استمرار تجاهل الحكومة حكم منع تلويث النيل يتسبب في كارثة صحية جديدة بأسوان؟
يتابع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بقلق بالغ تصاعد الإصابات بأعراض مرضية خطيرة بين أهالي قرية أبو الريش والنجوع المحيطة بها، فقد تسببت هذه الأزمة في نقل العشرات من المواطنين، بينهم أطفال وكبار سن، إلى المستشفيات في حالة حرجة، حيث ظهرت عليهم أعراض مثل القيء الشديد والنزلات المعوية.
يأتي ذلك مع استمرار تفاقم أزمة تلوث مياه النيل في محافظة أسوان، وفي السياق يؤكد المركز المصري أن هذا الوضع يمثل كارثة صحية وإنسانية تتفاقم مع استمرار الحكومة في تجاهل الحلول الحقيقية ورفضها التعامل بجدية مع أسباب المشكلة.
الأزمة متفاقمة
على مدار الأسبوع الماضي، تزايدت حالات الإصابة بشكل مقلق في أكثر من نجع داخل قرية أبو الريش، نتيجة تلوث مياه الشرب المستمرة بمياه الصرف الصحي والصناعي التي يتم تصريفها في مصرف السيل، والذي يصب مباشرة في نهر النيل بالقرب من مأخذ المياه الرئيسي الذي يغذي القرية. ورغم المناشدات المتكررة من الأهالي، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات فعالة لحل هذه الأزمة، ما يهدد حياة الآلاف من المواطنين ويضعهم أمام خطر داهم، بحسب المحامي مصطفى الحسن، مدير مركز هشام مبارك للقانون.
الأهالي يحتجون.. والمسؤولون يعدون بالتفاوض
وأشار الحسن إلى أن أهالي قرية أبو الريش نظموا وقفة احتجاجية يوم السبت للمطالبة بإجراء إصلاحات عاجلة على مرشح المياه المتدهور، ومد مأخذ المياه المغذي للمرشح إلى منطقة آمنة في منتصف النيل بعيدًا عن مصادر التلوث، وربط شبكة مياه الشرب بمحطات نظيفة مثل محطة “جبل شيشة” أو “فريال”.
كما طالب الأهالي بإدراج قريتهم في المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” لتحديث شبكة مياه الشرب وإدراج مشروع الصرف الصحي الذي طال انتظاره.
ورغم تحرك وفد حكومي وأمني إلى موقع الاحتجاج للتفاوض مع الأهالي، فإن هذه التحركات لم تتجاوز مرحلة الوعود بالتواصل مع الجهات المختصة، في ظل استمرار الأزمة دون حلول ملموسة على الأرض، بحسب الحسن.
تجاهل حكومي لأحكام القضاء.. الخطر مستمر
الأمر الأكثر خطورة هو استمرار الحكومة في تجاهلها للأحكام القضائية المتعلقة بالأزمة. فقد سبق أن أصدرت محكمة القضاء الإداري بأسوان في الدعويين رقمي 1685 و4652 لسنة 4 ق، حكمًا يلزم الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في مصرف السيل، ووقف أسباب التلوث الفوري وإزالتها. إلا أن الحكومة تقدمت بطعن على الحكم، مما يعكس تجاهلاً واضحاً لحقوق المواطنين واستمراراً في تعريض حياتهم للخطر.
ورغم مرور سنوات على هذه القضية، فإن الحكومة لم تتخذ أي خطوات جادة لتنفيذ الحكم، حيث تمثل هذه المماطلة خرقاً صارخاً للدستور المصري والقوانين المنظمة لحماية نهر النيل، خصوصًا القانون رقم 48 لسنة 1982، ووثيقة حماية النيل التي تم توقيعها في 23 أبريل 2015.
المخاطر الصحية والبيئية
تشير التقارير إلى أن مخلفات الصرف الصحي والصناعي التي يتم تصريفها في نهر النيل تحتوي على مواد سامة تسبب أمراضًا خطيرة مثل الفشل الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الإصابات بالأمراض الخطيرة بين أهالي أسوان. وقد أكدت المحكمة خلال حكمها التاريخي في فبراير 2021، بعد معاينة ميدانية لمصرف السيل، أن التلوث الناجم عن هذه المخلفات يمثل انتهاكًا خطيرًا لحقوق المواطنين في الحصول على مياه شرب نظيفة وآمنة.
ويشدد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أن حياة المواطنين ليست مجالًا للتهاون أو المساومة، وأنه لا ينبغي أن يكون ضمان حق أهالي أسوان في بيئة نظيفة ومياه شرب آمنة، وحماية صحتهم من المخاطر الناجمة عن الإهمال الحكومي المستمر، محل تفاوض، بل يستوجب التعامل الفوري دون أي تأخير.
وبناء عليه، يدعو المركز المصري إلى:
- التنفيذ الفوري لأحكام القضاء التي تلزم الحكومة بوقف تصريف المخلفات في نهر النيل واتخاذ إجراءات عاجلة لتنظيف مصرف السيل.
- تحديث شبكة مياه الشرب في قرية أبو الريش والقرى المجاورة وضمان مد مأخذ المياه إلى منطقة آمنة وسط النيل بعيدًا عن مصادر التلوث.
- إدراج قرية أبو الريش في المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” لتحديث شبكة الصرف الصحي، وتنفيذ مشاريع عاجلة لتحسين البنية التحتية للمياه.
- إجراء تحقيق مستقل وفوري في أسباب تأخر الحلول والتقصير الحكومي المتواصل، ومحاسبة المسؤولين عن تعريض حياة المواطنين للخطر.
- إطلاق حملة توعية صحية شاملة في محافظة أسوان حول مخاطر التلوث وكيفية الوقاية من الأمراض الناتجة عنه، وتوفير خدمات طبية عاجلة للمتضررين.