الهدم مستمر والقضاء الإداري يرفض مطالب الحماية.. من ينقذ “الجبانات التاريخية”؟

يعبر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن تصاعد قلقه العميق تجاه أعمال الهدم المتواصلة لعدد من المعالم التراثية في جبانات القاهرة التاريخية، وآخرها قبة مستولدة محمد علي باشا “حليم باشا” الواقعة بمنطقة السيدة عائشة، والتي تُعد من أبرز رموز التراث المعماري المصري، ويمثل المساس بها اعتداءً صارخًا على الهوية الثقافية والتاريخية.
تتجاوز الجوانب المتعلقة بالهدم مجرد تجاهل الجهات المعنية، حيث تُعد هذه بعض الجهات هي نفسها المتعدية على هذه المعالم. فمنذ عام 2020، شهدت منطقة مصر القديمة والقاهرة التاريخية عمليات هدم تُنفذ تحت ذريعة مشروعات الطرق، مما أدى إلى تدمير عدد من المعالم الأثرية والثقافية، وهو ما يُشكل تهديدًا حقيقيًا لتراثنا الغني.
إن عمليات الهدم المتكررة تعكس تشويهًا للذاكرة الجماعية للشعب المصري، حيث يعد تجاهل القيمة التاريخية والتراثية لهذه المواقع خسارة لا يمكن تعويضها، لذا، يطالب المركز بوقف جميع أعمال الهدم وإجراء مراجعة شاملة من جميع الجهات المعنية لحماية ما تبقى من هذه الثروات الحضارية، ومحاسبة المسؤولين عن التعديات.
ومع استمرار أعمال الهدم، يؤكد المركز أن مسؤولية حماية هذا التراث الثمين تتعقد عندما تغلق “العدالة” أبوابها أمام مطالبات إنقاذه، حيث قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى التي رفعها المركز نيابةً عن مجموعة من أساتذة واستشاريي الحفاظ على التراث العمراني، بشأن وقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن توفير الحماية اللازمة للمقابر والمباني الأثرية وذات الطراز المعماري المتميز بمنطقة جبانات القاهرة التاريخية وتحديد حرم لهذه الآثار، بدعوى انتفاء مصلحتهم وصفتهم.
الحكم جاء متناقضا مع ما استقر عليه التراث القضائي بمجلس الدولة على مدى عشرات السنوات فيما يتعلق بحماية الملكية العامة، وآخره الحكم التاريخي الذي حصل عليه المركز بشأن إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إجراء الصيانة اللازمة لحماية قصر الأمير سعيد حليم، المعروف بقصر “شامبليون”، ووقف التعديات عليه، والتي أقامتها المرشدة السياحية سالي صلاح الدين، وهو الحكم الذي يبدد مبررات رفض الدعاوى المقامة من مواطنين لانتفاء المصلحة.
يظهر قرار المحكمة أيضًا تعقيدًا في التفاعل بين المؤسسات الحكومية والتزاماتها تجاه حماية التراث، حيث يُخشى أن يؤدي غياب الحماية القضائية المناسبة إلى تفاقم الانتهاكات بحقه.
والمركز المصري إذ يؤكد استمراره في المطالبة بالحماية اللازمة للمواقع التراثية والأثرية، يشدد على أن تجاهل المصلحة العامة في قضايا الحفاظ على التراث يعد انتهاكًا للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الدستور، الذي يُلزم جهات الدولة بحماية الآثار ورعاية مناطقها.
في الإطار، يدعو المركز جميع الجهات المعنية إلى الالتزام بمسؤولياتها تجاه حماية التراث المصري، مشيرًا إلى أن وقف التعدي على الهوية الثقافية والتاريخية ليست مجرد واجب قانوني، بل التزام أخلاقي يعكس قيمة التراث الذي نعتز به جميعًا.
كما نشدد على ضرورة وضع خطط عمرانية تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المعالم التراثية، بإدماجها بشكل متناغم في السياق الحضاري، ما يحميها من التهديدات الناجمة عن خطط التنمية غير المدروسة، مع تفعيل التشريعات المتعلقة بحماية الآثار، وضمان تنفيذ العقوبات على المخالفين وإن كانوا من الجهات المختصة ذاتها.