الطريق الي cop27سكن

اليوم العالمي للسكن| السكن في مصر.. أسئلة حول التغير المناخي في مقابل ميزان العدالة

ينظر إلى السكن بشكل متزايد على أنّه سلعة، وطريقة لتكديس الثروات بدلا من التعامل معه كمنفعة اجتماعية، وقبل كل شيء حق من حقوق الإنسان، الذي يلزم معه ضمان حد أدنى من الجودة واللياقة.

وتعد التغيرات المناخية ظاهرة عالمية كما تعد مصر واحدة من الدول التي تتعرض للآثار السلبية للتغيرات المناخية، التي يجب الأخذ بالاعتبار في تأثيرها على السكن، والتخطيط العمراني عموما.

وتزامنا مع اليوم العالمي للسكن، الاثنين الأول من شهر أكتوبر في كل عام، ؤعد الاعتراف بالسكن اللائق أحد أبرز عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب منصوصا عليه في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 والمادة 11.1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، ومنذ ذلك الحين، اعترفت معاهدات دولية أخرى في مجال حقوق الإنسان أو أشارت إلى الحق في السكن اللائق أو بعض عناصره، مثل حماية منزل الفرد وخصوصيته.

وبحسب الأمم المتحدة يهدد كل من التغير المناخي، والكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، التمتع بالحق في السكن اللائق، كما يؤدي إلى تشريد الملايين سنويًا، ومن شأن تطوير البنى التحتية وتشييد السدود الكهرومائية، وتنظيم المناسبات الكبرى، بما في ذلك الألعاب الأولمبية أو بطولات كأس العالم لكرة القدم، أن يساهموا في إعمال الحق في السكن اللائق لا تقويضه.

كما يجب أن يوفر السكن اللائق أكثر من مجرد أربعة جدران، ولكي يكون السكن لائقًا، يجب أن يستوفي، في حده الأدنى العديد من المعايير التي منها ضمان السلامة الجسدية، أو يوفر مساحة كافية، وحماية من البرد والرطوبة والحر والمطر والريح وغيرها مما يهدد الصحة.

وخلال السنوات الأخيرة شهدت أسواق السكن، والبناء عموما في مصر نشاطا غير مسبوق حيث تم تدشين الكثير من المشاريع الاستثمارية، وكذلك الحكومية، إلا أنها في الوقت نفسه طرحت سؤالا ضخما حول تماهي تلك المشاريع مع مشكلة التغير المناخي، والمواصفات المطلوبة لمناسبة البيئة، في حدود التغيرات الجارية.

واقع المناخ في مصر

 المناخ في مصر بشكل عام هو مناخ صحراوي (مداري جاف)، وهو مناخ حار في فصل الصيف ومعتدل في فصل الشتاء، ولكن بحسب تقرير وزارة البيئة المصرية فإن درجات الحرارة تختلف على نطاق واسع في المناطق الصحراوية الداخلية، وخاصة في فصل الصيف، حيث تتراوح درجات الحرارة بين ٧ درجات مئوية في الليل وتصل إلى ٤٣ درجة مئوية خلال النهار.

وتتأثر درجة الحرارة بمعدل تسخين وتبريد سطح الأرض حيث تنتقل الحرارة من سطح التربة إلى الهواء الملاصق كما تؤثر طبوغرافية الموقع بدرجة كبيرة على الهواء، كما يظهر تأثير البحر المتوسط حيث تزداد درجة الحرارة كلما ابتعدنا عن البحر واتجاهنا جنوبا.

كما تتأثر الأمطار بظروف الموقع فهي تزداد بالمناطق التي تتجه فيها الرياح لأعلي حيث تؤدي الرياح المنبعثة من المباني إلى اتجاه دائم لحركة الرياح، ويتمتع الساحل الشمالي بأكبر كميات مطر خلال فصل الشتاء، ثم تتناقص حيث تصل بالدلتا خلال فصلي الربيع والخريف بينما يعتبر الشتاء هو موسم سقوط الأمطار على كافة المناطق الأخرى.

الواقع التشريعي

في مصر يعتمد الجانب التشريعي للسكن على قانون البناء الموحد رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨ ولائحته التنفيذية بقرار وزاري ١٤٤ لسنة ٢٠٠٩.

