي صاحب عمل تحت إدارته وإشرافه، معتمداًُ علي جهده البدني أو الذهني، والأجر هو ما يحصل عليه العامل لقاء عمله، ثابتا كان أو متغيرا ،نقدا او عينا، وقد إختلفت النظريات الإقتصادية حول أسس تحديد الأجر، إلا أن التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهده العالم وانعكس صداه إلي كافة الأنظمة الاقتصادية، وامتد أثره إلي الدساتير ومنها الدستور المصري، كشف عن ضرورة الالتزام بمبدأ عدالة الأجر ومبدأ الحد الأدني للأجور.
والأجر العادل للعامل – وبغض النظر عن الخلاف حول تحديده من مفهوم اقتصادي- يجب أن يضمن الحياة الكريمة للعامل ولأسرته التي يعولها، فكل من يعمل يجب أن يعيش حياة كريمة هو وأسرته من عائد عمله بمراعاة قيمة العمل الذي يقوم به وبما يتناسب مع الظروف الاقتصاديه للمجتمع، وإن اختلت هذه المعادلة فإن ذلك يكشف عن خلل اقتصادي واجتماعي، ولا سبيل إلى تحقيق الأجر العادل إلا بضمان حد أدني لأجور العمال، فالعامل هو الطرف الضعيف في علاقة العمل وحمايته واجبة، الأمر الذي يستلزم ضمان حد أدني للأجور، لا يجوز أن يقل عنه أجر أى عامل ويضمن الحياة الكريمة للعامل ويتناسب مع ظروف المعيشة والإرتفاع المستمر فى أسعار السلع والخدمات”.
خامساً: الدولة ملزمة بوضع حد الأدنى للأجور:
“ومن حيث إن مقتضي نص الدستور علي ضمان حد أدني للأجور، ونص المشرع في قانون العمل علي إنشاء مجلس قومي للأجور يختص بوضع الحد الأدني للأجور، أن دور الدولة في هذا الشأن هو دور إيجابي وليس دوراً سلبياً، فلا يجوز لجهة الإدارة أن تترك تحديد أجرة العمال لهوي أرباب الأعمال من أصحاب رأس المال دون التزام منهم بحد أدني للأجور، مستغلين حاجة العمال إلي العمل، وإجبارهم علي تقاضي أجور غير عادلة، لا تتناسب مع الأعمال التي يؤدونها، ولا تساير إرتفاع الأسعار وزيادة نفقات المعيشة، وعلي جهة الإدارة أداء الالتزام المنوط بها دستورياً وقانونياً بضمان حقوق العمال وكفالة الأجر العادل لهم، وعليها واجب التدخل لضمان الحد الأدني لأجور العمال، ولا يجوز لها أن تتخلي عن واجبها إهمالاً أو تواطؤاً، ويتعين علي المجلس القومي للأجور الإلتزام بأحكام الدستور وبنص المادة (34) من قانون العمل”
سادساً:الحد الأدنى للأجور يجب أن يراعى نفقات المعيشة:
“وأن يحدد الحد الأدني للأجور التي يجب أن يتقاضاها العمال بمراعاة نفقات المعيشة وبما يحقق التوازن بين الأجور والأسعار، ولم يرخص المشرع للمجلس المشار إليه الإمتناع عن تحديد الحد الأدني للأجور، ولا يجوز له أن يمتنع عن مباشرة هذا الإختصاص – وهو مناط وعلة إنشائه – وإلا كان معطلاً لحكم الدستور “
سابعاً: الدستور ليس نصوصاً توجيهية:
“وليس صحيحاً ما قد يدعي به من أن النصوص الدستورية والتشريعية المشار إليها هي من النصوص التوجيهية التي تستنهض عزم الحكومة علي تحديد حد أدني للأجور مجاراة للدول المتقدمة، نصاً بغير عمل واقعاً، بل إن النصوص المذكورة تتظاهر علي تصميم الشارع الدستوري والقانوني علي إلزام الحكومة بوضع حد أدني للأجور ضماناً لتحقيق العدالة “