عرفت مصر قواعد الحد الأقصى للأجور منذ عام 1961 حيث تم تحديدها بخمسة الآف جنية سنويًا، وفى عام 1986 زاد الحد الأقصى إلى عشرين ألف جنية سنويًا، وفى عام 2000 زاد إلى أربعة وخمسين ألف جنيه سنويًا، وظلت هذه القواعد سارية رغم ما تعرضت إليه من خروقات فى الواقع العملى، وفى ديسمبر 2009 صدر حكم الدستورية رقم 202 لسنة 28 قضائية “دستورية” الذى قضى بعدم دستورية نصوص المواد المنظمة لطريقة وضع الحد الأقصى لأنها تجاهلت وضع الضوابط والأسس العامة التى يجب على مجلس الوزراء إتباعها من أجل وضع الحد الأقصى للأجور.
وبعد أن نجح العامل ناجى رشاد ومحامو المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى 31 مارس 2010 فى الحصول على حكم محكمة القضاء الإدارى بوضع حد أدنى للأجور يتناسب مع الأسعار، ويكفل للعمال حياة كريمة، اعتصمت الطبقة العاملة المصرية بهذا الحكم الهام، وطالبت بسرعة تطبيقه ونفاذه، وثار نقاش وجدل مجتمعى تناول ليس فقط الحد الأدنى للأجور، وإنما تناول أيضا الحد الأقصى للأجور التى تخرج من المال العام، وطالبت كافة القوى السياسية والحقوقية، والحركات الاجتماعية ضرورة تحقيق عدالة فى الأجور بما يكفل تقريب الفروق بين الدخول وظل النظام السابق ممتنعًا عن تحقيق هذه العدالة، بل وماطل فى تنفيذ حكم القضاء الإدارى وسعى لتفريغه من مضمونه بإعلانه عن حد أدنى للأجر الشامل قدره 400 جنيه شهرياُ لا يكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار، وبعد قيام الشعب بثورته المجيدة والإطاحة بالنظام السابق أعلنت حكومة الدكتور عصام شرف عن زيادة الحد الأدنى للأجر الشامل إلى 700 جنيه شهريًا دون أن تصدر قرار رسمى بذلك.
وبتاريخ 28 ديسمبر 2011 صدر المرسوم بقانون 242 لسنة 2011 بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى، ونشر فى اليوم التالى بالجريدة الرسمية فى العدد 52 تابع (أ) متضمنًا خمسة مواد، حيث تقرر المادة الأولى من المرسوم عدم جواز زيادة مجموع الدخل الذى يتقاضاه من المال العام سنويًا أى شخص من العاملين فى الدولة الخاضعين لأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 أو العاملين بقوانين خاصة، أو من العاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والكادرات الخاصة سواء كان شاغلًا لوظيفة دائمة أو مؤقتة أو وظيفة قيادية أو تكرارية أو مستشارًا أو خبيرًا وطنيًا أو بأى صفة أخرى، على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى لمجموع أقل دخل فى ذات الجهة التى يعمل بها من يشغل وظيفة من الدرجة الثالثة التخصصية أو ما يعادلها أو أدنى وظائف الجهات التى تنظم شئون أعضائها قوانين خاصة….، فى حين تقرر المادة الثانية منه أيلولة المبالغ التى تزيد على الحد الأقصى المقرر فى المادة الأولى إلى الخزانة العامة، وإلزام من تقاضاها بردها إلى جهة عمله قبل مضى ثلاثين يومًا من انتهاء السنة المالية، وأن يكون هذا الرد مصحوبًا بإقرار منه بما تقاضاه بالزيادة عن الحد الأقصى السالف ذكره، وتذهب المادة الثالثة من المرسوم بقانون إلى معاقبة كل من يمتنع عن تقديم الإقرار المنصوص عليه فى المادة الثانية فى الميعاد المحدد فيها أو كل من امتنع عن رد المبالغ المنصوص عليها فى ذات المادة بغرامة لا تقل عن (25%) ولا تجاوز (100%) مما حصل عليه من دخول بالزيادة عن الحد الأقصى المقرر مع إلزامه بسداد تلك الغرامة ورد ما تقاضاه من مبالغ تجاوز الحد الأقصى إلى الجهة الإدارية التى يتبع لها وعلى تلك الجهة توريد تلك المبالغ إلى الخزانة العامة خلال عشرة أيام من تاريخ سدادها وردها، أما المادة الرابعة من المرسوم بقانون فقد أناطت برئيس مجلس الوزراء إصدار القواعد اللازمة لتنفيذ أحكام هذا المرسوم بقانون، ونصت المادة الخامسة من المرسوم بقانون على نشره فى الجريدة الرسمية، وأن تكون له قوة القانون، وأن يعمل به اعتبارًا من أول يناير 2012.
