مع نمو دور الشركات متعددة الجنسيات وحجمها وتأثيرها على مستوى العالم، تتقلص عمليا آليات إخضاع هذه الكيانات للمساءلة. وعلى غرار غياب المساءلة الدولية، يقوم الإطار القانوني الذي ينظم الاستثمارات الأجنبية في مصر بتقليص دور الدولة الفعلي في تنظيم هذه الكيانات، متحديا بذلك سيادة القانون المصري، وسيادة الدولة المصرية، في محاسبة تلك الكيانات عندما تنتهك القانون أو حقوق المواطنين. وفي حقيقة الأمر، ينتج عن ذلك الإفلات الكامل للشركات متعددة الجنسيات من المسئولية والمحاسبة في مصر.
يخوض هذا التقرير في الأطر الدولية والمحلية المنظمة للاستثمار الأجنبي في مصر، مع تقديم العديد من دراسات الحالة لانتهاكات قامت بها شركات متعددة الجنسيات تعمل في مصر ولا تزال تتمتع بالحصانة. وفي الوقت الحالي تظل مصر من أكثر الدول في العالم تعرضا لخطر التحكيم الدولي، الذي ينتج عنه مطالبات المستثمرين بالتعويض عبر لجان تحكيم دولية متخصصة في شؤون الاستثمار نتيجة لمعاهدات الاستثمار الثنائية غير المتوازنة التي وقعت عليها مصر، والتي تحابي مصالح المستثمرين الأجانب على حساب سيادة الدولة والصالح العام، وهي المعاهدات ذاتها التي تمثل المرجعية الأساسية التي تستند اليها مصر في تعديل تشريعاتها المحلية المنظمة للاستثمار. وعبر تسليط الضوء على انتهاكات الشركات متعددة الجنسيات في مصر، والإفلات المحير من العقاب الذي تستمر الدولة المصرية السماح به.
يحاول التقرير إقامة رابط بين حقوق الإنسان والصالح العام والتنمية من جانب، وسياسات الاستثمار والضرائب من الجانب الآخر، مع طرح أسئلة تتعلق بتجانس عملية وضع السياسات المصرية وإعطاء توصيات بإصلاحات ضرورية.