وفي الواقع لم يدرج في القانون أي اشتراطات تساعد في مواجهة آثار التغيرات المناخية على الناحية التخطيطية، طبقا لما ورد في باب التخطيط العمراني وباب الاشتراطات العمرانية الخاصة بالقانون.

كما غابت عنه اشتراطات تخص الارتفاعات والمناور القانونية، وبروزات الواجهات، وحتى وبعد ما تم حديثا من إصدار اشتراطات بنائية جديدة، لازال النص القانوني بمعزل عن مراعاة الشق البيئي.

وفي هذا السياق ،أعلن النائب عمرو القطامي، عضو لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، في أبريل الماضي، تقدمه باقتراح بشأن إجراء تعديلات على كود البناء المصري للمباني السكنية بما يتناسب مع التغيرات والمستجدات التي يشهدها القطاع خلال السنوات الأخيرة.

وطالب القطامي بإعادة النظر في كود البناء المصري، بما يتواكب مع منظومة البناء الجديدة تُراعى المستقبل، وظاهرة التغيرات المناخية التي بدأت تلقى بظلالها، لافتة إلى أن كود البناء المصري لم تطرأ عليه أي تعديلات منذ فترة التسعينيات.

وأوضح “عضو مجلس النواب”، أن الهدف من إجراء تعديلات على اللائحة التنفيذية لـ كود البناء المصري، أن يتواكب مع توجهات الدولة في قطاع البناء، ووضع الحد الأدنى من المتطلبات والاشتراطات التي تحقق السلامة والصحة العامة من خلال متانة واستقرار وثبات المباني والمنشآت مع مراعاة الوصول الشامل وتوفير البيئة الصحية والإضاءة والتهوية وترشيد المياه والطاقة، والعزل الحراري، والوقاية والحماية من الحرائق على جميع أعمال البناء.

تأثيرات غير متساوية لتغير المناخ

وجود تأثيرات غير متكافئة لتغير المناخ بحسب اختلاف المجتمعات، واللامساواة معلومة لاحظها العديد من العلماء، والمتخصصين، فعلي سبيل المثال يقول الخبير البيئي الأمريكي ديك أرندت إن “الكثير من الصور التي نشاهدها لأشخاص يتم إنقاذهم من ارتفاع منسوب المياه في هذه الأيام هي لأشخاص لا يسكنون في أحياء راقية، وإنما في مناطق منخفضة المستوى الاجتماعي”. وأضاف: “في سياق مناخنا المتغير، فإن التغيرات الحادة في المناخ – وخاصة الفيضانات المفاجئة – يكون تأثيرها أشد عنفاً على الفئات المجتمعية الضعيفة”.

كما يؤكد الخبراء إن قضايا التهميش الاجتماعي تلعب دوراً مهماً أيضاً في مسألة السكن وعلاقته بالمتغيرات المناخية، إذ يمتلك الأشخاص الأثرياء المال لبناء منازلهم باستخدام مواد بناء عالية المستوى وفقاً لقوانين بناء محكمة، علاوة على ذلك، يمتلك الأشخاص الأكثر ثراء المزيد من الأموال لإنفاقها على التخفيف من حدة المخاطر.

وعلى المستوى المحلي المصري تطرح دراسة بعنوان “تأثير التغيرات المناخية على البيئة الخارجية لمشروع الإسكان الاجتماعي وطرق الحماية لتحقيق جودة الحياة” لمجموعة من الباحثين السؤال نفسه، والتي تصل في نتائجها للتالي:

-المبني السكني بمشروع الإسكان الاجتماعي نموذج لا يتفاعل مع الواقع المناخي مما يجعله نموذج لا يؤدي وظيفته كمسكن ملائم.

 -عدم اتباع منهجية التصميم المعماري البيو مناخي القائم على ثلاث محددات (المناخ – المسكن – الإنسان).

 -لا يوجد محاكاة للعملية التصميمة لتأثير العوامل المناخية طبقا للواقع المناخي لكافة المواقع التي يتم تنفيذها على مستوي القطر المصري باستخدام البرامج الإلكترونية المعنية بهذا الشأن.