وحيث أن وضع حدين أدنى وأقصى للأجور هو ضرورة حتمية، بل ومطلب قومى لغالبية أبناء الشعب المصرى بغية تقريب الفوارق بين الدخول فى المجتمع، وسعيًا لوضع أولى لبنات العدالة الإجتماعية هذا من ناحية، ومن أخرى القضاء على كل أشكال إهدار المال العام أو العدوان عليه فى شأن تحديد وصرف الأجور التى تخرج من المال العام، والتى تجسد حالات صارخة من إنعدام العدالة فى توزيع هذه الأجور. ففى الوقت الذى يتقاضى فيه عاملين أجرًا بلغ 99 جنيه فى الشهر نجد عاملين آخرين يتقاضون أجرا يتجاوز المليون جنيه شهريًا، الأمر الذى يستلزم أن يكون التشريع الصادر فى هذا الشأن ملبيًا لوظيفته الاجتماعية المبتغاه، ومحققًا لأهدافه التى يرنوا إليها أبناء شعبنا العظيم.
ولما كانت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 242 لسنة 2011 لا تحقق هذه الأهداف، وتتضمن ثلاثة عيوب جوهرية سعى المشروع المقترح لمعالجتها، وذلك على النحو التالى:
(أولًا)
العيب فى المرسوم بقانون: المادة تفتح الباب لوجود أكثر من حد أقصى للأجور التى تخرج من المال العام، حيث تسمح باختلاف هذا الحد من جهة عمل إلى أخرى، وهو ما يفرغ التشريع من مضمونه.
التعديل المقترح بمشروع القانون: يضع حد أقصى واحد لجميع الأجور التى تخرج من المال العام لا يمكن تجاوزه بأى حال من الأحوال، فالأصل فى إصدار مثل هذا التشريع هو أن يكون أقصى أجر يخرج من المال العام موحدًا ولا يختلف من جهة إلى أخرى أو من قطاع إلى آخر.
(ثانيًا)
العيب فى المرسوم بقانون: المادة لا تربط بين الحد الأقصى للأجور على المستوى القومى والحد الأدنى للأجور على المستوى القومى، وإنما تجعل الحد الأقصى “..خمسة وثلاثين مثل لمجموع أقل دخل فى ذات الجهة التى يعمل بها من يشغل وظيفة من الدرجة الثالثة التخصصية أو ما يعادلها أو أدنى وظائف الجهات التى تنظم شئون أعضائها قوانين خاصة..”، وهو ما يعنى من ناحية تجاهلها لأجور العاملين بالدرجات الأدنى من الدرجة الثالثة وما يعادلها شأن الدرجة الرابعة والخامسة والسادسة، والتى يتقاضى العاملين عليها أجور أقل، ومن ناحية ثانية تتجاهلها للحد الأدنى المقرر على المستوى القومى من قبل المجلس القومى للأجور نفاذًا لنص المادة 34 من قانون العمل 12 لسنة 2003، وهو ما يمثل تحايلًا غير مبررًا على جوهر النص.
التعديل المقترح بمشروع القانون: يربط بين الحد الأقصى للأجور على المستوى القومى والحد الأدنى للأجور على المستوى القومى حيث القيمة الحقيقية لمثل هذا المشروع هى وجود رابط موضوعى بين أقصى أجر يخرج من المال العام وبين أدنى أجر مقرر على المستوى القومى بما يتيح التوزيع العادل للأجور من ناحية، ويراعى التباين بين المؤهل ومدة الخدمة والخبرة والكفاءة وطبيعة العمل من ناحية ثانية.
(ثالثًا)
العيب فى المرسوم بقانون: المادة تجعل الحد الأقصى للأجر هو “..خمسة وثلاثين مثل لمجموع أقل دخل فى ذات الجهة التى يعمل بها من يشغل وظيفة من الدرجة الثالثة التخصصية أو ما يعادلها أو أدنى وظائف الجهات التى تنظم شئون أعضائها قوانين خاصة..”، وهو حد مرتفع عن المعدلات العالمية للحد الأقصى للأجور.
التعديل المقترح بمشروع القانون: تجعل الحد الأقصى للأجور لا يتجاوز عشرين مثل الحد الأدنى للأجور المقرر على المستوى القومى من المجلس القومى للأجور، حيث يتجاوب المقترح مع المعدلات العالمية للحد الأقصى للأجور، ويحقق أحد أهم أهداف إقرار المشروع وهو تقريب الفروق بين الدخول فى المجتمع.
مقدمه
النواب: حمدى الفخراني، وزياد العليمى، ومحمد شبانه