 -عدم التعامل مع عناصر غلاف المبني من (أسقف- حوائط – فتحات ) لتتناسب مع البيئة المحيطة واثر النغير المناخي.

-عدم وضع تقييم للنموذج السكني وأدائه الحراري والبيئي ورصد أثار التغيرات المستقبلية للمتغيرات المناخية حتى عام ٢١٠٠ لكافة

-لم يتم بعد البناء بفكر مباني مطابقة لمواصفات كفاءة الطاقة، فيما يخص مشروع الإسكان الاجتماعي رغم كبر حجمه واستمراره العوامل المناخية ( درجة الحرارة – الرطوبة – الأمطار – الرياح).

 -إن الإسكان الاجتماعي في مصر هدفه الأساسي هو إتجاه كمي لتنفيذ أكبر قدر متاح حسب ميزانية الدولة وليس كيفي بتحقيق كافة المتطلبات والاحتياجات الإنسانية فيه .

لينك الدراسة

الباحثة بالجامعة الأمريكية في القاهرة ضحى إبراهيم ترى أن كثافة البناء بالطرق التقليدية في مصر تنتج ظاهرة الجزر الحرارية، وهي مناطق حضرية تشهد درجات حرارة أعلى من المناطق النائية.

وفيها تمتص الهياكل مثل المباني والطرق والبنية التحتية الأخرى حرارة الشمس وتعيد إصدارها أكثر من المناظر الطبيعية مثل الغابات والمسطحات المائية، حيث تكون هذه الهياكل شديدة التركيز والمساحات الخضراء محدودة، فتصبح “جزرًا” ذات درجات حرارة أعلى مقارنة بالمناطق النائية.

وتنبه إبراهيم إلى أن درجات الحرارة في النهار في المناطق الحضرية أعلى بحوالي 1-7 درجة فهرنهايت من درجات الحرارة في المناطق النائية، كما ان درجات الحرارة في الليل أعلى بحوالي 2-5 درجة فهرنهايت.

وتنتقد ضحى اتجاه مصر إلى تكثيف البناء خلال السنوات الأخيرة بغرض الاستثمار، في حين يتجه العالم إلى التقليل من الأبنية، واتباع سياسة مدن “الربع ساعة” التي لايحتاج فيها المرء إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى عمله، او الحصول على خدمة من نوع ما، فجميعها تتوفر في نفس المدينة الصغيرة، بهدف توفير الطاقة.

في حين تعمل مصر على شق الطرق، والتوسع في المباني الاسمنتية التي أثبتت الدراسات مساهمتها في التغير المناخي، واستهلاكه 32% من إجمالي استخدامات الطاقة، وينجم عنه 19% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

كما ترى ضحى أن مصر لا تعاني من الكثافة السكانية التي تجعلها بحاجة لهذا الحجم من البناء، والتشييد، انما بحاجة لإعادة توزيع الثروة، بدليل وجود أكثر من 12 مليون وحدة سكنية فارغة، والكثير من الفقراء ممن لايملكون السكن اللائق.

التزامات مصر أمام العالم

وفي المقابل أعلنت مصر في تقريرها الذي يوضح مساهماتها الوطنية والمقدم للاتفاقية الاطارية لتغير المناخ، التزامها بتعزيز المباني الخضراء من خلال تفعيل أكواد كفاءة الطاقة للمباني الجديدة.

واعتماد إجراءات تجديد المباني القائمة لتلبية الطاقة، كذلك اعتماد إرشادات طوعية للمباني الخضراء، وحوافز بدء التشغيل لتشجيع استخدام أفضل التقنيات المتاحة من أجل بناء أكثر استدامة.

كما أعلنت تطوير المباني التجارية والحكومية لأول مرة من قبل الإسكان وفقًا لمعايير المباني الخضراء بحلول عام 2030 وزيادة الوعي والمجتمع للمشاركة في المباني المستدامة، فضلا عن زيادة المساحات الخضراء والحدائق المستدامة في المدن الجديدة.

إلى جانب زيادة نصيب الفرد من الجمهور المسطحات الخضراء في المدن القائمة مثل ممشى أهل مصر ومشروع عين الحياة، واعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنقل النشط لتشجيع المواطنين على استخدام الدراجات والمشي في مسارات محددة.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى